أوراق للبيع للأميركيين: ماذا طلب الرئيس برّي من هوكستين؟

على غير عادة، وفي زيارته الأخيرة للبنان، أدرج مبعوث الرئيس الأميركي الخاص آموس هوكستين جولات في مناطق لبنانية ظاهرها سياحي فيما باطنها مثار تساؤل.

بكلّ أريحية تجوّل هوكستين في الجنوب اللبناني. نظر إلى إسرائيل من منظار شمالها، بعدما قام بالمثل سابقاً من شمال الدولة العبرية باتجاه جنوب لبنان.

الاستقرار من أجل الطاقة
يبدو أنّ أهميّة الاستقرار في المنطقة لتأمين تدفّق الطاقة في ضوء النقص العالمي الحاصل من جرّاء الحرب على أوكرانيا، هو عنوان المرحلة. تدلّ نظرتا هوكستين (من جنوب لبنان وشمال إسرائيل) كما تعدّد الزيارات على ذلك. فالتوصّل إلى اتفاق ترسيم الحدود والبدء بالاستكشاف والتنقيب من قبل شركة توتال في البلوك رقم 9 وإعلان لبنان تنظيم دورة تراخيص جديدة للتنقيب في البلوكين 8 و10، تشير إلى عنوان “الاستقرار” المطلوب في الجنوب.

ارتدى جنوب لبنان أهميّة في إرساء الهدوء والاستقرار، لا سيما لإسرائيل ولاستخراجها الغاز والنفط وإعادة تصديره. لبّت قوى الأمر الواقع طلب تل أبيب بعدما حصلت على حصّتها من الإنتاج عبر إبعاد الشركة الروسية واستبدالها بشركة قطر للطاقة. وجدت إيران المستبعَدة عن التنقيب في الشاطئ السوري لعدم منافسة روسيا هناك موقعاً لها على شرقي البحر المتوسط من خلال ما حصل في اتفاق ترسيم الحدود.

خلال سعيه إلى تثبيت الاستقرار والهدوء بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، ومحاولة توسيع نطاقه ليشمل إنهاء التباينات بين الدولتين حول النقاط السبع البرّية الباقية بما فيها بلدة الغجر اللبنانية، طلب الرئيس نبيه برّي من هوكستين “العمل والضغط على المعارضة لتأييد انتخاب سليمان فرنجية” مرفقاً طلبه هذا من الأميركيين بدعوة علنية مكرّرة إلى الحوار في مجلس النواب لمدّة أقصاها سبعة أيام ثمّ عقد جلسات متتالية (وليست مفتوحة) ليصار إلى انتخاب الرئيس العتيد.

بصرف النظر عن اعتبار أنّ هذه الدعوة المخالفة للأحكام الدستورية “ورقة ابتزاز ومساومة” لعدم توافر النصّ على إلزامية الحوار، وبغضّ الطرف عن جدوى حوار في ظلّ السلاح والاستقواء به، يبقى أنّ مقدّم الطلب هو الناطق الرسمي باسم الثنائي أمل – الحزب. فطلب نبيه برّي من هوكستين يعبّر مجدّداً عن النيّة الدائمة المضمرة والمعلنة للثنائي ومن خلفه إيران للتفاوض مع أميركا التي يصفونها إعلامياً بـ”الشيطان الأكبر”.

أوراق للبيع للأميركيين
نعم، يبيع الحزب ومن ورائه إيران أوراقاً للأميركيين مقابل أثمان:
1- في طلبه من أميركا الضغط على المعارضة لتأييد انتخاب سليمان فرنجية، يقايض الثنائي بتّ الخلافات البرّية الباقية بثمن سياسي يتعلّق بهويّة رئيس الجمهورية السياسية.

2- على مدار 12 عاماً ماطل الحزب في موضوع ترسيم الحدود البحرية الذي راوح بين مدّ وجزر وتقدّم وتراجع والاتفاق على نقاط والعودة عنها حتى ضَمِن مصالحه الذاتية على حساب مصلحة اللبنانيين والدولة اللبنانية، فأبرم اتفاق ترسيم الحدود البحرية.

3- منذ عام 2000، يماطل الثنائي في إنهاء التباينات على النقاط البرّية السبع ليبقى شعار “المقاومة حتى تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر” مرفوعاً ويكون له صداه. وحين تنبّه الأمين العامّ للحزب حسن نصر الله إلى توافق الخطّ الأزرق مع اتفاقية الهدنة لعام 1948 ومع الاتفاقية الفرنسية – الإنكليزية لعام 1923، ربط بقاء السلاح بتأمين الاستكشاف والتنقيب واستخراج النفط وتصديره، وربّما أيضاً بتحرير القدس وفلسطين .

4- مناوشات الشهرين الأخيرين على الحدود، حيث شهد تموز وآب تصاعد الاستفزازات على طول الخط الأزرق (من رمي حجارة واجتياز الشريط الشائك إلى نصب خيمتين ومزيد من مستوعبات “جمعية أخضر بلا حدود” وإرسال مسيَّرات صغيرة فوق شمال إسرائيل). الهدف من هذا كلّه المقايضة بين هدوء واستقرار الخطّ البرّي وبين الثمن السياسي في داخل لبنان. والثمن هنا لا ينحصر بانتخاب فرنجية فقط، بل بالسيطرة أيضاً على تسمية رئيس الحكومة وتأليفها وصياغة بيانها الوزاري، وإصدارها للمراسيم التنفيذية والتطبيقية التي تحفظ مصالح الثنائي في الدولة، خاصّة تلك المتعلّقة منها بالطاقة وباستخراجها.

يراهن الحزب على مقولة “ضرورات الطاقة تبيح المحظورات” ليستحصل على أثمان سياسية داخلية ليس أهمّها انتخاب فرنجية فحسب.

ربّما أوحى هوكستين للثنائي بزياراته لراس بيروت المشرف على صخرة الروشة، واهتمامه بقلعة بعلبك واستطلاعه للجنوب، بأنّ واشنطن الممتنعة حتى الآن عن فرض عقوبات في وارد الاسترخاء مع طلب الحزب – أمل.

في المقابل، تحاول واشنطن في الاستراتيجية نفسها أن توجّه ضربة على الحافر وأخرى على المسمار. وتجلّى ذلك في ممارسة واشنطن في مجلس الأمن لمناسبة التجديد لقوات اليونيفيل، وتشدّدها في رفض التعديلات الفرنسية المملاة من الحزب لتعديل الفقرتين 16 و17 من قرار مجلس الأمن 2650 للعام الفائت، فكانت إعادة صياغة القرار 2695 الصادر تكراراً لتوكيد الموقف الأميركي المتشدّد حيال خروقات الحزب في جنوب لبنان .

بالموازاة، ابتزّت طهران بحجزها الرهائن الأجانب الدول الغربية ومنها واشنطن للإفراج عن الأموال والجواسيس. وها هو الثنائي يتبع ذات النهج في رئاسة الجمهورية والحكومة في لبنان. وهو ما قد يشير إلى أنّ تسهيل الاتفاق على النقاط البرّية العالقة مقابل الهويّة السياسية لرئيس الجمهورية هو ما يخطّط له الثنائي ويصبو إليه. غير أنّ التقاطع السعودي – الأميركي – القطري في اجتماعات الخماسية حول لبنان قد يقود إلى تسوية متوازنة .

لكن يبقى سؤال للثنائي: هل تصويب المعاداة يتّجه صوب واشنطن “الشيطان الأكبر” أم صوب الشعب اللبناني ودولته المختطَفة؟

بديع يونس- اساس

مقالات ذات صلة