ما معنى عبارته “الحركشة”: هل حقّاً قال قائد الجيش هذا الكلام؟!..
“الوضع على الحدود وعمليات تهريب النازحين لم تعد تُحتمل. أكثر النازحين هم من الشباب ويتعاطون مع عناصر الجيش بجسارة وتنمّر. عمليات التهريب هذه عبر الحدود باتت تهديداً وجودياً، ولم نعد قادرين على التحمّل لا يمكن للجيش أن يُطلق النار عليهم إن لم يبادروا هم بإطلاق النار. ماذا نفعل؟ هل نقول لعناصر الجيش تحركشوا فيهم ليعتدوا عليكم. ليكون لدينا عذر أن نقتل بالقانون؟”.
هذا ما نقلته مصادر وزارية عن قائد الجيش العماد جوزيف عون خلال اللقاء التشاوري الذي شارك فيه بالسراي الحكومي برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي نهار الإثنين الفائت لمناقشة موضوع النازحين.
بعد كلام قائد الجيش تدخل الوزير محمد مرتضى قائلاً: “هذا الموضوع مسألة أمن قومي. ضع القانون جانباً وقم بما تراه مناسباً”. وهو ما دفع أمين عام مجلس الوزراء القاضي محمود مكيّة للتدخل مشيراً إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعدم قانونية هذه المسألة، فقال الرئيس ميقاتي مخاطباً المجتمعين: “إذا أردتم احترام نص القانون فيجب اعلان حالة الطوارئ في المناطق الحدودية، واتخذوا حينها التدابير التي ترغبون بها وفقاً لقانون الطوارئ”.
بعيداً عن القدسية والخطوط الحمر التي يرفعها الكثيرون عند التعاطي أو الكلام عن الجيش وقيادته، فإنّ ما نُقل عن لسان العماد جوزف عون غير مقبول لثلاثة أسباب:
1- مخالفة صريحة للقوانين عبر دفع الجيش إلى الحركشة بالنازحين لإيجاد مبرّر قانوني لقتلهم، وهو ما اعترض عليه المدير العام لرئاسة مجلس الوزراء محمود مكية كما أسلفنا.
2- هل وجود طائفة معيّنة من الطوائف اللبنانية هو المقصود من وصف النزوح بالتهديد الوجودي، بخاصة أنّ النزوح لا يهدّد لبنان الدولة والكيان، وهو توصيف من المؤكّد أنّه لا يليق بالجيش وقيادته؟
3- مخالفة القانون الدولي بالدعوة إلى التعامل مع النازحين بالعنف، فيما المطلوب منع هذا النزوح بالإجراءات على الحدود لا بالعنف في الداخل اللبناني.
سياسة الحركشة
كانت لافتةً عبارةُ “الحركشة” لتبرير القتل بالقانون، والسؤال المطروح: هل هي سياسة ثابتة يعتمدها الجيش اللبناني وقيادته في التعاطي مع القضايا الشائكة، كما حصل مع جماعة الشيخ أحمد الأسير في عبرا حيث تمّت الحركشة لتبرير اقتحام مسجد بلال بن رباح واعتقال المئات من شبّان مدينة صيدا، أو كما حصل عند حاجز الجيش اللبناني في الكويخات (عكار) في شهر أيار من عام 2012 مع الشيخ أحمد عبد الواحد ومرافقه اللذين قتلهما عناصر الحاجز، أو كما حصل عام 2000 في جرود الضنّية في عهد الرئيس السابق إميل لحّود، إذ كشفت الروايات عن قطبة مخفيّة بين أصابع ديناميت رُميت على كنائس في طرابلس بتوجيه من أجهزة وبين شبّان هربوا خوفاً من الاعتقال الجماعي إلى الجرود؟
ما جاء على لسان قائد الجيش في اللقاء التشاوري بالسراي الحكومي الكبير يستوجب التوضيح من قائد الجيش شخصياً، فكلّ الصفات والمواصفات المنقولة عن العماد جوزف عون تتناقض مع الكلام المنقول عنه ومنطق هذا الكلام.
يمكن تقبُّل مخالفة القانون من أجل توفير الغذاء والدواء للعسكريين، لكن لا يمكن تقبُّلها لقتل الناس مهما كانت جنسيّتهم أو طائفتهم. وأمّا التهديد الوجودي في وطن فلا يعني طائفة دون أخرى، فإمّا أنّ الوطن مهدّد بوجوده بأكمله وإمّا لا تهديد لأيّ طائفة من الطوائف المحفوظ وجودها في الدستور والقانون وإيمان اللبنانيين بذلك.
يمكن تمرير الكلام المنقول عن العماد جوزف عون إن كان كلاماً لمرشّح من المرشّحين لرئاسة الجمهورية يطلقه لجذب المسيحيين أو المسلمين، لكن لا يمكن تمريره إن كان صادراً عن قائد الجيش الذي يمثّل ضمانة للدستور والمواطنين.
كيف تتمّ معالجة ملفّ النازحين؟
قال مسؤول أمنيّ سابق في جلسة خاصة: “الرئيس السوري بشار الأسد لا يريد عودة النازحين بأيّ شكل من الأشكال، ومهما فعلنا فلن يرضى بعودتهم”.
هذا الكلام عن مسؤول معروف بصداقته للحكومة السورية والنظام السوري، يضع الإصبع على الجرح، فالمشكلة ليست بالنازح، بل المشكلة تكمن عند دولة النازح الرافضة لعودته. وبانتظار موافقة الأسد ونظامه يمكن لقائد الجيش استدعاء المسؤولين عن حواجز الجيش بالمناطق الحدودية، وتحديداً في عكار حيث يختفي الحاجز قبل ساعة من عبور قوافل النازحين ليعود بعد ساعة من عبورهم مع عناصر الحاجز والضابط المسؤول عنهم. يمكن للجيش وقيادته اتّخاذ الإجراءات العقابية وصولاً الى الإعدام بتهمة الخيانة، وذلك تحت سقف القانون والتزاماً بنصوصه المرعيّة الإجراء.
زياد عيتاني- اساس