هوية مفقودة…ألمانيا في النفق المظلم: لا مدرب ولا مواهب!

للمرة الأولى في تاريخها أقالت ألمانيا مدربها. هانزي فليك أقصي من منصبه بشكلٍ فوري لأسبابٍ ترتبط به وأخرى باللعبة بشكلٍ عام، ليدخل الألمان في نفقٍ مظلم وفي عملية بحثٍ معقّدة عن مدربٍ جديد بعدما اعتقدوا أنهم وجدوا الرجل المنشود لإنقاذهم من مآسيهم، فأين سلكت الأمور الطريق الخطأ؟

قبل عامين وجدت ألمانيا مخلصها من مدربها يواكيم لوف، فكان ترك هانزي فليك لمنصبه في بايرن ميونيخ بعد خلافات في وجهات النظر مع الإدارة بمثابة خشبة الخلاص للخروج من دوامة التخبّط والنتائج السيئة التي عرفها «المانشافت» مع الرجل الذي قاده إلى لقب كأس العالم 2014 في البرازيل.

فليك وصل إلى المنتخب على حصانٍ أبيض، كيف لا وهو المدرب العظيم الذي أحدث ثورةً في البايرن وجعله فريقاً لا يقهر ليقوده إلى السيطرة على أوروبا باكتساح الخصوم الواحد تلو الآخر. لذا لم يتخيّل أحدٌ أن يعرف نكساتٍ كتلك التي عاشها الألمان في السنوات الأخيرة لولاية لوف، لكن الصدمة الأولى كانت الخروج من دور المجموعات في كأس العالم 2022، لتتوالى بعدها النتائج الهزيلة والخسائر المتتالية وصولاً إلى السقطة المؤلمة أمام اليابان برباعية.

أمرٌ غريب فعلاً وخصوصاً أن فليك بدأ ولايته بطريقةٍ ممتازة فأصبح ثالث مدربٍ في تاريخ ألمانيا لا يُهزم في أول 10 مبارياتٍ له على رأس الإدارة الفنية، وذلك في سلسلة امتدت إلى 13 مباراة، قبل أن تبدأ الأمور في التدهور تباعاً.

لكن ما الذي حصل فعلاً وأين أخطأ فليك تحديداً؟

مشكلة عامة
الواقع أنه لا يمكن لوم الرجل في كل ما حصل، إذ من الواضح أن هناك مشكلة عامة في الكرة الألمانية في الوقت الحالي، والدليل نتائج المنتخبات المختلفة وصولاً إلى منتخب السيدات الذي خفت بريقه في كأس العالم الأخيرة. لا إدارة صحيحة، لا مواهب جديدة، وبالتالي لا انتصارات.

هذه المسألة تعيدنا إلى عام 2000 عندما تقهقر «المانشافت» في كأس أوروبا، فكانت ردّة الفعل السريعة بخلق هيكلية تكوين جديدة على مختلف الأصعدة قطف الألمان ثمرتها في مونديال 2014 بعد فترات صعودٍ وهبوط على صعيد النتائج طوال 10 أعوام وتحديداً في الفترة الممتدة بين عامي 2002 و2012.

إذاً المسؤولية يتشاركها الجميع: من اتحادٍ ألماني نام على المجد المونديالي لـ «لوف» وتأخر في فكّ الارتباط به ما ترك أثراً نفسياً على الجميع، مروراً بأكاديميات الأندية التي لم تنتج هدافاً عالمياً واحداً منذ اعتزال ميروسلاف كلوزه اللعب، وصولاً إلى الأندية نفسها التي لا تمانع إطلاقاً استقدام أي لاعبٍ أجنبي ليحلّ مكان اللاعب المحلي بحيث تجد في «البوندسليغا» لاعبين قادمين من بلدان لا تملك إرثاً قوياً.

بكل الأحوال خطأ فليك الأول كان في ثقته الزائدة بنفسه وأيضاً ببعض اللاعبين الذين لا يستحقون الدعوة إلى المنتخب الألماني. أما الخطأ الثاني فهو تعقيده للأمور بحيث لم تكن واضحة لا تشكيلته الأساسية ولا خياراته العامة لدرجةٍ جرّب فيها كل اللاعبين المتاحين في ألمانيا وخارجها بمجرد بروز أي منهم.

هوية مفقودة
لذا حتى لحظة إقالته لم يكن معروفاً من هو اللاعب الذي سيشغل مركز الظهير الأيمن أو الظهير الأيسر في كأس أوروبا 2024 التي ستستضيفها ألمانيا. ولم يُعرف أيضاً إذا ما كان سيعتمد رأس حربة حقيقي أم سيلجأ إلى كاي هافرتز كمهاجمٍ وهمي. كما أن قلبي الدفاع لديه لم يكونا يوماً متناغمين، واحدهم مثلاً تيلو كيرير تراجع مستواه بشكلٍ رهيب، والآخر نيكلاس شوله سارع بايرن إلى التخلص منه لمصلحة غريمه بوروسيا دورتموند، وهو الذي اعتاد نقل أفضل لاعبي الأخير إليه، وما ترك لاعبٍ له إلا دليلاً بأنه لا يملك المستوى المطلوب.

أضف أن فليك راهن كثيراً على الشبان الذين لم يتمتعوا بمستوى ثابت بالنظر إلى خبرتهم الدولية المحدودة، وتحديداً اكثر ثنائي موهوب في ألمانيا أي جمال موسيالا وفلوريان فيرتز، مفضّلاً إبقاء افضل لاعبٍ تكتيكي في العصر الحديث للحالات الطارئة وهو توماس مولر الذي خرج من جو اللعب مع المنتخب وبدا تائهاً في مشاركته الأخيرة أمام اليابان. بالفعل فليك لم يُخرج الأفضل من لاعبيه، إذ حتى جوشوا كيميتش وإيلكاي غوندوغان اللذين يعدان من أفضل لاعبي الوسط في العالم لم يظهرا يوماً بنفس المستوى مع المنتخب، ما يعني أن المشكلة في المدرب الذي لم يحسن توظيفهما بالشكل المطلوب.

فليك عقّد الأمور كثيراً وعقّد الوضع على نفسه، ربما بسبب الضغوط التي عاشها بعد تصويره كمنقذٍ وحيد لمآسي ألمانيا التي تحتاج اليوم إلى اكثر من رجلٍ واحد للخروج من حالة الكآبة والإحباط التي تعيشها قبل أقل من عام على استضافتها البطولة القارية على أرضها حيث ستكون كالعادة مطالبة باللقب ولا شيء سواه.

شربل كريّم- الاخبار