وفاة نزيل في سجن روميّة:تدهور صحي غير مسبوق

اليوم، وبعد أربع سنواتٍ عن عمر الأزمة اللّبنانيّة، ومع كل الأزمات التّي طفت على السّطح، وتناسل عنها المزيد من الأزمات، لا يبدو أن ملف السّجون اللّبنانيّة المُكتظة والتّي لا تُراعي بديهيات الحقوق الإنسانيّة لنزلائها غير المحكوم غالبيتهم للآن، قد يصلّ إلى ما يُحمد عقباه. فمنذ مطلع الأسبوع الجاري، وسجن روميّة المركزيّ بنزلائه وعناصره الأمنيّة، يموج توترًا وتوجسًا، تفاعلاً مع ثلاث حالات في “المركز التأهيليّ”، كانت بمثابة إنذار لكارثة إنسانيّة – حقوقيّة مرتقبة، واستشراف للأسوأ القادم.

وفاة اعتباطيّة
يتفاعل خبر موت أحد النزلاء اعتباطيًّا، قبل ثلاثة أيام، مسببًا حالة سخط وتبرم عارمة في صفوف النزلاء نتيجة وفاة، أقل ما يقال عنها، أنها مجانية وقاهرة . فالسّجين سعيد النمريّ (40 عامًا، فلسطينيّ الجنسيّة)، كان قد قضى نحبه، مساء الأربعاء 13 أيلول الجاري، نتيجة غياب الطبابة والاستشفاء في السّجون اللّبنانيّة الفاسدة والمهلهلة.

وفي التّفاصيل التّي حصلت عليها “المدن” تبين أن النزيل، والذي تبقى له تسعة أيام لإخلاء سبيله ، يُعاني من الأمراض القلبيّة والضغط، وداء السُّكريّ، وكان قد مضى أسبوع على تلقيه آخر الجرعات اليوميّة، لصعوبة تأمين المال اللازم لشراء أدويته، الأمر الذي أدى لتفاقم أزمته الصحيّة، وصولًا لحاجته إلى دخول المشفى. وفيما لم تقبل إدارة السّجن سوقه إلى أقرب مركز علاج (رجحت المعلومات الأوليّة بسبب عدم توافر آلية لنقله)، تمّ الاتصال بعائلته، التّي بدورها لم تتمكن من تأمين مبلغ 200 دولار أميركي، رسوم دخول المشفى، حتّى بقي السّجين مُسجى على الأرض في صيدليّة السّجن، إلى أن فارق الحياة. وقد حاولت “المدن” التّواصل مع أهله عبر لجنة أهالي الموقوفين في لبنان، إلا أن الأهل يرفضون التّعليق.

لا استشفاء
ويتداول النزلاء وذووهم، قضية السّجين هيثم خالد (من منطقة فنيدق، سكان طرابلس)، الذي تمّ نقله منذ حوالي الأربعة أيام إلى مستشفى “ضهر الباشق” الحكوميّ، من سجن روميّة المركزيّ، بسبب عوارض التهاب الزائدة الدوديّة. وبحسب ما أشارت لجنة أهالي الموقوفين، اعتذر المشفى عن معالجته، لكونه غير مُجهز لإجراء مثل هذه العمليّة، وأوصت الضابط الموكل بالمهمة نقله إلى مشفى طرابلس الحكوميّ؛ ونظرًا للمخاطر الأمنيّة، عاد الضابط بالسجين إلى روميّة، بالرغم من وضعه الصحيّ الصعب وحالته الطارئة، وبقيّ في الزنزانة ما يربو عن العشر ساعات، متحاملاً على المه، حتّى انفجرت زائدته لحظة وصوله إلى مشفى طرابلس الحكوميّ الذي رفض إجراء العمليّة إلا شرط تعهد عائلته بدفع مبلغ 1000 دولار أمريكيّ، رسوم العمليّة.
وتبين لاحقًا أن سموم انفجار الزائدة قد انتشرت في جسده فمكث مدّة قصيرة، وأُعيد إلى سجن روميّة، حيث تفاقمت حالته الصحيّة، التّي استدعت تدخل سائر النزلاء لمطالبة الإدارة بإرجاعه إلى المشفى. استجابت الأخيرة مرغمةً، وتمّ نقله، وتُشير مصادر مقرّبة منه أن حالته الصحيّة متدهورة ولم تستقر بعد.

أما النزيل الثالث طارق طه، فقد علمت “المدن” أنه تقاسم وخالد، الحصّة نفسها من الإهمال والتّحامل. فعلى الرغم من وضعه الصحيّ المزري الناجم عن ورم في منطقة الكتف أدّت لانفجار شرايين يدّه وشلّلها، لم يخضع حتى اليوم لأي علاج، بسبب غياب الطاقم الطبيّ عن السّجن، وصعوبة تأمين المبلغ الكافي لإيداعه المشفى.

الانحدار المزمن
وفي معرض تعليقها على ما يتمّ تداوله، وتتابعه عن كثب، أشارت نائبة رئيس لجنة أهالي الموقوفين، ونائبة رئيس جمعيّة س. ج. ن الحقوقيّة – القانونيّة، رائدة الصلّح، إلى أن “الوضع الاستشفائي في السّجون عموماً ورومية خصوصاً، من السّيء للأسوأ ولا غرابة بالقول أن الدولة تخلت بشكل كلّي عن السجناء وتركتهم لواقع أليم نهايته للأسف الموت المحتم وهذا ما حصل قبل أيام مع السجين المظلوم سعيد النميري حيث فارق الحياة بسبب عدم نقله إلى المستشفى، والمبرر بأن أهله لم يدفعوا 200 دولار”.

تضيف “يمكن القول إن الوضع الطبي اليوم أصبح عامل قتل جديد وأصبح حكماً نافذاً بدون محاكم وقضاة فينفذ الحكم بالمرض والوجع الدائم واحياناً الموت القاتل للسجين ولرفاقه الذين يرونه يلفظ أنفاسه الأخيرة أمام أعينهم من دون قدرتهم على فعل أي شيء لرفيقهم الميت أمامهم، هذا الإهمال والتخلي عن ابسط حقوق السجناء ومقومات البقاء لهم على قيد الحياة يُنذر بخطر كبير قادم”.

يُذكر أنه وإلى جانب أزمة الاكتظاظ المقيت بنسبة إشغال تتجاوز الحدود المعقولة، فإن الأزمة الصحيّة قد استفحلت في غضون الأشهر الماضيّة بصورةٍ غير مسبوقة، من أمراض جرثومية كالكوليرا والتيفوئيد والتهابات جلديّة منتشرة، ولم يتم تحسين الظروف الصحيّة المتعلقة بالطعام والمياه الملوثة. يُقابل ذلك امتناع المستشفيات الحكوميّة والخاصة عن استقبال المرضى من النزلاء، وتقصير مصلحة الصحة في قوى الأمن الداخلي عن واجباتها في هذا الشّأن، فيما بات عبء الطبابة مرمي على كاهل العائلات لدفع تكاليف الطبابة لأقربائهم في المستشفيات.

المدن

مقالات ذات صلة