سليم عساف: ألبومي المقبل سيحمل تحوّلاً جذرياً

كان صيف سليم عساف حافلاً بالإصدارات الغنائية التي قدّمها بصوته، وبتلك التي ألّفها لسواه من فنانين. رقص روّاد السهر على إيقاع «جمالو»، وحطّت طائرات الخطوط الجويّة اللبنانية في مطار بيروت على وقع «رجعت الصيفيّة بلبنان»، التي تعاون فيها عساف مع العازف والمؤلف الموسيقي غي مانوكيان ووزارة السياحة. أما أعياد الميلاد، فلم تمرّ من دون أن يُحتفى بصاحب العيد على نغمات «غنّولو»؛ هذه الأغنية التي قدّمها منذ سنتين، التي ما زالت تتجدّد، إلى درجة أنها باتت تنافس الـ«هابي بيرثداي» خلال حفلات الأعياد في لبنان والعالم العربي.

ألبوم ذو أبعاد نفسيّة

في الآتي من أسابيع وشهور، سيتفرّغ الملحّن والكاتب والمغنّي اللبناني لألبومه المقبل. يقول في حديث مع «الشرق الأوسط» إنه سيكون صناعة «عسّافيّة» مائة في المائة، أي أن إنتاجه اللحنيّ والكلاميّ غزير إلى درجة أنه لا يحتاج للاستعانة بأحد.

سيفاجئ الألبوم الآتي عارفي عسّاف ما إن يستمعوا إلى أولى أغانيه التي ستصدر مطلع أكتوبر (تشرين الأول)، إذ إنه سيحمل تحوّلاً ملحوظاً في هويّته الموسيقية. حان الوقت لأغنية تحاكي الجيل الصاعد الباحث عمّا يشبهه. «أمضيت فترة تحضير الألبوم وما قبلها في مراقبة ما يحصل موسيقياً في العالم العربي، وما يستهوي المراهقين والشباب حالياً»، يشرح عساف.

الأغنية ذات البُعدَين النفسي والاجتماعي مرغوبة من الأجيال الجديدة. لا تعنيهم القوافي المركّبة ولا اللهجات ولا تعابير اللوعة والاشتياق، بقدر ما يبحثون عن قصص عفويّة وكلام قريب منهم. يفصّل عساف ما يعمل عليه قائلاً: «ستعالج أغاني الألبوم مواضيع ذات أبعاد نفسيّة بطريقة غير تقليديّة». ويشدّد على أنه لا يمكن غضّ الطرف عمّا يستهوي الجيل الصاعد، خصوصاً مَيلهم إلى الأغنية العربيّة المقدّمة ضمن قالب يشبه الأغنية الأجنبية.

هي ليست المرة الأولى التي يكتب ويلحّن فيها عساف أعمالاً تدخل في خانة الأغنية الاجتماعية، فهو سبق أن قدّم «أضواء الشهرة» و«ما بخاف» و«فوضى» لكارول سماحة، وكلّها تتطرّق إلى قضايا مستمدّة من الحياة اليوميّة. يبني على هذه الخبرة ليُطلق عمله المقبل، لكنه يتحصّن كذلك بتحرّره من هاجس إرضاء الناس ومن مقولة «الجمهور عايز كده». يقول: «ما أعدّه حالياً أشعر وكأني أصنعه لنفسي أولاً، على أن أشاركه لاحقاً مع الناس. أريد تقديم الفنّ كما أراه أنا، بغضّ النظر عمّا إذا كان سيلقى رواجاً أم لا».

يقين ما بعد الشكّ

عبرت الأيام التي تساءل فيها عساف عمّا إذا كان قد اتّخذ القرار الصائب بخوض تجربة الغناء. ما من مكان للشكّ بعد أن نجح عددٌ كبير من أغانيه الخاصة؛ «أقرّ بأني مررت بلحظات تردّد كثيرة، وسألت نفسي مراراً ما إذا كان من الأجدى البقاء في التأليف. كان يحصل ذلك تحديداً عندما أواجه ردود فعل ظالمة، خصوصاً من قبل الأشخاص الذين رفضوا الاعتراف بالتطوّر الحاصل على أغانيّ الخاصة».

يعترف بأنّ تخطّيه الانتقادات والتعليقات السلبيّة استغرق سنوات: «لم تكن الأمور سهلة، بل مخاضاً عسيراً مع كل أغنية. تحاربت مع نفسي طويلاً إلى أن بدأت الأغاني تفرض نفسها تدريجياً». أما اليوم وبعد انقضاء 10 أعوام على انطلاقته الغنائية المنفردة، فيستعدّ سليم عساف لمرحلة أكثر جدّيةً وغزارةً من حيث إنتاج الأغاني الخاصة، «لا سيّما أنني بدأت ألمس قبول الناس».

لطالما راوده حلم الغناء، لكنّ صعوده الصاروخيّ تلحيناً وكتابةً وضع ذاك الحلم في دائرة التأجيل. يروي عساف أن «الأمور حصلت على مراحل. سجّلت أغاني كثيرة واحتفظت بها لنفسي»، لكن عندما صدرت «لوّالي قلبي» مع الفيديو كليب الخاص بها، أدركَ أن موعد القطاف قد حان.

توالت النجاحات في الأغاني الإيقاعيّة الفرحة مثل «حلا حلا»، و«شو حلوي»، وفي الأعمال الرومانسيّة الأقلّ فرحاً مثل «بلا إحساس»، و«كيفو قلبك». لكنّ ذلك لم يُثنِ عساف عن مواصلة التأليف لأهمّ أصوات الأغنية اللبنانية والعربية. وعمّا إذا كان مشروعه الخاص سيأخذه من الكتابة والتلحين لسواه، يجيب من دون تردّد: «لا أستطيع التفكير ولو للحظة بأني سأتوقف عن التأليف للفنانين. هذا يجري في دمي».

«لا أغار… »

لا يحتفظ سليم عسّاف بما يروق له من كلامه وألحانه لنفسه فيخبّئها عن الفنانين. «لا أغار على أغانيّ، فأنا أعرف حدود صوتي، بمعنى أنّ ما يليق بوائل أو عاصي أو نانسي مثلاً، لا يليق بي». ثم إنه يفتخر بالنجاحات التي حقّقها كاتباً وملحّناً، بقدر اعتزازه بنجاحاته المنفردة.

في رصيده عشرات الأغاني الضاربة بأصوات كبار الفنانين، من بينهم ماجدة الرومي في «وبيوم عرسك»، وصابر الرباعي في «يا عسل»، ونجوى كرم في «نوّر أيامي»، ووائل كفوري في «البنت القوية»، ونانسي عجرم في «حلم البنات»، وكارول سماحة في «وتعوّدت»، ورامي عيّاش في «مجنون»، ويارا في «ما يهمّك»، واللائحة تطول.

بتقديره، فإنّ أبرز نجاحاته وثنائياته طويلة الأمد، حصلت إلى جانب فنانين يشبهونه بإحساسهم وجرأتهم. ولعلّ «البنت القويّة» كانت من بين أهمّ التجارب في هذا السياق، يوم قرر وائل كفوري أن يخوض المغامرة ويمنحه الثقة كاملةً لصناعة أغنية لا تشبه كثيراً ما سبق أن قدّمه كفوري. «هؤلاء هم الفنانون الذين أنجح معهم، هم الذين يثقون بي ويمنحونني حرية التصرّف في التأليف»، يقول عساف.

أما اليوم وقد تعاون مع معظم الفنانين الذين تمنّى منحهم أغاني، فلم تَعُد الأسماء تعنيه بقدر ما يهمّه تميّز الأغنية ونجاحها. يؤكد عساف أن «غزارة الإنتاج لم تتحوّل يوماً إلى تجارة»، والدليل على ذلك أنه يتمهّل في الإعداد لألبومه ولأغانٍ مرتقبة من المفترض أن تجمعه بعدد كبير من الفنانين، من بينهم نانسي عجرم ووائل كفوري.


كريستين حبيب- الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة