إذلال أميركي للضباط والعناصر: «كيف غيّرت الـ 100 دولار حياتك؟»!
لا شيء «لله» في العُرف الأميركي، ولكل شيء ثمن. والأميركي اعتاد إذا ما أعطى باليمنى، أن يعطي بشروط، قبل أن يأخذ باليسرى. بـ«100 دولار» للعسكري شهرياً، يريد الأميركيون، حلفاء الاسرائيليين وداعموهم، كشف المؤسسات العسكرية والأمنية و«تعرية» ضباطها وعناصرها وإخضاعهم للتحقيق والتدقيق. وكما يصر الأميركيون على أن يعرفوا أين تنتهي كل «خرطوشة» من المساعدات الهزيلة التي يقدمونها للجيش، يصرّون كذلك على معرفة وجهة صرف «مكرمتهم» التي لا تكفي لشراء قرطاسية تلميذ مدرسي، و«كيف غيّرت مجرى حياة» من يتلقونها!
بـ 100 دولار للعسكري على مدى ستة أشهر تُستباح المؤسسة العسكرية وغيرها من الأسلاك الأمنية، و«تُقتحم» ثكناتها ومراكزها، وتُنتهك خصوصيات الضباط والعسكريين، وتُباح الداتا الخاصة بهم: عناوين سكنهم وأرقام هواتفهم وعدد أفراد أسرهم، فضلاً عن الإذلال الذي يتعرّضون له أثناء خضوعهم لـ«التحقيق» للإجابة على سؤال: «كيف غيّرت الـ 100 دولار حياتك؟»!
«هبة» الـ 100 دولار التي تُمنح لضباط الجيش وقوى الأمن الداخلي وعناصرهما تحوّلتْ إلى مصدر إذلال لأفراد المؤسّسات والأسلاك العسكرية. والأخطر أن هذه «المكرمة» تكاد أن تتحوّل إلى «ثمن» لـ«بيع» الداتا الخاصة بالضباط والعناصر. فالهبة الأميركية للجيش، مثلاً، مشروطة بإجراء تدقيق في كيفية صرفها، وقد وافقت قيادة الجيش على إجراء التدقيق مع كل الضباط والعناصر، ما أدّى إلى استياء بين هؤلاء، ورفض عدد منهم الامتثال، الأمر الذي دفع قيادة الجيش إلى إنزال عقوبات مسلكية بحقهم.
وبحسب المعلومات، تلزم الهبة ضباطاً قادة في قيادة الجيش ومديرية المخابرات بالخضوع لتحقيق وملء استمارة إلكترونية، تتضمّن أسئلة من نوع: «كم زادت درجة سعادتك لدى قبض الـ 100دولار؟» أو «كيف غيّرت الـ 100 دولار حياتك؟»! علماً أنها لا تعادل ثمن نصف برميل مازوت للتدفئة، وتصل إلى أقل من 20% من راتب أي عنصر في أي تنظيم أو حزب.
«الاستجواب» الإلكتروني الذي يخضع له ضباط الجيش وعناصره شهرياً، يتولّاه موظفون في شركة أردنية مكلّفة من الأميركيين بتنفيذ التدقيق وإجراء المقابلات للاستفسار عن «مدى التغيير» الذي أحدثته الـ «100 دولار» في حياتهم وكيف ساعدتهم في مواجهة الأزمة الاقتصادية، ووجهة صرفها. وبموجب العقد الموقّع مع قيادة الجيش، فإن مندوبي الشركة مخوّلون جمع المعلومات عن الضباط والعناصر وتدوينها إلكترونياً. علماً أن قيادة قوى الأمن تلقّت استمارة مشابهة أثارت حفيظة عدد من الضباط الذين استغربوا المعلومات الشخصية التي تتضمّنها الاستمارة، ويفترض ملؤها، ومنها أسئلة عن مكان السكن والبريد الإلكتروني ومعلومات مفصّلة حول أفراد أسرة العسكري، ما يكشف أفراد المؤسسة أمنياً في حال تسريب هذه المعلومات إلى جهات معادية. ولذلك، طلبت قيادة فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي استثناء عناصرها من ملء الاستمارة باعتبار أن ذلك يعرّضهم لاحتمال تجنيدهم من جهات أجنبية عبر التواصل المباشر معهم وابتزازهم بحياتهم الشخصية.
يخضع الضباط والعناصر لتحقيق مفصّل أمام موظفين أجانب يدخلون المراكز الأمنية والعسكرية
ويتناقل ضباط وعناصر قوى الأمن الداخلي أن موظفين من السفارة الأميركية في بيروت أجروا مقابلات مع زملاء لهم لإجراء استبيان حول الهبة. وبحسب المعلومات، فإن المقابلات تتكرّر مع عدد كبير من المستفيدين، وتجري غالبيتها فرق تابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان الذي يتولّى تنفيذ برنامج «دعم سبل العيش». ويشير هؤلاء إلى أن «فرق التدقيق» التي تضمّ موظفين لبنانيين، تدخل إلى جميع المراكز الأمنية والثكنات بموافقة رسمية مسبقة، ويتحقّق أفرادها من البطاقات الشخصية للعناصر الأمنيين قبل «استجوابهم» إلكترونياً من خلال تعبئة استمارات عبر أجهزة لوحية تتضمّن عشرات الأسئلة، يختار العسكري لكل منها إجابة واحدة من ثلاث محتملة، إضافة إلى أسئلة «إلزامية» حول الاسم والرقم العسكري والعمر ومكان الإقامة والحالة الاجتماعية وعدد أفراد الأسرة ووجهة استخدام المنحة (لتسديد فواتير التعليم، الطبابة، المحروقات، فاتورة مولّد كهرباء…)، فضلاً عن أسئلة أخرى حول مدى اضطراره لممارسة أعمال أخرى خارج دوام وظيفته أو اضطرار أفراد أسرته بمن فيهم القُصَّر إلى العمل قبل المنحة وبعدها، وغير ذلك من الأسئلة التفصيلية التي يبدو كثير منها غير مبرّر.
رضوان مرتضى- الاخبار