وزير الخارجية اللبناني “يتملص” من قرار التجديد لـ”يونيفيل”
تصاعد السجال بين وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب ومندوبة لبنان السابقة لدى الأمم المتحدة السفيرة أمل مدللي، على خلفية تحميل مدللي مسؤولية إدخال التعديلات على قرار تمديد ولاية “يونيفيل”، العام الماضي. واتهمت مدللي بوحبيب بأنه “يفتش عن كبش محرقة لأنه لا يريد أن يتحمل مسؤولية عدم تمكنه من تغيير قرار “يونيفيل”، ولا سيما أنه هو ووزارته لم يحركوا ساكناً في بيروت”. وقالت في بيان إنها ستلجأ إلى القضاء الأميركي في حال استمرار وزارة الخارجية والمغتربين بتحميلها المسؤولية، معلنة “لن أقبل أن يستمر الافتراء عليّ”.
التجديد لـ”يونيفيل”
ما حصل أن التجديد السنوي الـ17 لقوة الأمم المتحدة الموقتة العاملة في جنوب لبنان “يونيفيل”، العام الحالي، والذي يتم بموجب القرار الدولي 1701، لم يمر بسلاسة نسبةً إلى الأعوام السابقة، حيث اعترض لبنان عبر بيان صادر من الخارجية مبدياً رفضه الصيغة المتداولة، كونها لا تشير إلى ضرورة وأهمية تنسيق “يونيفيل” في عملياتها مع الحكومة اللبنانية ممثلة بالجيش اللبناني، كما ينص الاتفاق المعروفة بـ(SOFA). وقال البيان “إن تجديد ولاية (يونيفيل) لسنة إضافية، كما جرت العادة، يقع تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، كون طلب التجديد يأتي من الحكومة اللبنانية كل عام، مع التشديد على حرص لبنان على حرية حركة (يونيفيل) بالتنسيق مع الجيش اللبناني بما يحفظ السيادة اللبنانية وينجح مهام القوة الدولية ويحفظ سلامة عناصرها”.
وكانت الدولة اللبنانية قد أطلقت جهوداً دبلوماسية من أجل تعديل فقرة 16 أضيفت على قرار التمديد رقم 2650 عام 2022، وتنص على أن مجلس الأمن الدولي “يحث جميع الأطراف على التعاون التام مع رئيس البعثة والقوة الموقتة في تنفيذ القرار 1701، وعلى كفالة الاحترام التام لحرية القوة الموقتة في التنقل في جميع عملياتها ووصول القوة الموقتة إلى الخط الأزرق بكامل أجزائه وعدم إعاقتها، ويعيد التأكيد أن القوة الموقتة لا تحتاج إلى تراخيص أو إذن مسبق للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، وأنها مأذون لها بالاضطلاع بعملياتها بصورة مستقلة”. وجاء ذلك بعد اعتراضات دولية عديدة على التعديات المستمرة على قوات “يونيفيل” من قبل البيئة الحاضنة لـ”حزب الله”، إضافة إلى استمرار نقل الأسلحة وتخزينها في المنطقة المنصوص عنها في القرار 1701.
“حبر على ورق”
حين صدر القرار في شهر أغسطس (آب) 2022، اعترض “حزب الله” على حرية تنقل القوات الدولية في منطقة عملياتها جنوب نهر الليطاني. ورافقت الاعتراضات تجديد القرار للعام الحالي، وجاء ذلك على لسان أكثر من قيادي في الحزب، حيث اعتبروا أن “يونيفيل”، قوات مسلحة على أرض لبنانية، وأصبحت بعد القرار تتحرك كيفما شاءت من دون إذن أو تنسيق مع أحد، ما يعني أنها باتت بمثابة “قوات احتلال”. وقال النائب في كتلة الحزب البرلمانية حسين جشي، إنه “حتى لو كانت قوات حفظ سلام، فإنها قوات عسكرية على أرض لبنانية، وعليها أن تتحرك بالتنسيق مع الجيش اللبناني”. وكان أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله قد اعتبر “أن خلفية إجراء التعديل الذي يطالب به لبنان في قرار تمديد ولاية (يونيفيل) لها علاقة بالكرامة، وإلا هذا سيبقى حبراً على ورق، والناس في الجنوب لن يسمحوا بأن يطبق قرار على رغم رفض الحكومة اللبنانية”. وتابع “يريدون من قوات (يونيفيل) أن تعمل عند إسرائيل وجواسيس عندهم، وحيث لا تستطيع كاميرا التجسس أن تصل. المطلوب أن تقوم بذلك كاميرات (يونيفيل)”.
ومعلوم أن المناطق الخاضعة للقرار 1701 تعد مناطق تابعة لنفوذ “حزب الله”، وحصلت وتحصل فيها مواجهات بشكل متكرر، بين أهالي تلك المناطق وقوات “يونيفيل” بهدف عرقلة عمل تلك القوات، كان أبرزها حادثة “العاقبية”، والتي قتل فيها الجندي من الكتيبة الإيرلندية شون روني وأصيب ثلاثة من زملائه بجروح في ديسمبر(كانون الأول) 2022 عندما أطلقت النيران على سيارتهم المدرعة أثناء مرورها في تلك المنطقة بجنوب لبنان. وكان القضاء العسكري قد أصدر قرار اتهام في حق خمسة عناصر من “حزب الله” وحركة “أمل”، في يونيو (حزيران) الماضي، بجريمة القتل العمد للجندي الإيرلندي. وأكدت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية في حديث إعلامي قبيل التصويت على القرار أن “رفض (حزب الله) التفويض هو الأحدث ضمن سلسلة من الأحداث التي تثبت أن الحزب مهتم بمصالحه ومصالح راعيته إيران أكثر من اهتمامه بسلامة ورفاهية الشعب اللبناني”. وشددت المتحدثة التي فضلت عدم الإفصاح عن اسمها، على أن “الولايات المتحدة تبقى ملتزمة بمهمة (يونيفيل) وبسلامة وأمن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة”، مشيرة إلى أن “استقلالية (يونيفيل) وحرية حركتها عنصران حاسمان للغاية في قدرتها على إنجاز مهمتها، وهذا أمر منصوص عليه في اتفاقية وضع القوات بين (يونيفيل) ولبنان والمعمول بها منذ عام 1995”.
تفاصيل الخلاف
كان وزير الخارجية بوحبيب قد انخرط في مفاوضات لتعديل الصيغة التي تجيز التحرك لـ”يونيفيل” من دون تنسيق مباشر مع الجيش، وقال في حديث صحافي قبيل توجهه إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع مجلس الأمن، إن هدفه من التوجه إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك “ليس تحدياً لأحد ولا لعرقلة أي اتفاق يتعلق بالتمديد للقوة الدولية”، مضيفاً أن ما يهم لبنان هو “تخفيف بؤرة التوتر الناجم أحياناً عن الاشتباك بين بعض الأهالي وعناصر (يونيفيل)”، محملاً مجلس الأمن مسؤولية “تردي الوضع الأمني جنوباً”، لكن محاولات بوحبيب لتعديل القرار لم تصل إلى ما كان مأمولاً. فما كان منه إلا أن وجه اتهامات لمندوبة لبنان الدائمة السابقة في الأمم المتحدة أمل مدللي، لعدم القيام بواجبها بشكل مهني كامل، وعدم الضغط الكافي للعودة إلى الصيغة الأولى من القرار التي تنص على التنسيق بين “يونيفيل” والجيش. ونقلت إحدى الصحف اللبنانية المقربة من “حزب الله” عن الموفد الرئاسي الأميركي أموس هوكشتاين تشديده على أهمية التجديد لقوات “يونيفيل”، مشيراً إلى أنه لا يفهم سبب طلب لبنان إلغاء الفقرة التي تعطي القوة الدولية حرية الحركة. وعندما قيل له إنها تتناقض مع أصل القرار وتنتهك السيادة اللبنانية، أجاب، “لسنا من كان خلف هذه الفقرة العام الماضي، بل مندوبتكم في الأمم المتحدة أمل مدللي هي من كان حاضراً خلال الصياغة. كما أن طلبكم تسمية شمال الغجر بخراج بلدة الماري ليس منطقياً لأن إسرائيل أكدت أن هناك مسافة جغرافية كبيرة بين المنطقتين”.
تضليل الرأي العام
مدللي خرجت عن صمتها ورفضت اتهامات وزير الخارجية، بل وجهت إليه الاتهام بالتقصير وعدم الوفاء بموجبات الخارجية، وقالت “لن أقبل بعد اليوم أن يستمر الافتراء عليَّ مع أن اللوم يجب أن يوجه إلى من تقاعس عن تحمل المسؤولية”. مفندة عبر بيان تفاصيل تقصير وزارة الخارجية في متابعة حيثيات التجديد لـ”يونيفيل” لجهة حرية الحركة، ورافضة تحميلها مسؤولية صدور قرار مجلس الأمن 2650، العام الماضي، مشيرة إلى أنها “لم ترد السنة الماضية على الاتهامات عندما وردتها معلومات من لبنان أن وزير الخارجية عبدالله بوحبيب ألقى أمام لجنة الخارجية، وأمام أطراف لبنانية معنية مباشرة بالوضع في الجنوب، المسؤولية عليها في تمرير القرار بالعبارات الجديدة”. واعتبرت “أن السبب بسيط، وهو أن (…) الوزير يفتش عن كبش محرقة لأنه لا يريد أن يتحمل مسؤولية عدم تمكنه من تغيير قرار (يونيفيل)، ولا سيما أنه هو ووزارته لم يحركوا ساكناً في بيروت العام الماضي أو في اتصالات رفيعة المستوى كان يجب أن تتم مع الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن كما اقترحتُ يومها”. وتابعت “كنت أعتقد أن أحداً لا يمكنه أن يصدق أن سفيراً وحده من دون دعم دولته يستطيع أن يغير قراراً لمجلس الأمن وفيه دول عظمى، ومع الأسف هذا حصل حتى بعد زيارة الوزير إلى الأمم المتحدة هذا الأسبوع وصدور القرار بدون تغيير عبارات السنة الماضية… وبعدما وردني أن وزير الخارجية اتهمني أمام دول مجلس الأمن بأنني المسؤولة وأنني لم أنفذ تعليمات الدولة اللبنانية السنة الماضية، وأنه ادعى أنني صرفت من عملي بسبب ذلك، وهذا كلام غير صحيح، وجدت أنه من واجبي وضع الحقائق أمام الجميع، لكي تظهر حقيقة ما جرى ولا تستمر المحاولات التي تسعى إلى تضليل الرأي العام والمجتمع الدولي حول مسؤولية من تقاعس عن تحمل مسؤوليته السياسية السنة الماضية، مما أدى إلى صدور القرار”.
التركيز على مساعدات الجيش
وتشير مدللي في بيانها إلى أنه “في التاسع من شهر أغسطس الماضي تسلمنا في بعثة لبنان بالأمم المتحدة من الفرنسيين نص مسودة القرار، الذي تضعه فرنسا عادة لأنها حاملة القلم للبنان في مجلس الأمن. قمت مع الدبلوماسي المكلف ملف (يونيفيل) في البعثة، بالاطلاع عليه، وأرسلنا تقريراً إلى وزارة الخارجية عنه، وطلبنا تعليمات لكي نبدأ في التفاوض، لأن السفير اللبناني لدى الأمم المتحدة مثل كل سفراء دول العالم لا يستطيع أن يفاوض مجلس الأمن من دون تعليمات مفصله ودقيقة من دولته”. وأضافت “مرت أسابيع من دون أن نتلقى أي رد أو تعليمات من وزارة الخارجية. اتصلت خلالها عشرات المرات بوزير الخارجية وأرسلت رسائل أطلب فيها إرسال التعليمات لأن الوقت يدهمنا وليس لدينا موقف لبنان حول النص. كان رد وزير الخارجية في كل مرة أنه ينتظر تعليمات وتعليق وزارة الدفاع على القرار المقترح ولم تصل إليه بعد. في كل الاتصالات التي أجريتها مع الوزير والتواصل معه لم يذكر لي مرة واحدة موضوع حرية حركة (يونيفيل) وماذا نقترح بديلاً عن اللغة. كان اهتمام الوزير يتركز في كل اتصال على ضرورة الحفاظ علي الفقرة المتعلقة بالمساعدات من (يونيفيل) للجيش اللبناني في الجنوب الذي كان يعاني نقصاً في الوقود والغذاء”.
“مساجلة عبثية” والقضاء الأميركي
وأشارت مندوبة لبنان السابقة في بيانها أن جميع الرسائل والاتصالات موجودة وموثقة وخاصة رسالتها بتاريخ 29 أغسطس، أي بعد وصول التعليمات، وتقول إنها أعلمت الوزير بتوزيع موقف لبنان على أعضاء مجلس الأمن، وأن “اللغة المقترحة ترسل عادةً قبل شهر، ويجري التفاوض حولها، ولكننا نقوم بكل وسعنا”. وكان رد الوزير مجرد “شكراً”. وأردفت مدللي أنه “ما كنت أود أن انخرط في هذه المساجلة مع (…) وزير الخارجية والوزارة، لكن الإصرار على تحميلي مسؤولية الأخطاء المرتكبة من قبلهما بالتالي وجدت نفسي مضطرة إلى أن أشرح هذا الأمر، والذي أتمنى أن يكون كافياً لوقف هذه المساجلة العبثية، لكن إذا استمرت الاتهامات فإنني أحتفظ بحقي في دعوى قدح وذم وتجريح في لبنان والولايات المتحدة الأميركية”.
الجدير بالذكر أنه فور صدور القرار رقم 2650، العام الماضي، أصدر رئيس الجمهورية حينها ميشال عون، بياناً رسمياً قال فيه، “يرحب رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون بقرار مجلس الأمن الدولي التمديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) سنة إضافية، وأن هذه الخطوة تؤكد تصميم المجتمع الدولي على المحافظة على الأمن والاستقرار على الحدود الجنوبية”، مشدداً على “التزام لبنان بتطبيق القرارات الدولية”. كما أشاد نجيب ميقاتي، وكان رئيساً مكلفاً حينها تشكيل الحكومة الجديدة، بعد الانتخابات النيابية، بقرار مجلس الأمن الدولي تمديد ولاية (يونيفيل)، واصفاً الأمر بأنه خطوة من شأنها تعزيز الاستقرار الذي ينعم به جنوب لبنان بفضل التعاون الوثيق بين الجيش و(يونيفيل)، ومشدداً على اتخاذ كل الإجراءات التي من شأنها دعم مهمة “يونيفيل”، ومجدداً التزام لبنان بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.
اندبندنت