باريس لا تحيد عن خطّ الثنائي الشيعي: مبادرة فرنسا هي عينها مبادرة عين التينة أو بربور أو المصيلح
فوق الأسى، يغدو المشهد اللبناني أكثر هزلية أو سوريالية. وكأن لبنان يقف على تقاطع بين طريقين. طريق الحرير الصيني، والطريق الأميركي الجديد. وما بينهما أطراف تسعى لأن تكون على الطريقين. في تشبيه هزلي للمشهد، يبدو أن داعمي خيار سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، يمثلون رأس حربة تعبيد طريق الحرير. أما من يدعم الخيار المضاد ويعارض “مرشح الممانعة” فيمثل رأس حربة في الطريق الأميركي. وما بينهما مبادرة فرنسية تترنح، لا تزال تتمسك بمبدئها. إذ أيدت قبل فترة وصول فرنجية، وهو ما يمكن ربطه “استراتيجياً” بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين، وكلامه عن إعادة تشكيل النظام العالمي والشراكة مع بكين. لربما تلقى هذه الشراكة أصداءها عند حدود بنشعي. وفي المقابل أيضاً، تؤكد فرنسا تنسيقها مع الدول الأخرى، بما فيها أميركا راعية الطريق المضاد لطريق الحرير، والسعودية الشريكة على هذا الدرب، فلا تمانع باريس واقعياً انتخاب قائد الجيش جوزيف عون لرئاسة الجمهورية، وسط تصوير الرجل بأنه المرشح المضاد لطريق الحرير.
عين التينة الفرنسية
يضحك المشهد بقدر ما يبكي، لا سيما أن تستحيل مبادرة فرنسا هي عينها مبادرة عين التينة، أو بربور، أو المصيلح، انطلاقاً من تلازم التقاطعات الجنوبية الشمالية، فيعلن المبعوث الرئاسي الفرنسي تأييده لمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه برّي في الدعوة للحوار، والذهاب بعده إلى عقد جلسات انتخابية متتالية. في مقابل مواقف لودريان، يأتي الموقف الصادر عن السفارة الفرنسية أي وزارة الخارجية الفرنسية ضمناً، ويشير إلى أن مساعي لودريان تنطلق تحت سقف الاتفاق بين الدول الخمس التي تهتم بالملف اللبناني وتعقد اجتماعات متوالية. فيما يخرج من في الخماسية ليعلن أن ما استحالت إليه المبادرة يتنافى مع ما اتفق عليه.
يحدث المشهد ضياعاً في لبنان، بين من يؤيد مبادرة بري ومبادرة لودريان معاً، وبين من يدمجهما باعتبار أنهما يكملان بعضهما بعضاً، وبين من لا يزال على رفضه ومعارضته للحوار. لكنه يبدو متفاجئاً من مسار فرنسي لا يحيد عن الخطّ الذي يرسمه الثنائي الشيعي، ولا عن الخطّة التي يضعها رئيس المجلس النيابي. وقد يؤخذ في الاعتبار عنصر “العمر” و”الخبرة” التي يتقدم فيها برّي على ماكرون ولودريان. فهنا لا يعود من داع للمقارنة بين فرنسا كأم أنجبت هذا البلد، وكنجل عليه ردّ “الجميل”. كان برّي قد تبلغ بدعم باريس لمبادرته منذ قبل إطلاقها، وقد نسقها مع الفرنسيين. كما كان قد نسق من قبل معهم خطوته في ترشيح رئيس تيار المردة.
غموض الصورة
في المشهد أيضاً، صورة جديدة للقاء دعا إليه السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، النواب السنّة، باستثناء النواب المنتمين إلى كتلة الوفاء للمقاومة، في دارته في اليرزة، بحضور مفتي الجمهورية الممددة ولايته عبد اللطيف دريان، والمبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان. تتعدد التوصيفات لهذا اللقاء، إما أن يكون تكريماً للمفتي، فما الحاجة لحضور لودريان. وإما أن يكون في سبيل التشاور السعودي الفرنسي أمام النواب السنّة الغائبين سياسياً نسبياً من حيث المشروع والخيار والقرار، لعلّ الكلام الصريح يؤدي الغرض في توضيح الصورة. لكنه على الأرجح، سيضيف غموضاً، ويزيد من منسوب الإجتهاد في التفسير لكل وفق أهوائه.
صورة الاجتماع في اليرزة إن عقد، ستكون بمشاهد كثيرة. أحدها اعتبار أن تحرك لودريان الذي بدا أنه تحت سقف رئيس مجلس النواب نبيه برّي، لم يعد وحيداً إنما يحظى بموافقة سعودية. وهذا سيدفع كثراً إلى تفسير الموقف بأنه يرتبط بموافقة ضمنية حول المشاركة في الحوار.
أما مشهدها الآخر، فقد يرتبط كلام صريح يقال، ويتعلق بالتذكير بالموقف السعودي الواضح على طاولة الاجتماع الخماسي في الدوحة، والذي لم يكن منسجماً مع الطرح الفرنسي، فيما كان رفض الحوار نقطة جامعة بين الدول الأربع في مواجهة ما طرحه لودريان حينها.
منير الربيع- المدن