المجموعات المتشددة تكسب الوقت: كيف ومتى سيكون «سيناريو الحسم العسكري»؟
سيبقى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا في مهبّ العاصفة. لن تتأمَّن عودة الهدوء والاستقرار إلى المخيم إلا بعد تسليم المتهمين الثمانية بجريمة اغتيال القيادي الفتحاوي أبو أشرف العرموشي مع 4 من مرافقيه. ليس سهلاً أو ممكناً عودة الحياة إلى طبيعتها داخل المخيم، ولا استمرار حالة التعايش بين حركة «فتح» وعناصرها المسلحة وبين المجموعات الإسلامية المتشددة، بعد سلسلة الاشتباكات والمعارك وحوادث القتل والاغتيالات بين الطرفين.
الأزمة تعود لسنوات عديدة، وفتيل تجددها كان استهداف مسؤول قوات الأمن الوطني في منطقة صيدا اللواء أبو أشرف العرموشي، مع أربعة من مرافقيه بكمين مُحكم نصبته قبالة «تجمع مدارس الأونروا» عناصر مسلحة متشددة من «تجمّع الشباب المسلم» بقيادة هيثم الشعبي وجماعة «جند الشام» بقيادة بلال بدر.
لن تهدأ جولات الاقتتال قبل تسليم المطلوبين، وفق أوساط فلسطينية فتحاوية. لا يمكن القبول بسياسة عدم المحاسبة. فالإفلات من العقاب هو دعوة لتلك الجماعات لضرب الاستقرار في المخيم وإن كان هشا.
الجولة الراهنة من الاشتباكات التي اندلعت مساء الخميس 7 أيلول/سبتمبر، وكانت لا تزال مستمرة بشكل متقطّع حتى كتابة هذا التقرير، تُستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة والقذائف الصاروخية. وهي تتركز بشكل خاص على محور «حي البركسات» و«البستان اليهودي» (منطقة تواجد حركة «فتح») ومحور حي الطوارئ ومحلة تعمير عين الحلوة (معقل الإسلاميين المتشددين).
رواية «فتح» أشارت إلى أن العناصر المتشددة أقدمت على رمي قنابل يدوية وإطلاق رشقات نارية على عناصر قوات الأمن الوطني، وذلك بهدف منع عناصر القوة الفلسطينية المشتركة، من التقدّم والانتشار في تجمع مدارس «الأونروا» وإجبار المسلحين على الانسحاب والخروج من تجمع المدارس تنفيذاً لقرار «هيئة العمل الفلسطيني المشترك» التي تضم ممثلين عن فصائل منظمة التحرير والقوى الإسلامية من حركة «حماس» و«عصبة الأنصار» و«الحركة الإسلامية المجاهدة».
ويقول أمين سر حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية اللواء ماهر شبايطة إن «القوة المشتركة كُلِّفت كذلك بالعمل على توقيف المتهمين باغتيال العرموشي وتسليمهم إلى الجيش اللبناني».
الخيارات محدودة بين التسليم أو مواصلة القتال. وهم يرفضون تسليم أنفسهم وإخلاء «تجمّع المدارس» والانسحاب منه، كونه خط الدفاع الأول عن معقلهم في حي الطوارئ، فكان أن أقدموا على توتير الوضع الأمني من جديد. يؤكد شبايطة أن الوضع الأمني لا يمكن أن يعود إلى طبيعته قبل تسليم المتهمين.
يُعتبر مخيم عين الحلوة من أكبر التجمعات الفلسطينية في لبنان، إذ يضم نحو 65 ألف لاجئ يقيمون في بيوت ومنازل وأبنية مكدّسة فوق بعضها البعض داخل 13 حياً معظمها أطلق عليه اسم القرى والبلدات الفلسطينية التي نزح منها أهلها في نكبة العام 1948. لعقود طويلة كان تنظيم حركة «فتح» هو الأقوى ويشكل العمود الفقري للشعب الفلسطيني قبل أن يضعف ويتراجع تباعاً بسبب الانشقاقات في صفوفه، وقبل أن تُنازعه حركة «حماس» على السلطة والنفوذ في الداخل كما في الشتات.
تذهب القراءات السياسية في طرح التساؤلات عما إذا كانت هناك أجندات خارجية مرتبطة بالمجموعات الإسلامية المتشددة في هذا التوقيت لضرب الاستقرار في المخيم، والتي حوَّلت «حي الطوارئ» إلى بؤرة أمنية يلجأ إليها المطلوبون من قبل الدولة اللبنانية، وبعض هؤلاء من المتشددين الذين سبق لهم وأن شاركوا في القتال إلى جانب تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» في العراق وسوريا، أم أنَّ ما يحصل هدفه الإمساك بورقة المخيم في إطار تحسين الأوراق للاعبين على الساحة الإقليمية؟
التنسيق بين السلطتين الفلسطينية واللبنانية قائم بقوة. الجيش اللبناني لا يتواجد داخل المخيم بل على مداخله الخمسة. مهمة ضبط الأمن مهمة فلسطينية داخل المخيم المقسَّم إلى مربّعات أمنية، تسيطر كل قوة على مربّع أو أكثر. والتعايش موجود بين تلك المربعات بالنسبة للقوى ذات الوزن. غير أن بعض الأحياء، ولا سيما تلك المحسوبة على القوى الإسلامية، تقطنها مجموعات متشددة صغيرة مسلحة غالبيتها من أبناء المخيم وقلة لجأت إليه مطلوبة من الدولة اللبنانية. تلك المجموعات تحظى مواربة أو مصارحة بغطاء بعض القوى الإسلامية النافذة في المخيم ولها ارتباطاتها خارجه، وتسعى لتقوية نفوذها في الحي الذي تتواجد فيه.
في رأي مصادر فلسطينية أنه لا إمكانية لتلك المجموعات بالتوسُّع خارج الأحياء التي تتواجد فيها، وإمكانية القضاء عليها ممكنة عندما يتوفر القرار السياسي. العمل الذي كان جارياً منذ اغتيال العرموشي يندرج في «خانة اللجم» و«عدم التمادي» كما حصل في مرات سابقة. وهذا يتحقّق من خلال إقدام الفصائل التي تمون على تلك المجموعات التي تتمركز في حي الطورائ على تسليم قتلة العرموشي. أما إذا أخفقت «القوة المشتركة» في القيام بذلك، فعندها لا بدَّ من تكرار «سيناريو» العام 2017، يوم فشلت القوة الأمنية في توقيف بلال بدر في حي الطيري. حينها تولت قوة من الأمن الوطني برئاسة العرموشي نفسه الدخول إلى الحي وطرد بدر ومجموعته منه.
«سيناريو الحسم العسكري» ضد «مجموعتي الشعبي وبدر» ومن يقاتل معها ممكن مِن قِبل حركة «فتح» وفق مصادرها، ولكنها ما زالت تستثمر في الحل السياسي بإجماع فلسطيني، وتقول إنها لن تترك الوضع يطول، ولا سيما أن الكلفة التي تترتب عن حالة عدم الاستقرار، ضحايا ونزوحاً وأضراراً، تكبر يوماً بعد يوم. ولعبة كسب الوقت لا بدَّ من أن تكون لها نهاية قريبة.
رلى موفق- الدس العربي