برّي التقط الإشارة…هل يكون أيلول شهر الحسم الرئاسي؟

بدأ شهر أيلول بوعود جدّية تضجّ بها الكواليس السياسية بأنّه شهر الحسم الرئاسي. إلّا أنّه لا شيء في لبنان محسوم مع حجم التشابكات السياسية الداخلية بل والخارجية. بعد جولات دبلوماسية مفصليّة رافقت الأيام الأخيرة، سيفتتح شهر أيلول فصلاً جديداً في لبنان، فصل نهاية الدور الفرنسي بأحاديّته وبدء فصل جديد للّجنة الخماسية سيظهر في دور تلعبه قطر بعدما أسقط أعضاء اللجنة تمسّك كلّ دولة بمرشّح واحد، ووضعت اللجنة لائحة رئاسية يجول بها موفد على القوى السياسية اللبنانية.

أرضيّة داخليّة متحرّكة
في الساحة الداخلية جملة معطيات في الملفّ الرئاسي يجدر التوقّف عندها:

1- دعوة الرئيس برّي إلى حوار السبعة أيام وعقد جلسات متتالية لانتخاب رئيس “كما يحصل في الفاتيكان” في خطوة ستحرّك حتماً الملفّ الرئاسي بين القوى الداخلية.

2- حصول أوّل تواصل غير مباشر بين الأميركيين والحزب من خلال الجولة الاستعراضية التي قام بها موفد الرئيس الأميركي آموس هوكستين في بعلبك بما ترمز إليه للحزب، وصولاً إلى عمق بيروت. وما بين كلّ المحطّات كانت عين التينة صلة وصل لإبلاغ رسالة أميركية للحزب طال انتظارها. هذه الخطوة التي كانت عالقة في المشهد السياسي قد تكون مفتاح بدء التفاوض على الرئاسة بتفاهم غير مباشر بين الأميركيين والحزب.

3- الكلام الإيراني الواضح الذي صوّب على الدور الفرنسي بما يشير إلى نعي المبادرة الفرنسية السابقة التي عوّل عليها الثنائي لإيصال مرشّحهما.

4- الإيجابيات المشتركة في الخطابين السعودي والإيراني وإعلان عدم التدخّل في الملفّ الرئاسي اللبناني في إشارة إلى أنّه ما يزال معلّقاً بانتظار اكتمال المشهد الإقليمي .

5- تمسّك الثنائي بمرشّحه سليمان فرنجية على الرغم من كلّ الكلام عن الاستعداد للتسوية، وتمسّك المعارضة ومعها التيار الوطني الحرّ ورئيسه جبران باسيل بمرشّحها جهاد أزعور.

6- رفض المعارضة تلبية دعوة الرئيس برّي إلى الحوار بحجّة أنّها دعوة مفخّخة أتت تلبية لرغبة أميركية وخوفاً من سيف العقوبات.

7- عدم وصول الحوار بين الحزب والتيار إلى نتيجة ملموسة، ورفض الرئيس برّي إدخاله في “بازار اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة”، ولذا سارعت مصادره إلى إعلان أنّه لم يوافق على هذا البند كما نُقل عنه.

8- انقسام المرجعيات المسيحية حول حوار برّي، بين إيجابية جبران باسيل، وسلبيّة سمير جعجع وسامي الجميّل، وترحيب بكركي.

تساعد كلّ هذه المحطات في تكوين المشهد السياسي الراهن المفتوح على احتمال جدّي لحصول تقاطع إقليمي دولي داخلي حول الرئاسة سيظهر في دور قطري سينتج عن تقاطع أميركي سعودي أوّلاً وينطلق من حسن التفاوض القطري مع إيران.

موفد قطريّ في بيروت
عيّنت قطر سفيرها الجديد في لبنان من آل ثاني العائلة الحاكمة. وهو سفير فوق العادة يصل على الرغم من شغور موقع رئاسة الجمهورية. يعوّل كثيرون على هذا الدور المقبل لموفد قطري يصل إلى بيروت في أيلول على أنقاض الدور الفرنسي. ترافق هذه المهمّة الرئاسية لائحة رئاسية لا اسم واحد. فبعد الكلام في الأشهر الماضية عن مبادرة قطرية بعنوان قائد الجيش جوزف عون، خلصت نقاشات اللجنة الخماسية إلى إحجام كلّ من فرنسا وقطر عن التفرّد باسمٍ للرئاسة، وبات النقاش في لائحة تضمّ، بالإضافة إلى المرشّحين الحاليَّين سليمان فرنجية وجهاد أزعور، ثلاثة مرشّحين هم قائد الجيش جوزف عون، النائب نعمت إفرام، والوزير السابق زياد بارود. وبناء على هذه الأسماء سيدور النقاش في بيروت في إمكانية التقاطع على أيّ منها.

هل تقود هذه المبادرة إلى الاتفاق على رئيس؟ لا شيء مضمون، لكنّ الأكيد بحسب المعلومات أنّ الجميع يتهيّب المرحلة المقبلة على انهيار كبير مرتبط بالوضع النقدي للبلد.

طوق ماليّ خانق
بات يحكم المشهد السياسي اللبناني الخوف من العقوبات التي تلوّح بها الولايات المتحدة الأميركية. لم تكن زيارة هوكستين واعدة جدّاً في ملفّ الترسيم البرّي لأنّ الملفّ لا يمكن أن يكتمل في الأساس بغياب رئيس الجمهورية، بل جاءت رسالة أميركية مباشرة للدلالة على حجم الحضور الأميركي في لبنان وتأثيره في المشهد العامّ. إلى جانب الرسائل الأميركية التي رافقت هذه الجولة، لا بدّ من قراءة قرارات حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري جيّداً. فقد كرّر منصوري على مسمع الجميع أنّه لن يموّل الدولة اللبنانية من أموال المودعين، أي لن يكرّر ما قام به سلفه رياض سلامة الذي أصبح على لائحة العقوبات الأميركية، وهذه إشارة التقطها منصوري جيّداً. وهو يشارك اليوم في مؤتمر حكّام المصارف العربية في الرياض في المملكة العربية السعودية. وعند وصوله كان حريصاً على التأكيد مجدّداً عبر قناة العربية أنّه لن يموّل الدولة اللبنانية. ليس هذا القرار فرديّاً وشخصيّاً من منصوري، بل هو يدخل في سياق تنفيذ القرارات الدولية التي تحدّثت عن خطوات إصلاحية مالية. وهي في الخلاصة ليست إلّا مزيداً من الضغط على الطبقة السياسية للذهاب إلى تسوية رئاسية. فهل يكون أيلول مفتاح فرج الرئاسة اللبنانية؟

جوزفين ديب- اساس

مقالات ذات صلة