حدث مدمر كاد أن يفضي إلى هلاك البشرية قبل 900 ألف عام
منذ نحو 900 ألف عام مضت، مر أسلاف الإنسان الأوائل بمرحلة طويلة من التراجع الشديد في عدد السكان، إذ لم يتجاوز عددهم خلالها ألف فرد على كوكب الأرض، مما هدد مصير البشرية التي نعرفها اليوم.
يقول عدد من العلماء، من بينهم علماء من “الأكاديمية الصينية للعلوم”، إن هذا التراجع في عدد أسلاف البشر كان على الأرجح نتيجة حدوث تغير جذري في المناخ آنذاك، تضمن حوادث جليدية قادت إلى تغيرات في درجات الحرارة، وجفاف شديد، وفقدان أنواع حية أخرى كان من المحتمل أن يستخدمها الإنسان كمصادر للغذاء.
وفي الدراسة التي نشرت الخميس الماضي في مجلة “ساينس” Science، سعى علماء الآثار إلى إيجاد تفسير لفجوة موجودة في السجل الأحفوري لأفريقيا وأوراسيا من طريق تحليل التسلسل الجينومي البشري الحديث الخاص بـ3 آلاف و154 فرداً.
في النتيجة، كشف التحليل عن أن أسلاف الإنسان الأوائل مروا بمرحلة طويلة وشديدة من الاضمحلال السكاني [ظاهرة تسمى “عنق الزجاجة السكانية” وفيها ينخفض عدد السكان بشدة حتى يبلغ حافة الانقراض أحياناً]، تمكن خلالها نحو ألف و280 فرداً عبر التكاثر من الحفاظ على تعداد السكان طوال 100 و17 ألف عام تقريباً.
وجد الباحثون أدلة على أنه خلال تلك الفترة عانى أسلاف البشر الأوائل خسائر فادحة في الأرواح، من ثم فقدوا التنوع الجيني.
ويقولون إن ما يقدر بنحو 65 في المئة من التنوع الجيني ربما يكون ضاع بسبب هذا الاضمحلال السكاني الذي استمر فترة طويلة اتسمت بأعداد قليلة من الأفراد القادرين على التكاثر، وذلك في أوائل “العصر البليستوسيني” Pleistocene era (أو “العصر الحديث الأقرب” وغالباً ما يشار إليه بالعصر الجليدي) حتى منتصفه.
ومع ذلك، تعتري الباحثين شكوك في أن فترة الاضمحلال السكاني تلك ربما أسهمت في ظهور حدث تطوري يسمى “الانتواع” [عملية تطورية تظهر بواسطتها أنواع جديدة من المخلوقات الحية]، وفيه قد يتلاقى اثنان من كروموسومات الأسلاف لتشكيل ما يعرف حالياً بالكروموسوم 2 لدى البشر المعاصرين.
ويقول العلماء إن هذا ربما أدى إلى ظهور النوع الحي الذي كان على الأرجح السلف المشترك الأخير لإنسان “الدينيسوفان” و”النياندرتال” [من الأنواع المنقرضة من البشر من جنس “الهومو”] والبشر المعاصرين (الإنسان العاقل).
إضافة إلى ذلك، أشار الباحثون إلى ضرورة اختبار نظرية الاضمحلال السكاني في ضوء الأدلة البشرية الأثرية والحفرية.
وعلى رغم أن الدراسة الجديدة خلصت إلى بعض النتائج المذهلة، يقول الباحثون إنها أثارت أيضاً مزيداً من الأسئلة.
والآن بعدما كشفت الدراسة عن معاناة محتملة من أجل البقاء عاشها أسلاف البشر منذ حوالى 930 ألف سنة و813 ألف سنة، يأمل الباحثون في متابعة التحقيقات بغية كشف النقاب عن السبل التي سمحت لهذه المجموعة الصغيرة من السكان من النجاة في خضم ظروف صعبة وخطرة.
“الاكتشاف الجديد يفتح مجالاً جديداً للدراسة في مسار تطور البشرية، ذلك أنه يثير أسئلة كثيرة، مثل الأماكن التي عاش فيها هؤلاء الأفراد، وكيف تغلبوا على التغيرات المناخية الكارثية، وما إذا كان الانتقاء الطبيعي أثناء فترة الاضمحلال السكاني أفضى إلى تسريع عجلة تطور الدماغ البشري”، على ما قال الباحث المشارك في الدراسة يي هسوان بان.
ويشتبه العلماء في أن السيطرة على الحرائق، إضافة إلى التحول في أحوال المناخ ليصبح أكثر ملاءمة لحياة الإنسان، ربما أسهما لاحقاً في بلوغ فترة متأخرة من الزيادة السكانية السريعة منذ نحو 813 ألف سنة.
وحول هذا قال يي هسوان بان: “ليست هذه النتائج سوى البداية. وترمي الأهداف المستقبلية بفضل هذه المعرفة إلى رسم صورة أكثر اكتمالاً للتطور البشري خلال هذه الفترة الانتقالية من ’العصر البليستوسيني المبكر’ إلى ’العصر البليستوسيني الأوسط’، التي بدورها ستستمر في حل لغز أصل الإنسان المبكر وتطوره”.
اندبندنت