الراعي “يُعوّم” فرنجيّة: لماذا غيّر رأيه؟
بعد موقف النائب جبران باسيل الإيجابي من “حوار أيلول”، ثبّت البطريرك بشارة الراعي مقعداً مسيحياً “فخرياً” على طاولة الحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه برّي مانحاً مبادرة رئيس مجلس النواب دفعاً قويّاً استفزّ “القوات اللبنانية” و”حزب الكتائب” في مقابل تفاعل سريع مع تكويعة بكركي على مستويين:
1- موقف رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط المتلقّف “للموقف الحكيم للراعي”، والذي دعا إلى “عدم تضييع الوقت والذهاب نحو الحوار الجادّ”. وكان سبق الموقف الرسمي للحزب الاشتراكي موقفٌ “نوعيّ” لوليد جنبلاط ذهب فيه إلى حدّ “طلبه من القوى السياسية الجلوس مع الأمين العام للحزب من أجل انتخاب الرئيس فقط”، مسلّماً بأنّ “الدول الخمس المعنيّة بالأزمة غير مستعجلة والتفاهمات في المنطقة لم تنضج بعد. نحن نعوّل على الدعم الخارجي لا أن يأتي القرار من الخارج”.
2- زيارة السفير السعودي وليد بخاري للديمان بعد يوم واحد على “انقلاب” بكركي على موقفها الاستراتيجي من الحوار الذي طالما تجاوزه البطريرك في عظاته لمصلحة سلوك الخطّ السريع نحو البرلمان. وقد تقصّد البيان الصادر عن السفارة السعودية في بيروت الإشارة إلى التداول “خاصّة بالاستحقاق الرئاسي وضرورة إنجازه بأسرع وقت”، فيما أشارت مصادر كنسية لـ “أساس ميديا” إلى أنّ الراعي سمع “ثناءً من السفير السعودي على موقف الراعي الأخير من الحوار، وأكّد بخاري أنّ المملكة مع أيّ خيار رئاسي يتّفق عليه اللبنانيون وستكون متعاونة”.
“شهادة” من واشنطن
يتقاطع هذا المشهد الداخلي بتطوّراته البطيئة مع معطيات دبلوماسيين كبار عادوا أخيراً إلى بيروت بعد زيارة لواشنطن استنتجوا خلالها “وجود لبنان في أسفل سلّم أولويات الإدارة الأميركية، في مقابل غموض تامّ يكتنف كلّ ملفّات المنطقة حيث تجري تصفية حسابات الصراعات في ساحات أخرى”.
يُسلّم هؤلاء بأن “لا حديث عن بدء ملامح التسوية الكبرى قبل نيسان 2025 حيث “تستيقظ” واشنطن بدءاً من أوائل أيلول الجاري لإتمام مراحل إجراء الانتخابات الأميركية في 24 تشرين الثاني 2024 ثمّ إجراء التعيينات الأساسية في الإدارة الأميركية الجديدة”.
هي مرحلة يصفها الدبلوماسيون بـ “رفاهية التجاهل والتطنيش الدوليَّين، خصوصاً بعدما فقد لبنان ميزتين أساسيّتين، إذ كان الرئة المالية للمنطقة، إضافة إلى شبه انهيار لنظامه المصرفي، وذلك في مقابل عدم تحمّل لبنان ترف الانتظار حيث يعيش على واقع مالي زائف من ضمنه كتلة الاغتراب التي تُغرق لبنان صيفاً بدولاراتها”.
يشير هؤلاء إلى “مطلب أميركي أساسي تُرجم في الأشهر الماضية من خلال ترسيم الحدود البحرية، فيما دعم الجيش سياسة أميركية ثابتة زادت وتيرتها بفعل الأزمة فقط، وغير ذلك يمكن أكثر رصدُ نشاط زائد للسفيرة الأميركية دوروثي شيا على مستوى ممارستها رياضة الـ paragliding أو القيام برحلات سياحية مع آموس هوكستين في بعلبك”.
السعوديّة تقبل بفرنجيّة؟
هكذا تفترض إدارة المرحلة، قبل أن تحطّ التسوية الموعودة رحالها، نضجاً على مستوى حلّ داخلي قد يكون، وفق مصدر دبلوماسي مطّلع على الكواليس الدولية، من خلال الحوار على مستوى القيادات السياسية أو من خلال الحوار المفتوح بين التيار الوطني الحر والحزب. وفي حال وصول الحوار بين هذين الطرفين إلى دعم ترشيح سليمان فرنجية مع دفعة قوية من الإصلاحات فلن يكون هناك ممانعة دولية، وتحديداً لن تقف الرياض بوجه هذا الخيار.
يصف المصدر نفسه مبادرة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان بـ “مبادرة تعويم الدور الفرنسي وليس المبادرة الفرنسية بعد سلسلة نكسات لسياسات إيمانويل ماكرون في أكثر من دولة. يكفي القول إنّ ماكرون في كلّ تنقّلاته بين الدول يغلّب عدد رجال الأعمال ضمن الوفود المرافقة له على عدد المستشارين والسياسيين”.
أمام واقع كهذا يصبح التعلّق بحبال هواء المساعي الداخلية أمراً منطقياً ومشروعاً. في العمق يمكن القول إنّ مبادرة برّي الحوارية على قاعدة حوار السبعة أيّام ثمّ جلسات حوار مفتوحة ومتتالية هي نسخة عن روحية مبادرة لودريان التي اقتصرت على يومَيْ حوار ثمّ جلسات مفتوحة، وإنّ هدف الفرنسيبن هو إنقاذ أنفسهم أوّلاً من ورطة وساطات قامت بها باريس على مراحل، انتهت بقيام “قيامة” المسيحيين، وتحديداً الموارنة، ضدّهم.
لماذا غيّر الراعي رأيه؟
لكن ماذا حصل في الأيام الماضية فدفع البطريرك الراعي إلى تعويم حوار أيلول الذي دعا إليه برّي من دون أن يرأسه بعدما جاهر بعدم حياديّته إثر تبنّيه ترشيح فرنجية؟
هي مدّة زمنية قصيرة جدّاً فَصَلت بين موقف الراعي الذي حَمَل فيه على “مسؤولين بما لهم من نفوذ يعطّلون انتخاب رئيس الجمهورية ويتستّرون وراء الحوار والتوافق، فيما الحلّ واحد وهو إجراء الانتخابات بين المرشّحين المعروفين”، وبين منحه الغطاء الكنسي لحوار مع سلّة شروط يمكن عملياً لأيّ طرف سياسي أن يَطلبها من خصمه.
هكذا أصبح الحوار، بمنظار بكركي، مقبولاً في عظة 3 أيلول بعدما لم يكن كذلك في عظة 27 آب حين توجّه إلى “الذين في قبضة يدهم فتح البرلمان (نبيه برّي) من أجل عقد دورات انتخابية متتالية لرئيس الجمهورية، وفقاً للمادّة 49 من الدستور”، وبات لسان حال القواتيين والكتائبيين اليوم: “الراعي يغطّي حواراً قد يوصل فرنجية إلى قصر بعبدا”.
تقول أوساط مطّلعة لـ “أساس”: “قد يكون الراعي استلهم من زيارة موفد الرئاسة الأميركية لشؤون الطاقة آموس هوكستين وهو يخرج من خلوتهِ مع الرئيس برّي حين قال ما معناه أنّ الأوان حان لأن يتكلّم اللبنانيون مع بعض”.
تشير الأوساط إلى منح بكركي الغطاء للحوار بعد ممانعة طويلة مع العلم أنّ برّي دعا إلى حوار الأيام السبعة على أن تليه “جلسات متتالية” لانتخاب رئيس للجمهورية (متقاربة زمنياً)، ولم يدعُ إلى “دورات متتالية” كما كان البطريرك الراعي يطالب سابقاً في عظاتِه.
تضيف الأوساط: “جوهر موقف بكركي الأخير الداعم للحوار أنّه ظهّر إلى العلن الخلاف الكبير بين الراعي والقوات الذي تُرجم من خلال تغريدة النائب غياث يزبك، بغطاء من سمير جعجع، التي لامه فيها على “دعوته إلى تلبية الحوار فيما عزّزنا موقفنا بناءً على عظتك في 27 آب التي قلت فيها إنّ الحوار الحقيقي هو التصويت في مجلس النواب”، ثمّ تُوجّ الخلاف بموقف تصعيدي من جعجع بعد ساعات من عظة الراعي وصف فيه الحوار “بالدعوة إلى قتلنا وخنقنا”.
وقد سجّل أمس اتصال جعجع بالبطريرك الراعي حيث تناول الحديث موقف بكركي المستجد من الحوار وتكرار رئيس القوات رفضه المشاركة به.
تلفت الأوساط إلى أنّ “عودة جعجع إلى مهاجمة البطريرك ليست سوى استعادة لسياسة رئيس حزب القوات حيال الراعي منذ 2011 عند بدءِ حِبريّتِه في سدّة بكركي وحتى عام 2019 عندما أرسلَ الراعي مطراناً للمرّة الأولى ليرأس باسمه القدّاس السنوي لشهداء القوات اللبنانية في معراب بعدما واظبَ على رفضِهِ لذلك على مدى 8 سنوات على الرغم من طلب جعجع لذلك عدّة مرّات، وتوقّفت لاحقاً أجهزة إعلام جعجع عن “التنقيف” على الراعي”.
ملاك عقيل- اساس