“خدمات لودريان للتوسط بين الفرقاء» وتفكيك المفردات!

لم ينزعج الجانب الفرنسي من الدعوة التي أطلقها رئيس البرلمان نبيه بري للحوار لمدة أقصاها سبعة أيام على أن تليها مباشرة جلسات انتخابية مفتوحة ومتتالية. وبالتالي لم تعتبر الدبلوماسية الفرنسية أن دعوة بري هي قوطبة على المسعى الذي كان الموفد الفرنسي جان إيف لودريان مزمعاً القيام به عند عودته المنتظرة في 11 الجاري، بدعوة الفرقاء اللبنانيين إلى حوار ليومين أو ثلاثة تتم الدعوة بعده إلى الجلسات المفتوحة والمتتالية لانتخاب الرئيس.

وبينما يرى منتقدو المسعى الفرنسي أنّ عدم تعارضه مع دعوة بري يعود إلى أن هذا المسعى محفوف بالفشل الذي طبع خطواته حتى الآن، فإنّ باريس تعتبر أنّها لطالما طالبت الفرقاء اللبنانيين بأن يبادروا إلى التلاقي من دون الحاجة إلى وساطة الخارج، وإذا اتفق الفرقاء اللبنانيون من دون لودريان فلا بأس. هذا لسان حال الدبلوماسية الفرنسية إزاء ما جرى خلال الأيام الخمسة الماضية التي تلت دعوة بري إلى الحوار، والتي خضعت للقبول عند البعض وللرفض عند البعض الآخر من قوى المعارضة، ما يعيد تركيز الأنظار على ما سيقوم به لودريان في حال بقي موعد عودته الثالثة منذ تعيينه موفداً رئاسياً للبنان مطلع حزيران الماضي، بداية الأسبوع المقبل.

ينتظر أن يقوم تحرك لودريان على النتيجة التي انتهت إليها مبادرة بري. والسيناريوات التي يجري الحديث عنها ويتفتق خيال الوسطين السياسي والإعلامي عن ابتداعها، على كثرتها، بعد خطاب رئيس البرلمان في 31 آب وردات الفعل عليه، تُختصر بسيناريو وحيد وأوحد: لا دعوة إلى جلسات مفتوحة ومتتالية لانتخاب الرئيس من قبله طالما أنه ربط تلك الدعوة بحوار الأيام السبعة «كحد أقصى»، والذي لن يتم ما دام اشترط أن يحضره الفرقاء كافة، بينما الرفض جاء من فريقين أساسيين هما رئيسا حزبي «القوات اللبنانية» سمير جعجع والكتائب سامي الجميل، إضافة إلى نواب معارضين آخرين، فضلاً عن مهاجمة قناة «أو تي في» الناطقة بلسان «التيار الوطني الحر» هذه الدعوة، معتبرة أنها «لفرض مرشحهم»، خلافاً لترحيب بعض نواب «التيار» بها.

ومع أنّ بري مُتهم بأنّه لجأ إلى هذه المبادرة لعلمه المسبق برفضها من قبل قيادات رئيسة في المعارضة، لإحراجها وتبرئة ذمته من مطالبته بالدعوة إلى جلسات مفتوحة، فأظهر ليونة حين أبدى استعداداً للتجاوب مع هذا المطلب بعد الحوار المفترض، فإنّ الذين التقوه ينقلون عنه ارتياحه إلى ما قام به، وبأنه سعى إلى التجاوب مع المطالبات الخارجية له بالدعوة إلى الجلسات المفتوحة والمتتالية، وأنّ أجواء لقاءاته مع الموفدين الدوليين والسفراء الذين زاروه كانت إيجابية وودودة خلافاً لما أشاعه خصومه في المعارضة عن ضغوط عليه. ويخرج زوار بري بانطباع بأنّ المشكلة صارت بين القوى المسيحية الرئيسة وبين الموفد الفرنسي وليس معه هو، بعد الذي حصل.

ومن الزاوية الفرنسية لا مشكلة لدى لودريان في استئناف التواصل واللقاءات حتى مع الفرقاء كافة وبـ»الالتفاف» على امتناع فرقاء في المعارضة عن إعطائه الأجوبة المكتوبة على سؤاليه اللذين بعث بهما إلى رؤساء أو ممثلي الكتل النيابية في البرلمان حول مواصفات الرئيس العتيد، والأولويات التي يرون أن عليه تحقيقها، تمهيداً لولوجهم الى البحث في الأسماء، لبلورة الخيارات بالتصويت في «الجلسات المفتوحة والمتتالية».

بصرف النظر عن شكل الحوار، أو ما يمكن تسميته «خدمات لودريان للتوسط بين الفرقاء»، يدرك الجانب الفرنسي أيضاً أنّ عليه تفكيك الغموض حول ما تعنيه بعض المفردات مثل الدعوة إلى «جلسات مفتوحة» لانتخاب الرئيس، فيما القصد الفرنسي أن تكون العملية الانتخابية مفتوحة بلا توقف. هل تعني هذه المفردة جلسات يُدعى إليها في كل مرة أو الدعوة إلى جلسة انتخابية واحدة مفتوحة، بدورات متتالية ومتواصلة يوماً بعد يوم، لا تُقفل إلا بعد انتخاب الرئيس؟ وللتفاهم على ذلك يتوجب العودة إلى الدستور وما ينص عليه في المادة 49 منه.

مما تقدم، إضافة إلى الشكل الذي يعتمده بديلاً للحوار الذي دعا إليه بري، من غير المستبعد أن يحتاج لودريان في حال انتقل إلى بيروت مطلع الأسبوع المقبل، إلى زيارة رابعة وخامسة لتذليل العقبات، إذا تعذر الوصول إلى نتيجة في زيارته المرتقبة، الخاضعة بدورها لمزيد من التشاور مع شركائه في نادي الدول الخمس المعنية بلبنان.

ولد شقير- نداء الوطن

مقالات ذات صلة