الهدف صيدا لا عين الحلوة: إعدام مدينة وتطويع طائفة ورسالة “نارية” لــسعد
لا تستهدف الاشتباكات، التي يشهدها مخيم عين الحلوة، المخيمَ وأبناءه وقاطنيه فقط، إنما في نتائجها الأوسع تستهدف مدينة صيدا. هذه المدينة التي تتعرض منذ سنوات طويلة لمحاولة تغييب كامل أو تطويع شامل.
إعدام مدينة
صيدا بوابة الجنوب، وعاصمته. تعايشت في الأيام الماضية مع واقع يذكر بالحرب الأهلية. فتحولت إلى مدينة اشباح تنعدم فيها الحركة والحياة. وهذا مسار تتعرض له المدينة منذ سنوات طويلة، تحديداً منذ اغتيال القضاة الأربعة في العام 1999. بعدها، دخلت المدينة في نوع من “السبات” السياسي، علماً أنها أنجبت زعامات سياسية ووطنية، إلا أن استهدافها كان دوماً يتركز على جعلها “قلعة إسلامية”، في آلية خشبية لاستخدام الخطاب السياسي. وهو الذي تجدد مؤخراً على خلفية “حملة المايوه” والاعتداء على حرية الناس على شاطئ المدينة. ففي الإعتراض على ارتداء لباس البحر، استعيدت تلك اللغة الخشبية التي تدفع المدينة إلى الانغلاق دوماً.
من يعرف صيدا القديمة، بأسواقها، المقابلة للقلعة، وهندستها المعمارية التي تمتد على مساحة واسعة موغلة في التاريخ، يوقن أنها قادرة على سرقة سحر مدن الساحل اللبناني ككل. المدينة القديمة بحاراتها وزواريبها، المتداخلة والمتشابكة تمتد على مساحة أكبر بكثير من مساحة البترون، جبيل، وصور. لكن المدينة تتعرض لإعدام مستدام. ومن المعالم التي تتعرض للتعتيم في صيدا القديمة، أنها تحوي أول كنيسة أسست في العالم، من قبل تلامذة المسيح، قبل أن يتوجه بولس وبطرس إلى بيزنطية وروما للتبشير. كل هذا التاريخ يبدو أن محوه مطلوب.
الجغرافيا والديموغرافيا
أضحت بوابة الجنوب منزوعة المقومات. فالصراع السياسي والطائفي والمذهبي، جعل منها أسيرة الجغرافيا والديمغرافيا، من دون أي رؤية سياسية أو سياحية أو ثقافية. تجد المدينة نفسها مطوقة، من الجهة الجنوبية الغربية بـ”حارة صيدا”، ومن الجهة الشرقية الجنوبية هناك مجمع الزهراء، الذي أثيرت حوله الكثير من الاعتراضات والإشكالات، في إطار تزكية الصراع السني الشيعي. أما لجهة الجنوب فتحدّها الغازية. في قلب المدينة يبقى مخيم عين الحلوة نسبياً “هو العصي”، والذي لا بد من تطويعه والسيطرة عليه، خصوصاً بعد “اختراع” ظاهرة أحمد الأسير، والتي كانت محاولة لشيطنة المدينة أكثر، بهدف تطويعها. وهو ما حصل. في المقابل، هناك أهداف وغايات أخرى لها صلاتها الدولية والإقليمية، وربما ما يتصل بمشروع تهجير آلاف الفلسطينيين وفتح البحر أمامهم، للتخفيف من أعدادهم، وإنهاء ما يسمى قضية اللجوء وحق العودة، وتحويلهم من لاجئين إلى نازحين.
تطويع السنة
أحد جوانب أحداث مخيم عين الحلوة، ومدينة صيدا التي تحتضنه، ينطوي على خلفية لبنانية بحتة، ترتبط بالتطويع الكامل للطائفة السنية في كل لبنان، وتحويل صيدا “سياسياً” إلى منعدمة الوزن، في محاكاة واضحة لواقع طرابلس التي أيضاً جرى إعدامها سياسياً، ووسمها بالمدينة الأفقر على المتوسط، وتصويرها بأنها قندهار. وللمفارقة، فإن المعركة ضد طرابلس كانت قد بدأت انطلاقاً من خلفية فلسطينية، والمعركة الطاحنة التي خاضها الجيش السوري ضد منظمة التحرير الفلسطينية فيها في ثمانينيات القرن الفائت، في إطار السعي للسيطرة والإمساك بالقرار الفلسطيني المستقل من قبل حافظ الأسد. وهذا المسار استكمل في طرابلس بأشكال متعددة، منذ جولات القتال بين جبل محسن وباب التبانة، وقبلها في حرب مخيم نهر البارد. وللمفارقة أيضاً، أن مشاكل المدينتين، كانت ناتجة عن معارك بين النظام السوري والفلسطينيين، أو معارك مع المخيمات الفلسطينية.
تطويع السنّة أيضاً، يمكن أن ينتج عن إماتة أي حيوية سياسية، من خلال تعليق العمل السياسي، أو اللجوء إلى التمديد في مواقع ومناصب أساسية، على قاعدة “أفضل الموجود”، كما حصل في دار الفتوى والتمديد لمفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان من قبل المجلس الشرعي، قبيل أيام من انتهاء ولايته. كل ذلك يهدف إلى انجاز عملية التهميش السياسي، وتحويل السنّة في لبنان إلى “أهل ذمة”.
تهديد أسامة سعد
هذا ما يتكامل مثلاً مع الضغوط والتهديدات التي يتعرض لها النائب أسامة سعد، نتيجة موقفه الواضح والصريح، تعليقاً على أحداث المخيم، واعتباره أن هناك جهات ومجموعات إسلامية لديها أجندات مدفوعة من الخارج، لتنفيذ هذا المخطط واستهداف حركة فتح. فشُنّت حملات إعلامية وسياسية شنيعة ضد سعد، وبعدها أرسلت رسالة “نارية” له من خلال إطلاق النار على المبنى الذي يقطن فيه، وإصابة واجهة منزل نجله. لتكون الرسالة مباشرة وواضحة، في إطار تهديد هذه “الزعامة” وتطويعها.. لا سيما أن آل سعد من الزعامات السياسية التي لا تزال تخضع لضغوط في مواجهة ما يعتبره الآخرون “تمرده”.
المعركة مع أسامة سعد ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى سنوات سبقت، عندما بدأ التوتر بينه وبين سرايا المقاومة، فاندفع إلى مواجهة السرايا ونشاطها في صيدا، وبعدها اتخذ سعد موقفاً واضحاً مع ثورة 17 تشرين، أبعدته عن تحالفه مع حزب الله وحركة أمل. وقد خاض الانتخابات بشكل منفرد وحقق رقماً عالياً. ولذلك يتعرض لكل محاولات التطويع.
منير الربيع- المدن