لبنان الكبير أصبح عدداً من «اللبنانات»: لا فضل لجعجع على نصرالله إلا بالـ10452 كلم مربعاً!

أعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في كلمته في قداس «شهداء المقاومة اللبنانية» الأحد الماضي التمسّك بجغرافيا لبنان الكبير عام 1920. فهو قال: «خيارنا لبنان أولاً… وأخيراً، خيارنا التعدّدية بالوحدة، خيارنا 10452 كلم مربعاً، خيارنا الدولة: دولة فعليّة من دون فساد، خيارنا النضال لتبقى لنا الحرية…».

هل من أهمية في إعادة الاهتمام بمساحة لبنان بعد 103 أعوام؟ ربما يكون مفهوماً التمسّك بـ»خيار الدولة» في زمن اللادولة الذي تكرّس تباعاً بعد عام 2005، عندما صار «حزب الله» ومعه إيران الوصيّ على لبنان بعد زوال الوصاية السورية. أو ربما يكون مفهوماً، التأكيد على خيار الحرّية الذي يمرّ في محنة هيمنة الشمولية التي تسرّبت من إيديولوجية دينية وصلت من بلاد فارس حيث ديكتاتورية ولي الفقيه أساس الجمهورية هناك.

أما العودة للإصرار على خيار الـ10452 كلم مربعاً، فهو حلم ليلة صيف بعدما صار لبنان الكبير عدداً من «اللبنانات» الصغيرة التي لا تفصل بينها حدود وإنّما وقائع وأحوال وكأننا في زمن الممالك والإمارات الغابرة تحت نفوذ مسمّيات أشهرها «قوى الأمر الواقع» و»الأهالي».

جعجع نفسه، أشار إلى هذه الوقائع والأحوال عندما طرح ملابسات جريمة قتل الياس الحصروني عضو المجلس المركزي لـ»القوات» في عين إبل في 2 آب الماضي. وخلص بعد الكشف عن وقائع مهمة في الجريمة إلى القول: «ما انعرف كيف لأنّو ما تنسوا، بالجنوب لا في دولة، ولا في تحقيق ولا من يحققون».

لبنان هو في الجغرافيا 10452 كلم مربعاً. لكنه في الوقت نفسه، بلا دولة تبسط سلطتها على هذه الجغرافيا. أمّا ما قاله جعجع عن لبنان الجغرافيا، فلا يقوله أحد تقريباً في هذا الزمن.

لم يعط الاهتمام الكافي كي تكون جغرافيا لبنان مسألة جوهرية في تكوين الولاء عند من أصبح من رعايا هذه الجغرافيا، عندما كانت خرائط الشرق الأوسط قيد الإعداد بعد زوال السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. ومن هؤلاء الرعايا في خريطة لبنان الكبير القسم الكبير، القسم الأكبر من الطائفة الشيعية. ولولا هذه الخريطة التي تبنّاها بإصرار الانتداب الفرنسي ومعه البطريرك الماروني الياس الحويّك، لكان كثرة شيعة لبنان ضمن فلسطين في زمن الانتداب البريطاني، ومن ثم ضمن دولة إسرائيل بدءاً من العام 1948. ومن الشواهد على هذا التاريخ كتاب «لبنان الكبير المئوية الأولى» الصادر العام الماضي عن «المركز الماروني للتوثيق والأبحاث».

عندما يشهد التاريخ على جغرافيا هذا الكيان، لا يعني أنّ الحاضر مهتمّ بالجغرافيا، وبمن له الفضل على من أخرجها إلى حيّز الوجود. والمثال على هذا الواقع هذا الازدراء الداخلي للدور الفرنسي الحالي في معالجة أزمة الاستحقاق الرئاسي. كما يشهد عليه الانتقاء من مواقف بكركي كما لو أنّها لائحة طعام وليس مطالب وطنية.

ولأنّ الشيعية السياسية اليوم في ذروة فائض القوة بفضل «حزب الله» ذي الولاء الإيراني، قد تكون في طليعة من يجب أن يعترف بفضل جغرافيا أنجزها الانتداب الفرنسي والمرجعية المارونية قبل 103 أعوام. لكنها لا تفعل. ولهذا تبدو «القوات اللبنانية» صاحبة الفضل.

يقول الحديث المشهور «لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ إلَّا بالتَّقوَى». ولا ضير القول هنا: لا فضل لجعجع على نصرالله إلا بالتمسّك بالـ10452 كلم مربعاً.

أحمد عياش- نداء الواطن

مقالات ذات صلة