المبادرة مستمرة …ولودريان غادر ويعود بعد أيّام!
أنهى الموفد الشخصي للرئيس الفرنسي جان إيف لودريان جولته الثالثة له الى لبنان، أمس الجمعة التي استمرّت أربعة أيام جال خلالها على جميع المسؤولين اللبنانيين من دون التوصّل الى إقناعهم بالجلوس الى “طاولة الحوار” (أو التشاور) للتوافق، ومن ثمّ الذهاب لانتخاب رئيس الجمهورية. وغادر بيروت على وَقع أنّ مبادرته مستمّرة، وقد تلاقت أو “تقاطعت” أخيراً مع بيان اللجنة الخماسية. ولهذا استبدل الحوار أو العمل وطاولاته اللذين لم يذكرهما هذا البيان بلقاءات تشاورية.
وقرّر لودريان العودة بعد أيام (أواخر أيلول الجاري أو أوائل تشرين الأول المقبل، بحسب التقديرات) في زيارة رابعة الى لبنان علّ وعسى ينجح هذه المرّة.. وعُلم أنّ الموفد الفرنسي سيقوم مباشرة بإطلاع اللجنة الخماسية، ومن ضمنها بلاده، على ما سجّله من ملاحظات خلال هذه الزيارة، إن عبر الإتصال بممثلي اللجنة أو وبإجراء مكالمة الفيديو بهم، سيما وأنّهم سيجتمعون في نيويورك، الثلاثاء المقبل، على ما يُرجّح، على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة خلال دورتها الثامنة والسبعين.
وبين نعي المبادرة الفرنسية، ودعمها والكلام عن استمرارها، أكّدت مصادر سياسية لجريدة الدياربأنّ المبادرة الفرنسية لا تزال قائمة لجهة الإهتمام الذي تُبديه فرنسا بلبنان وبعدد من ملفاته من الرئاسي، الى الغاز والنفط، الى الوضع الإقتصادي المنهار. غير أنّ ما حصل هو أن معادلة “سليمان فرنجية- نوّاف سلام” لإنهاء الشغور الرئاسي في البلاد والتي لم تلقَ قبولاً خارجياً ولا إجماعاً داخلياً، رغم محاولاته وزياراته الثلاث قد طُويت. ولهذا قام خلال زيارته الأخيرة بمحاولة فتح صفحة جديدة كمتحدّث باسم “الخماسية” تقوم على وضع المرشّحين الحاليين للرئاسة جانباً والتفاهم أو “التقاطع” على إسم مرشّح ثالث.
وكشفت بأنّ لودريان خلال اجتماعاته بالمسؤولين اللبنانيين، قالها بكلّ وضوح: “لم تتمكّنوا خلال جلسة الإنتخاب الماضية (في 14 حزيران) من تأمين الأصوات المناسبة لأي من المرشَّحين للرئاسة (أي مرشّح “الثنائي الشيعي” الوزير السابق سليمان فرنجية، ومرشّح المعارضة الوزير السابق جهاد أزعور) ولا يبدو أنّ إعادة الإنتخاب بهذين المرشحين ستؤدّي الى وصول أحدهما الى قصر بعبدا. لِذا لا بدّ من التفتيش أو التفاهم على إسم مرشّح ثالث، من دون أن يدخل في الأسماء، لأنّه يعتبر أن التسمية تعود للكتل النيابية نفسها التي تنتخب الرئيس وليس لأي جهة أخرى.
وأضافت المصادر نفسها بأنّ الموفد الفرنسي أكّد لمن التقاهم بأنّ وصول أي من المرشحين بـ 65 صوتاً فقط، لن يجعل عهده ناجحاً بل على العكس سيجعله عرضة لعقبات وعراقيل كثيرة. من هنا أهمية الإلتقاء والحوار والتفاهم.
أمّا عودته بعد أيّام، فسيقوم خلالها بالدعوة الى “لقاء تشاوري” يُعقد في قصر الصنوبر أو في أي مكان آخر، على ما أفادت المعلومات، لوضع المسؤولين أمام ما جرى التوصّل اليه خلال مهمّته هذه، ولإطلاعهم أيضاً على نتائج اجتماع “الخماسية” في نيويورك، قبل أن يودّعهم للإلتحاق بمهامه الجديدة في العُلا في السعودية الشهر المقبل. فإذا تمكّن من جمع جميع الكتل النيابية، يكون بذلك أنهى مرحلة “الحوار” أو التشاور (نظراً لحساسية البعض على عبارة “الحوار”) الذي دعا إليه هو من جهة، ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي من جهة ثانية، ليتمّ القفز الى المرحلة الثانية وهي مرحلة عقد جلسة إنتخاب بدورات مفتوحة ومتتالية الى حين صعود “الدخان الأبيض” من البرلمان.
أمّا إذا كانت الأمور لم تنضج بعد، فسيعتمد على برّي، على ما أشارت المصادر، لاستكمال “التشاور” لسبعة أيّام، بحسب مبادرته، تحت قبّة البرلمان، رغم صعوبة تلبية هذه الدعوة من قبل قوى المعارضة التي بقيت على موقفها من “طاولة الحوار”، إذ تعتبره ضرباً للدستور ويُمكن أن يُصبح عرفاً يحصل قبل كلّ إنتخاب لرئيس الجمهورية، نحن بغنى عنه. في حين أنّ المطلوب اليوم، بحسب ما تُطالب به، تطبيق الدستور والذهاب فوراً لانتخاب الرئيس بدورات متتالية لجلسة الإنتخاب.
وبرأيها، إنّ لودريان حاول “التقاطع” مع من التقاهم في بيروت، غير أنّه لم ينجح. لكنّ بلاده وإن تخلّت عن المعادلة التي سبق وأن طرحتها، ثمّ أرسلت الموفد الفرنسي لتطبيق بيان “الخماسية” وفَشِل، غير أنّها لا تزال تصرّ على ضرورة التفاهم لانتخاب رئيس جامِع للبنان في أقرب فرصة ممكنة.
وبما خصّ الزعيم الدرزي وليد جنبلاط فقد تحدّث عن أنّ لودريان لم يدخل في لعبة الأسماء، ولم يدخل هو فيها أيضاً، لدى سؤاله بعد اجتماعه بالموفد الفرنسي لمن سيُصوّت في جلسة الإنتخاب. إلّا أنّ أوساط قوى المعارضة، تحدّثت عن أنّها طرحت أمام لودريان أنّها لا تزال متمسّكة بمرشّحها أزعور. فسألها إذا كان بإمكانها تأمين الأصوات اللازمة له، فأجابته بـ “نعم”، شرط عدم لجوء الفريق الآخر الى تعطيل النصاب القانوني للجلسة. فأكّد لها بأنّ برّي طمأنه بعدم اللجوء الى التعطيل.
ولفتت الى أنّها قدّمت تنازلات كثيرة، أولاً من خلال التخلّي عن ترشيح النائب ميشال معوّض، وثانياً من خلال الذهاب الى الحوار والتوصّل الى تفاهم جرى فيه “التقاطع” على إسم أزعور، في حين أنّ الفريق الآخر لم يقدّم تنازلاً واحداً.
ولأنّ الحلّ لا يزال معلّقاً، سيعود لودريان الى بيروت في غضون أيّام، وفق المصادر عينها، والمخرج هذه المرّة قد يتمثّل في جمع الكتل ليس على طاولة حوار، إنّما بذريعة وضعهم في أجواء ما جرى التوصّل اليه خلال زياراته الأربع الى لبنان، وما تجده “الخماسية” كحلّ جيّد لإنهاء الشغور الرئاسي في البلاد. وهكذا ربما ينتقل الجميع بعدها بدعوة من برّي الى المجلس النيابي لانتخاب الرئيس في دورات متتالية، أو يعقد برّي “الحوار في البرلمان بمن حض” ويُنهيه بجلسة الإنتخاب المفتوحة. فالأمور لم تُحسم بعد في انتظار ما سينتج عن اجتماع “الخماسية” في نيويورك، وعندها يُبنى على الشيء مقتضاه.
دوللي بشعلاني- الديار