فرنجيّة “ليس من الماضي”: رعد للبيك بصريح العبارة “معك إلى يوم الدين”!
أربعة أيّام بلياليها أمضاها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في ربوع لبنان. كانت كثيرةٌ لقاءاته المعلنة وغير المعلنة مع شخصيات سياسية، نواباً وناشطين سياسيين. وأنهى زيارته كما بدأها، باجتماع مطوّل مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
هي المرّة الأولى التي يقابَل فيها موفد رئاسي فرنسي بمثل ما قوبل به لودريان، إذ ناقشوه، ساجلوه في عقر داره وخرجوا على أمنياته. إنّها سابقة أن يتمّ التعامل مع موفد إيمانويل ماكرون بمثل ما عومل لودريان. احتار كيف يُقنع الآخرين بطروحاته فاستعان عليهم باللغة على اعتبار أنّ “النقاش” غير “الحوار”، و”الحوار” غير “التشاور”… “فليتمّ النقاش بالشأن الرئاسي”.
من دون وعود غادر لودريان لبنان وعينه على عين التينة التي شكّلت رافعة لمبادرته. يقضي الاتفاق الذي تمّ بينهما أن يباشر برّي الإعداد لـ”تشاور” لم تعد تمانعه السعودية على سبيل تقطيع الوقت. كلّ حلفائها عدّلوا مواقفهم، وأوّلهم رئيس القوات سمير جعجع الذي أعلن أنّ حزبه لم يرفض الدعوة للحوار.
ينتظر برّي كما لودريان اجتماع اللجنة الخماسية الذي سينعقد الثلاثاء المقبل على هامش اجتماعات نيويورك للأمم المتحدة، والمرتقب أن يصدر بيانٌ في ختامه يتحدّث بإسهاب عن الملفّ الرئاسي اللبناني. وقبله لن يتغيّر شيء، وإن كان الاتفاق المبدئي أن تتمّ الدعوة إلى “الحوار” أو “التشاور” أواخر أيلول الجاري.
حوار مجهول المعالم
لكنّ الحوار أو التشاور المنتظر ليس واضح المعالم بعد. حسب ما قال لودريان فإنّ ترشيح سليمان فرنجية وجهاد أزعور صار خارج التداول، ولاقاه السفير السعودي وليد بخاري في اجتماعهما مع النواب السُّنّة بحضور مفتي الجمهورية، متحدّثاً عن “خيار ثالث” مطابق لنص البيان الثلاثي الأميركي الفرنسي السعودي. كلّ من التقى الموفد الفرنسي فهم منه أنّ فرنجية صار خارج حلبة المنافسة رئاسياً، وعلى هذا الأساس سيتمّ الحوار للبحث عن مرشّح جديد يتمّ التقاطع عليه.
تدفع هذه الصيغة إلى التساؤل عمّا إذا كان برّي يوافق لودريان على خلاصته، وسيدعو إلى حوار لا يشمل ترشيح فرنجية، ولكأنّ الطرفين يمهّدان الأرضية للنزول عن شجرة الالتزام بفرنجية. لكنّ مصادر سياسية مواكبة قالت إنّ لودريان لم يتحدّث اللغة ذاتها أمام الجميع، وحاول أن يقدّم لكلّ طرف ما يرضيه.
تناغم مع برّي لا مع الحزب
لم ينسحب تناغم برّي مع لودريان على التفاهم بينه وبين الحزب. اعتبر الأخير أنّ موافقته على حوار/تشاور غير مشروط لا تعني أنّ فرنجية سيكون خارجه، خلافاً لكلّ التحليلات التي بُنيت على زيارة الموفد الفرنسي لحارة حريك، التي أعقبتها زيارة لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد لبنشعي، أو على لقاء الأخير مع قائد الجيش جوزف عون. محطّات لها ما يبرّرها من جهة الحزب، الذي يعلن أنّ “اللقاء مع قائد الجيش كانت مناسبته اجتماعية وليس مقرّراً أن يكون سياسياً. أمّا زيارة النائب رعد لفرنجيّة فكانت مقرّرة قبل عشرة أيام ولا علاقة لها بزيارة لودريان أو بلقاء جوزف عون”.
يعتبر الحزب نفسه غير معنيّ بالحديث عن خيار ثالث رئاسي. أبلغ رعد فرنجية بصريح العبارة: “معك إلى يوم الدين. فقبل الحوار مع رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل وبعده، وقبل اللقاء مع جوزف عون وبعده، وقبل زيارة لودريان وبعدها، أنت كنت وما زلت مرشّحنا الوحيد للرئاسة”.
فرنجيّة “ليس من الماضي”
حين اتّخذ الحزب قراره بدعم ترشيح فرنجية، كان ذلك نابعاً من دراسة مسبقة ومعرفة معنى قرار كهذا وأهمّيته بالنسبة له. يريد رئيساً “لا يطعن المقاومة في الظهر” ويشكّل له “ضمانة للمستقبل”، وكأنّ الحزب يريد الاكتفاء بالرئاسة الأولى وأن يدخل في مقايضة على بقيّة المناصب في الدولة على أساس أنّ لهم رئاسة مجلس الوزراء وقيادة الجيش ولنا أن نختار رئيس الجمهورية والتوافق بشأنه مع الآخرين.
لم يتّفق الحزب مع لودريان على اعتبار ترشيح فرنجية صار من الماضي أو غير مدرج على جدول الترشيحات. زيارته هذه المرّة لم تحظَ بمباركته، وهو سعى إلى التقليل من أهمّيتها ووضع زيارته في إطار حفلة علاقات عامّة لتسجيل حضور بعدما سبقه الأميركي والإيراني.
متمسّكون بك وعن قناعة
كان المأخذ عليه أنّه لم يقُل كلمة واحدة، بل قال لكلّ طرف ما يرضيه. ما سمعه منه الحزب لم يكن جديداً بل سبق أن قاله قبل ثلاثة أشهر ونال الإجابة عنه بأنّ جلسة الانتخاب الأخيرة كانت بداية لفرنجية لا نهايته. الأصوات التي نالها مرشّح الحزب، وهي 51، عزّزت أمله بوصوله للرئاسة. إذا كانت البداية بهذه النسبة من الأصوات فلا بدّ من التفاؤل، خاصة أنّ حواراً مع التيار ما يزال في بدايته وأجواءه تتّسم بالإيجابية. وإذا كان باسيل يقول إنّه لا يقبل بفرنجية فإنّ ما يقوله في العلن يختلف عمّا يقوله لنا في السرّ.
لا يعتبر الحزب نفسه معنيّاً بالأجواء الإعلامية التي يتمّ تناقلها والتي تتحدّث عن تراجعه عن فرنجية أو العبور إلى بحث خيار رئاسي آخر، ذلك الخيار الذي لم يرِد في حساباته. يعرف أنّ ظروف انتخابه اليوم صعبة، لكنّه مصرّ على اعتبار أنّ جلسة الرابع عشر كانت البداية، وهو بدأها بـ51 صوتاً والمجال ما يزال سانحاً .
في اللقاءات التي جمعته بالأمين العامّ للحزب منذ مدّة، وبالرئيس نبيه برّي لاحقاً، سأل فرنجية: “هل تسيرون حتى النهاية في دعم ترشيحي”. فقالا: “نعم وقلبنا مطمئنّ وليطمئنّ قلبك”. ولاحقاً أبلغ فرنجية الثنائي: “إذا وجدتم أنّ الأمور بالغة الصعوبة فأتمنّى أن يصار إلى إبلاغي مسبقاً كي أرتّب أموري مع جماعتي”. فكان جواب الثنائي: “متمسّكون بك وعن قناعة”.
جوزف عون: لا رئاسة بلا توافق
كلّ كلام عن القبول بجوزف عون أو أيّ مرشّح غيره لا يعتبر الحزب نفسه معنيّاً به. الصعوبات التي تعترض حليفه المرشّح كثيرة، ولذا “الأمور قد تطول بالطبع، لكن لن نقبل أن يُفرض علينا رئيس”.
أصوات الاعتراض على ترشيح فرنجية لم تلغِ واقعاً يسلّم به الفرنسيون قبل غيرهم، وهو أنّ أيّ مرشّح لا يحظى بتأييد “الثنائي الشيعي” لن يُكتب له النجاح وإن نجح وصار رئيساً فلن يحكم أو يحقّق الإصلاحات المطلوبة.
منى الحسن- اساس