الترحيب بمنصوري في السعودية: “إنفراج” بلا أموال
بدأ حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وسيم منصوري، بالتماس الصفحة الجديدة التي فُتِحَت للبنان ومصرف المركزي، من خلال تواجد وفد لبناني في فعاليات مؤتمر “الآفاق الاقتصادية العربية في ظل المتغيرات الدولية”، الذي ينظّمه اتحاد المصارف العربية. لكن هل يعني ذلك بالضرورة أن الأموال والاستثمارات ستغدق على لبنان وتغذّي اقتصاده وتنعش ليرته؟
ترحيب دبلوماسي ومصرفي
على مدى يوميّ الإثنين والثلاثاء، 4 و5 أيلول، كان واضحاً الترحيب الدبلوماسي والمصرفي السعودي والعربي بمشاركة منصوري في المؤتمر، ممثِّلاً المصرف المركزي بشكل خاص ولبنان بشكل عام. فالتقى حاكم المركزي محافظ البنك المركزي السعودي أيمن بن محمد السيّاري، وشارك في جلسات المؤتمر مع محافظي البنوك المركزية العربية ومسؤولي مؤسسات مالية دولية وعربية ومصرفيين سعوديين. وحظي منصوري بترحيب خاص من اتحاد المصارف العربية، الذي أكّد سعيه إلى “دعم البنك المركزي اللبناني في ظل إدارته الجديدة والقطاع المصرفي”. وأبدى الاتحاد في بيان استعداده “لوضع كل علاقاته وإمكاناته في تصرف البنك المركزي اللبناني لإنجاح مهامه في إنقاذ الوضع النقدي في لبنان”.
ولتعزيز مؤشّرات الترحيب بمنصوري، سيستفيد الحاكم بالإنابة من وقته في السعودية لإجراء المزيد من اللقاءات مع مسؤولين عرب وغربيين. وتشير المعلومات إلى أن تمديد منصوري فترة مكوثه في المملكة، يأتي بغطاء سعودي ورغبة في إظهار الدعم السعودي للبنان على المستوى المعنوي.
الإصلاحات مطلبٌ لا رجوع عنه
الدعم المعنوي الممتد من واشنطن إلى الرياض لا يُتَرجَم بمساعدات مالية، لا من العاصمتين، ولا من أي جهة أخرى. فالإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي لم تُنَفَّذ بعد في بيروت، وبالتالي، لا انعكاس للتنقُّل الدبلوماسي بين العواصم، ما لم تتغيَّر المعطيات الاقتصادية والنقدية.
والإصلاحات ليست مطلباً سياسياً يعني أصحاب القرار في العاصمة الأميركية أو العاصمة السعودية، وإنما يؤيّد اتحاد المصارف العربية إجراء هذه الإصلاحات، بل يجدها ضرورية. فالأمين العام لاتحاد المصارف العربية وسام فتّوح، أعلن في حديث لـ”المدن” ترحيبه بوجود منصوري في المؤتمر، وأشار إلى أن “الاجتماعات الثنائية التي عقدها منصوري كانت جيّدة، سيّما لقاءه مع محافظ البنك المركزي السعودي”. لكن برأي فتّوح “الأهم هو الإصلاح الذي يبدأ من الداخل اللبناني. فلا شيء يعيد الثقة إلاّ الإصلاح، وهو ما أكّد عليه منصوري خلال المؤتمر”.
لَبِنات الإصلاح التي قرَّرَ منصوري وضعها على جدول أعماله، هي وقف تمويل الدولة. لكن في الوقت عينه هو يشتري الدولارات من السوق لتسديد بعض التزامات الدولة، وعلى رأسها رواتب موظفيها. ومع ذلك تشير مصادر متابعة للملف في حديث لـ”المدن”، إلى أن مواصلة منصوري شراء الدولار من السوق “يؤدّي إلى وجود الدولار في يد موظفي القطاع العام، لكنه أمر موافَق عليه عربياً ودولياً، تماماً مثل الموافقة على المنصة الجديدة التي ستخلف منصة صيرفة. أي أن المجتمع الدولي يدرك أن منصوري يسير بنهج رياض سلامة مع بعض التعديلات التي تحظى بمظلة دولية، تحديداً وأن ورقة سلامة كانت قد احترقت وبات من الأفضل الإشاعة بأن مرحلة جديدة ومختلفة قد بدأت مع منصوري”.
ويغرِّد منصوري حيال الإصلاحات بالنغمة ذاتها التي يغرّدها الوفد المرافق له، ما يشي بنوع من القرار المسبق والحاسم بترك انطباع لبناني إصلاحي، في أذهان المصرفيين العرب والغربيين. إذ أكّد مدير عام الاقتصاد والتجارة محمد أبو حيدر، خلال المؤتمر، أن “غياب الثقة يحول دون جذب الاستثمارات الخارجية. وبالتالي، أي استثمار خارجي بحاجة إلى ثقة، والثقة بحاجة إلى إصلاحات. ولكن هل قامت دولتي بالاصلاحات المطلوبة وعلى رأسها إعادة هيكلة المصارف والكابيتل كونترول وخطة التعافي المالي والاقتصادي لاستعادة ثقة المجتمع الدولي وعلى رأسه المملكة العربية السعودية؟”.
بين منصوري وسلامة
منصوري ليس رياض سلامة. والأخير كان رأسه مطلوباً من الناحية القضائية والمعنوية، ولم يعد بالإمكان تقديم الحماية له أو الدعم، خصوصاً بعد استدارته باتجاه حزب الله وفريق الممانعة اللبناني، ليغطّيه بحماية سياسية داخلية في وجه الضغط الأميركي. لكن بالنتيجة، لم يستطع الحزب حمايته.
السعودي والأميركي ينظران جيداً إلى ان سلامة لم يعد قادراً على الاستمرار ولا بد من تغييره، فكان منصوري الذي أبقى على قواعد اللعبة مستمرة، لكنه فرمَلَ بعض العمليات التي كانت تقوم عبر المركزي، ملوِّحاً بمهام أخرى. لكن هل تعطي السعودية وأميركا منصوري ما لم تعطه لسلامة؟
“القرار السياسي هو أهم من التحليل الاقتصادي في ظل ما يحصل في لبنان”، بنظر المصادر. ولذلك لا يمكن مساواة سلامة بمنصوري، فالأول احترقت ورقته، والثاني فُتِحَت واستقبلها هو باستعداد للتعاون مع الأميركيين. ويشفع له بذلك كونه شيعيّاً محسوباً على رئيس مجلس النواب نبيه برّي وليس حزب الله، وهو عامل مريح للسعودية أيضاً. لكن مع ذلك، لم يتلقَّ منصوري وعوداً سعودية أو أميركية بتقديم الأموال للبنان، بل تُرِكَ هذا المطلب مرهوناً بالإصلاحات والمواقف السياسية اللبنانية.
وتقول المصادر أن “مشكلة السعوديين والأميركيين مع حزب الله، جعلتهم يفتحون أبوابهم لمنصوري ويتريّثون في تقديم المساعدات المالية المباشرة للبنان. فكلا الدولتين لم تغيِّرا سياستهما تجاه لبنان، وإنما تريدان القول أن المشكلة مع فريق سياسي محدد وليس مع اللبنانيين”.
“لا أموال سيأتي بها منصوري من السعودية. ومن المستبعد أن يحظى لبنان بمساعدة في المستقبل القريب، إلا إذا اضطرَّت السعودية أو أميركا إلى دعم الجيش والقوى العسكرية ككل. لكن أياً من الدعم للموظفين ولفئات أخرى من اللبنانيين، لن يتم”. وتذهب المصادر أبعد من ذلك لتؤكّد أن “أي مساعدات مستقبلية بعد تغيُّر الظروف الإقليمية والدولية، لن تتم إلا بشكل مضبوط ومحسوب، كأن تضع السعودية مثلاً وديعة في مصرف لبنان لتبرهن مساعدتها للبنان. لكن هذه تبقى فرضية مرهونة بالكثير من العوامل السياسية”.
وجهة النظر العربية والغربية تقول بأن منصوري رجل واعد ومركزه مؤثِّر في لبنان، ولذلك “كان لا بد من استمالته للمساعدة في تمرير ما أمكن من سياسات نقدية مطلوبة، وكذلك يمكن للاحتضان العربي والدولي أن يمنع منصوري من التوجّه نحو حزب الله كما فعل سلامة”. ومع ذلك، طالما أن لا أموال تدخل إلى لبنان ولا استثمارات ترفع الاقتصاد وتدعم الليرة، فإن كل المؤتمرات والترحيبات والدعم، تبقى حبراً على ورق.