سقوط المخيّم وخروجه من سيطرة “فتح”: معركة ذات طابع إيراني بامتياز!
يصمد وقف النار في مخيّم عين الحلوة الفلسطيني أو لا يصمد. ليست تلك المسألة. المسألة، في نهاية المطاف، سقوط المخيّم وخروجه من سيطرة “فتح”. ليس سرّاً أنّ المعركة الدائرة في أكبر المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان، معركة ذات طابع إيراني بامتياز. ثمّة حسابات إيرانيّة دقيقة تضع جنوب لبنان في قلب معادلةٍ عنوانُها العريض المشروع التوسّعي لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة”… على حساب كلّ ما هو عربي في المنطقة.
مطلوب أكثر من أيّ وقت أن يكون هذا المخيّم الفلسطيني الواقع على كتف صيدا، عاصمة الجنوب اللبناني، تحت سيطرة الحزب الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. ثمّة إصرار على سقوط المخيّم من الداخل كي يكون حلقة في منظومة قواعد إيرانيّة متكاملة في لبنان والمنطقة، أي في سوريا والعراق واليمن أيضاً. يُفترض بجنوب لبنان، كحلقة أساسيّة في مثل هذه المنظومة، أن يكون بديلاً ثابتاً في حال خسارة “الجمهوريّة الإسلاميّة” جنوب سوريا. كذلك، يفترض بمخيّم عين الحلوة أن يكون تحت السيطرة الإيرانية تحت لافتات متنوّعة من نوع “جند الشام” أو “الشباب المسلم” أو “عصبة الأنصار”. كلّ هذه اللافتات غطاء للحزب ولـ”حماس” لا أكثر.
تسيطر إيران حالياً على جنوب سوريا، مباشرة وعبر ميليشيات تابعة لها. لكنّ المعلومات المتوافرة تشير إلى تراجع هذه السيطرة، وإن نسبياً، في ضوء الأحداث التي تشهدها السويداء التي تمرّدت على النظام السوري. اتّخذ أهل السويداء والدروز عموماً موقفاً حاسماً من هذا النظام ومن بشّار الأسد شخصياً. تجاوزت انتفاضة السويداء حدود المدينة والمحافظة إلى درعا السنّيّة حيث باتت تسود شريعة الغاب إلى حدّ كبير، تماماً كما هو الحال في مناطق وبلدات وقرى قريبة من دمشق. كان النظام استعاد السيطرة على هذه المناطق والبلدات والقرى في مثل هذه الأيّام من عام 2015 بعد لجوئه إلى السلاح الكيميائي وبعد استعانته بالجيش الروسي لاحقاً.
لا أمل من نظام الأسد
باختصار، الوضع في الجنوب السوري غير مريح للنظام الإيراني في وقت بدأ يتكوّن رأي عربي، بما في ذلك سعودي، وأوروبي وأميركي، فحواه أن لا أمل من أيّ موقف إيجابي يتّخذه النظام في دمشق. لا أمل بوقف تصنيع المخدّرات والمتاجرة بها وتهريبها إلى دول الخليج… ولا أمل بوقف تهريب السلاح إلى الأردن وعبر الأردن إلى الضفّة الغربيّة خصوصاً. صار الوضع في الجنوب السوري يشكّل خطراً على دول الخليج العربي، كما يشكّل خطراً على المملكة الهاشمية نفسها، علماً أنّ الملك عبدالله الثاني تنبّه إلى ذلك باكراً وسعى منذ اندلاع الثورة الشعبيّة في سوريا، قبل 12 عاماً، إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا البلد والحؤول دون تفتيته. واليوم يبدو الوضع في الجنوب السوري مرشّحاً لمرحلة جديدة مختلفة في ظلّ القلق الأردني والخليجي.
لا تستطيع إيران والنظام السوري عمل شيء من أجل البقاء إلى ما لا نهاية في الجنوب السوري. اللعبة هناك أكبر منهما، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل وأمنها من جهة، والتهديد المباشر للأردن ودول الخليج العربي من جهة أخرى. أكثر من ذلك، ليس مسموحاً للنظام السوري، لأسباب أردنيّة وأميركيّة، المسّ بدروز السويداء، أو الاستعانة بـ”داعش” لابتزازهم كما فعل في الماضي.
ماذا عن جنوب لبنان؟
بالنسبة إلى النظام الإيراني، يظلّ جنوب لبنان ورقة آمنة، في ضوء سيطرة الحزب عليه. كما يُعتبر الجنوب في الوقت ذاته ورقة ذات وظائف متعدّدة في إطار ما يُسمّى “وحدة الساحات”. من هذا المنطلق، ليس مسموحاً بقاء مخيّم عين الحلوة تحت سيطرة “فتح” في حين تعبر الضفّة الغربية في مرحلة في غاية الدقّة. هناك ترهّل للسلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، وهناك حال ضياع داخل “فتح”، وهناك استعدادات داخل “حماس” لِما بعد عهد “أبي مازن”.
من خلال ما يجري في عين الحلوة، تحاول إيران الهيمنة نهائياً على الجنوب اللبناني. لا يعني ذلك نيّتها شنّ حرب على إسرائيل انطلاقاً منه بمقدار ما يعني وضع اليد على لبنان كلّه والتحكّم بقراره بغضّ النظر عن انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة اللبنانيّة أو عدم انتخاب مثل هذا الرئيس. كلّ ما في الأمر أنّ الجنوب صار فيه أيضاً مطار عسكري إيراني كما تقول إسرائيل التي وزّعت صوراً لهذا المطار.
يجب بقاء الجنوب خالياً من أيّ وجود مختلف عن بيئة الحزب من نوع وجود “فتح” في عين مخيّم عين الحلوة. أكثر من ذلك، تندرج سيطرة الحزب على عين الحلوة في سياق إعداد “حماس” للمعركة التي تبدو الضفّة الغربيّة مقبلة عليها. تشمل هذه المعركة تقليص وجود “فتح” في أيّ مكان يوجد فيه فلسطينيون وطردها من هذا المكان. في طبيعة الأمر، يشمل ذلك خروج “فتح” من أكبر المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان، خصوصاً أنّ هذا المخيّم في الجنوب حيث مسموح بوجهة نظر واحدة فقط.
كانت نقطة التحوّل في المعركة مع “فتح” استيلاء “حماس” على قطاع غزّة في منتصف عام 2007. ليس ما يحول دون وضع يدها على الضفّة الغربيّة مستقبلاً، على أن يكون مخيّم عين الحلوة خطوة في هذا السياق، سياق تحوُّل “حماس”، برعاية إيرانيّة، إلى الممثّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني حيثما وُجد.
الأكيد أنّ إسرائيل لم تكن يوماً ضدّ هذا التوجّه. لم تعترض يوماً على صعود “حماس” في فلسطين نفسها، فلماذا تعترض عليها بعدما صارت عضواً فاعلاً في المشروع الإيراني الذي يستهدف لبنان بدءاً من جنوبه؟
خيرالله خيرالله- اساس