«مسكّنات» للمشكلات: «تلفزيون لبنان»… «لله يا مُحسنين»!
بعد مرور شهر على فكّ الموظفين إضرابهم، وغياب الحلول الجذرية للمشكلات المالية التي تتخبّط بها الشاشة الرسمية، فُتح أخيراً باب الهبات المالية من أطراف متنوعة بهدف استثمارها في إعادة ترميم الاستديوات. أمرٌ يطرح علامات استفهام عدة حول مستقبل محطّة الدولة وسياستها.
بعدما كانت وزارة الاعلام تخصص له ميزانية مدروسة، تحوّل «تلفزيون لبنان» أخيراً إلى ما يشبه «صندوق تبرّعات» يعتاش على الهبات من قبل عدد من الأطراف والمؤسسات. أتى هذا التحوّل الجذري في الشاشة، نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها الدولة اللبنانية وانهيار مؤسساتها، إلى جانب الهدر والفساد في القناة، فاتّجه القائمون عليها نحو مصادر تمويل أخرى، تُمكّن التلفزيون من البقاء في «غرفة الإنعاش» بدلاً من إعلان «وفاته». هذه الحالة المأساوية التي وصلت إليها الشاشة الوطنية التي تأسست عام 1959، لم يسبق أن عايشتها حتى في عزّ الحرب الأهلية اللبنانية. أمر يطرح علامات استفهام حول مستقبل «تلفزيون لبنان» الذي يعمل فيه مئات الموظفين في مختلف الأقسام.
بالعودة إلى تطورات «تلفزيون لبنان»، ففي منتصف شهر آب (أغسطس) الماضي، أفاق اللبنانيون على خبر توقف بثّ «تلفزيون لبنان»، بعدما كان موظفوه قد أعلنوا الاعتصام بسبب عدم حصولهم على مستحقاتهم المهدورة منذ عام 2021، أي عندما أعلن مجلس الوزراء عن منح زيادة على الراتب للعاملين في القطاعين الخاص والعام. يومها، تحوّل الخبر إلى ما يشبه «ترند» على صفحات السوشال ميديا، وراحت التعليقات تنعى الشاشة الرسمية التي صنعت العصر الذهبي للإعلام والدراما اللبنانيين. لكنّ الخبر استُثمر سياسياً، وراح المسؤولون اللبنانيون يتقاذفون الاتهامات والمسؤوليات عن المآل الذي وصلته الشاشة الرسمية، مذكّرين أنّها كانت تعاني الأمّرين منذ أكثر من 11 عاماً، بسبب عدم انتخاب رئيس مجلس إدارة بسبب الانقسام السياسي والحزبي.
لم تمرّ ساعات على الإضراب، حتى أعلن الموظفون عودتهم إلى العمل بشكل طبيعي بعد تلقيهم وعوداً بتلبية مطالبهم، ليخرج لاحقاً وزير الإعلام زياد مكاري، نافياً وجود أيّ نيّة لإغلاق التلفزيون. هذه الفوضى التي تعيشها الشاشة، استفحلت في ظل غياب أي حلول جذرية للمشكلات التي تتخبّط فيها، وسط تدهور قيمة رواتب الموظفين الذين لا يصل معاشهم إلى 200 دولار أميركي.
في هذا السياق، بعد مرور قرابة شهر على إضراب الموظفين ومن ثم عودتهم إلى العمل، يبدو أن التلفزيون يشهد تطوّرات لكنها لا تصبّ لصالحه. إذ يكشف وزير الإعلام زياد مكاري في حديث سريع معنا أن «تلفزيون لبنان» يعيش على الهبات المالية التي يتلقّاها من عدد من الجهات، وتُستثمر في معالجة المشكلات التقنية التي تعانيها القناة. وأعلن مكاري أن تلك الهبات المالية أثمرت حالياً عن ترميم استديو البرامج في منطقة تلّة الخياط (بيروت) الذي تُصوّر فيه غالبية المشاريع التلفزيونية التي تبثها الشاشة المحلية. ولفت وزير الإعلام إلى أنّ هناك هبة أخرى ستُستثمر قريباً لإعادة ترميم استديوات التلفزيون في منطقة الحازمية (قضاء بعبدا) التي شهدت أهم حقبات لبنان السياسية والإنتاجية والدرامية والفنية، قائلاً: «لدينا مجموعة من الهبات المالية التي نبحث في أمرها. الدولة لا تستطيع إعادة ترميم الاستديوات، لذلك، ستُستثمر الهبات في نفضة الاستديوات من جميع النواحي التقنية واللوجستية».
سترمّم استديوات الحازمية التي شهدت أهم حقبات لبنان الإنتاجية
يصف مكاري الوضع الحالي في التلفزيون بأنه «هادئ يسير على ما يرام»، مشيراً إلى أنّ الموظفين يستعدّون للحصول على حقوقهم المالية خلال الأيام القليلة المقبلة، بعد تخصيص 16 مليار ليرة لبنانية أُقرّت في آخر جلسة للحكومة المستقيلة». ويؤكّد أن «تلفزيون لبنان» اليوم لا يعمل على منافسة باقي الشاشات المحلية، بل نحاول إبقاءه قدر المستطاع على قيد الحياة، ونحمي الجهاز البشري الذي يعمل فيه». ويختتم مكاري كلامه قائلاً إنّ «الوضع مأساوي في الشاشة، لكنّي أعمل جاهداً على إيجاد حلول للمشكلات التي تعصف بنا».
من جهتهم، يجمع الموظفون في القناة على حالة الهدوء التي يعيشونها منذ إعلانهم وقف الإضراب والعودة إلى العمل بشكل طبيعي. وتلفت المعلومات لنا إلى أنّ الموظفين يستعدون خلال أيام للحصول على مستحقاتهم المكسورة منذ عامين تقريباً.
باختصار، رغم محاولات إيجاد حلول لمشكلات «تلفزيون لبنان» التي تشبه «المسكّنات» الموقتة، لا ينكر المتابعون أنّ الهبات التي تحصل عليها الشاشة الرسمية، تطرح علامات استفهام حول مدى تجييرها سياسياً وإعلامياً، إلى جانب انعكاساتها على سياسة التلفزيون والترويج للجهات التي تقدّم الهبات المالية!
زكية الديراني- الاخبار