لبنان ملعباً لشركات تحويل الأموال: أسئلة كبيرة حول القطاع المصرفي؟

عندما وقعت الأزمة الإقتصادية في لبنان عام 2019 وتعرضت المصارف الى أزمة مالية كبيرة كانت نتائجها كارثية على عملها وعلى ثقة الزبائن بها، فُتح السوق اللبناني أمام شركات تحويل الأموال التي نشطت على نطاق واسع، فتعددت العروضات وأسماء الشركات، وهو ما يزيد من المخاطر على الراغبين بالتحويل.

تحويلات المغتربين
في العام 2022 احتل لبنان المرتبة الأولى على صعيد المنطقة، والثانية عالمياً، من حيث مساهمة تحويلات المغتربين بناتجه المحلي الإجمالي، حيث حول مغتربوه حوالي 7 مليارات دولار، كان أغلبها عبر شركات تحويل الأموال لا المصارف، لأسباب عديدة أبرزها فتح الحسابات وانعدام الثقة بالمصارف، الى جانب الكلفة الكبيرة التي يتكبّدها المرسِل أو المرسَل إليه لاستلام الأموال.

هذا السوق العريض شجّع أصحاب شركات تحويل الأموال على التوسع، حيث تُشير أرقام العام 2022 الى وجود حوالي 14 شركة تحويل عاملة في لبنان ومرخصة، تقدم الى جانب عملها في تحويل الأموال خدمات أخرى كدفع الرسوم والضرائب والفواتير والتشريج، وصولاً الى خدمات البطاقات الممغنطة، الأمر الذي يُنذر بانحسار دور المصارف شيئاً فشيئاً.

كثيرة هي الشركات التي تتنافس في السوق، من دون أن ندخل بالتسميات بسبب المنافسة القاسية والتي باتت تستدعي أفكاراً إعلانية غريبة على شكل حصول المتلقي على هدايا نقدية. أما كلفة التحويل فتختلف بين شركة وأخرى، فبعضها يُلزم المُرسل بدفع 2.6 بالمئة من قيمة المبلغ على أن لا يتعدى الألف، وبعضها 7 بالمئة مهما كان حجم المبلغ، على أن يكون الاستلام فورياً من مكاتب الشركات في لبنان.

نظام مالي بديل؟
تحصل هذه الشركات على ترخيص العمل من مصرف لبنان، يقول الخبير المصرفي نسيب غبريل في حديث لـ”المدن”، مشيراً الى انها خاضعة كالشركات اللبنانية الى ترخيص من مصرف لبنان.

في سياق متصل يُشير عميد كلية إدارة الاعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري الى أن هذه التطبيقات، أو المنتجات تأتي نتيجة عالم جديد من تكنولوجيا المال يُعرف بـ”Fintech” عالميا، وهي تكنولوجيا الوسائط المالية، لافتاً في حديث لـ”المدن”، الى أن “أغلب المصارف اليوم تتعرض لتحديات كبيرة أساسها التكنولوجيا، وبمعنى آخر لم يعد السوق بحاجة للأشكال التقليدية للوساطة التي طالما مثلتها البنوك، حيث أن شركات التحويل وأيضا كل أنواع شركات “Fintech” في لبنان، وهي حوالي 7 شركات معروفة تماما تعمل في هذا المجال، قد سهّلت على المتعامل مشاكل التحويل ومشاكل دفع الفواتير، وخصوصاً الكهرباء والضرائب والعديد من الأمور التي كنت بحاجة لأكثر من يوم لإنجازها في القطاع المصرفي، معتبراً أن “نظاما مصرفيا جديدا متطورا يتبلور حول العالم، لا يعتمد على الكاش، فالكل يستخدم هواتفه مع الQR Code لتسوية كل المعاملات”.

من جهته لا يرى غبريل أن “هذه الشركات تمثل نظاماً مالياً جديداً، فهذه الشركات تلعب دورا خصوصا في ظل جمود الإصلاحات التي من شأنها أن تعيد عمل المصارف بالخدمات وخصوصا التسليف للقطاع الخاص وللشركات وللمؤسسات”، مشيراً في حديثه لـ”المدن” الى “وجود رابط بين بعض هذه الشركات وبعض المصارف. هناك شراكة من دون أن يمكن لهذه الشركات أن تدعي انها مكان المصارف ولا تدعي هي ذلك أصلا. فهي لا يمكنها التسليف لأن ذلك عمل المصارف. في المقابل يمكنها أن تقدم بعض الخدمات المالية، حسب الرخصة التي تملكها، اي لا يمكنها حتى بالأزمة الحالية أن تكون بديلا للمصارف. ومن الخدمات التي يمكنها تقديمها إصدر بطاقات ائتمان”.

غالب ومغلوب؟
بحسب الخوري فإن سطوع هذه الشركات يدعونا الى السؤال مرة اخرى، عن دور وطبيعة الوساطة. يقول: “هناك تيار عالمي كبير اليوم يعمل ضد مبدأ الوسيط، يقول أن التكنولوجيا ذاتها قد أوجدت الإمكانية للتخلي عن الوسطاء، وهذا يطرح أسئلة كبيرة حول مستقبل القطاع المصرفي برمته وما هو الدور الجديد الذي يمكن أن تلعبه المصارف بعد خلخلة الأسس المادية لنظام الوساطة”.

لا يشعر أصحاب المصارف بالراحة لهذه الشركات التي تستحوذ على دورهم، لكن الحرب معهم لا تكون غالب ومغلوب، بل بالدخول في النظام الجديد، لذلك نجد أن المصارف بات لديها شركات تحويل أموال، إنما السؤال الأساسي هو ماذا سيبقى من أرباح البنوك بعد توسع ظاهرة شركات تحويل الأموال؟

يُشير الخوري الى أن أرباح المصارف لم تعد تُحقق من خلال الفارق بين الفائدة الدائنة والفائدة المدينة، بسبب المنافسة، لذلك تسعى المصارف لتعظيم أرباحها من خلال الخدمات الإضافية التي تقدمها، وهذه الخدمات هي تماماَ ما تقدمه هذه المنتجات المالية الجديدة، لذلك هناك علامات استفهام حول إمكانية استمرار المؤسسات البنكية عبر العالم اذا ما خسرت هذا النوع من الأرباح.

مخاطر تبييض الأموال
لا تطرح هذه الشركات مشكلة تبييض الأموال، “لأنها شركات خاضعة للتتبع في لبنان والخارج”، يؤكد الخوري، مشيراً الى أن “هذه الشركات تعمل بناء لرخص، وطالما عملت برخص فهي خاضعة لنظام التتبع الدولي، لذلك لا يوجد أي خطر من تحويل الأموال بسبب هذه الشركات”.

لكن هل هناك خطر أن يستخدم مبيضو الأموال هذه الشركات؟ يجيب “نعم هذا صحيح، وصحيح أيضا بالنسبة للبنوك وللتجارة الخارجية. يطوّر مبيّضو الأموال أيضا تقنياتهم من أجل الإستفادة من الثغرات الموجودة في القنوات المتاحة لتحريك الأموال عبر الدول”.

من جهته يؤكد غبريل”خضوع هذه الشركات، مثل الشركات القديمة والكبيرة لنفس الرقابة والمعايير التي تخضع لها المصارف وشركات تحويل الأموال القديمة، وايضا للسلطات الرقابية التي تراقب هذا الموضوع”.

النقل بالطرق التقليدية
هذه الوسائل الحديثة بنقل وتحويل الأموال أتاحت للمستخدمين فرصة آمنة للتبادل، لكن هذا لا يسري على كل دول العالم، حيث لا يزال البعض يعتمد على الوسائل التقليدية في افريقيا مثلاً. يقول أحد مغتربي افريقيا لـ”المدن”، أنه لا يزال يُعاني من صعوبة تحويل المال لأسباب سياسية وأمنية معروفة، لذلك يتم اللجوء إلى “الطريقة البدائية” بتحويل الأموال عبر التسليم باليد بين لبنان وافريقيا، بحال كانت المبالغ كبيرة، أو نقل الأموال عبر المطار بحال كانت قليلة، رغم أن هذه الطريقة ليست آمنة أيضاً بحسب ظروف كل مطار وكل دولة.

هذه الطريقة تتطلب فريقاً في افريقيا يسلم المال، وفريقاً في لبنان يتسلم المال بنفس الوقت، وهو ما كان ولا يزال يسبب حوادث لا يمكن ملاحقتها قانونياً وقضائياً بسبب طبيعة التحويل.

محمد علوش- المدن

مقالات ذات صلة