لا مجال للمكابرة أو لدفن الرؤوس في الرمال: سوريا عادت إلى لبنان!

في كانون الثاني من العام 1976، وجّه الرئيس الراحل كميل شمعون نداءً إلى المجتمع الدولي ناشده فيه رفض دخول الجيش السوري الذي بدأ يتجاوز الحدود اللبنانية من الشمال.

كان التدخّل بحجم لواء عسكري، وحصل ذلك قبل تسعة أشهر من التدخل السوري بموجب قمتي الرياض والقاهرة اللتين قررتا انشاء «قوات الردع العربية «. لم «يَجمع» العرب أكثر من ثلاثة آلاف عسكري لهذه القوات، من أصل ثلاثين ألف عسكري، قررتها القمة، فأعلن الرئيس السوري حافظ الأسد أنّ سوريا تتكفّل بالعدد الباقي أي بسبعة وعشرين الف عسكري، هكذا في تشرين الاول 1976، بدأ «العصر السوري» في لبنان.

من 27 ألف عسكري، عام 1976، إلى مليونين و270 ألف نازح سوري، عام 2023. خرج الـ27 ألف عسكري في مراحل عدة، لكنهم عادوا، خرج قسمٌ منهم، من بيروت والجبل، إثر الاجتياح الاسرائيلي عام 1982، إلى البقاع، لكنهم عادوا إلى بيروت اثر حرب حركة «أمل»– «الحزب التقدمي الاشتراكي» عام 1985، وعادوا إلى كل لبنان إثر عملية 13 تشرين 1990. خرجوا نهائياً في نيسان 2005، فكانت نهاية «العصر السوري» في لبنان والذي امتد من خريف 1976 إلى ربيع 2005. واحد وعشرون عاماً امتدت الحقبة السورية في لبنان، وبعد انسحاب 2005، وُضِعَت لوحةٌ على صخور نهر الكلب، تؤرِّخ لـ»خروج الجيش السوري من لبنان». لم يدم مفعول لوحة نهر الكلب لأكثر من ست سنوات، في العام 2011، بدأ السوريون يعودون إلى لبنان تحت مسمّى «نازحين»، كانت الوتيرة بطيئة، ثم أخذت تتصاعد مع اتخاذ الثورة السورية منحى عسكرياً.

اليوم، يشكّل «الوجود السوري في لبنان» حالةً ملتبسة بين «النزوح المدني» و»العسكرة» و «الأرهبة»، من دون أن يتمكن أحدٌ من حسم «التسمية»، أحياناً يغلب طابع «النازح المدني»، في بعض المداهمات التي حصلت لمخيمات نازحين، تمّت مصادرة أسلحة خفيفة وقنابل يدوية، في حالة المنتحِر في حي السلم في الضاحية الجنوبية، تبيَّن أنّ المنتحر ينتمي إلى تنظيم «داعش»، في هذه الحال، السوري في لبنان يمكن أن يكون نازحاً مدنياً ويمكن أن يكون مسلحاً أو إرهابياً، ولكن مَن يستطيع التمييز بين الحالات الثلاث؟ اللجوء الفلسطيني عام 1948، بدأ مدنياً ثم تعسكَر، إلى أن اصبح دولة داخل دولة. النزوح السوري بدأ مدنياً، ولا يُعرَف كيف سيكون لاحقاً، منهم مَن يعتقد بأنه سيتعسكر، ومنهم مَن يعتقد بأنه «سيتأرهب». الحذر، إلى درجة الخطر، من الوجود السوري الحالي، نابعٌ من المعطيات التالية:

أصبح النزوح السوري حالة يومية، وهو يتم من معابر غير شرعية، وطرقات يعرفها المهرِّبون من جانبي الحدود اللبنانية والسورية، فلا يمر يومٌ إلا وتنقل الأخبار أنّ عشرات لا بل مئات، دخلوا من سوريا إلى لبنان خلسة.

التغلغل السوري في المناطق اللبنانية، بات أكثر سهولة، فقد يحدد المتسلل، قبل دخوله، المنطقة التي سيتواجد فيها، وتحديداً في أي مخيم من مخيمات النزوح التي تجاوز عددها الألف مخيم، لدى أقارب له أو من قريته أو أصدقاء له. تتضاءلت قدرة السلطات اللبنانية على إحصاء الداخلين بسبب البقعة الواسعة لأماكن انتشارهم، ولغياب «الداتا» سواء المتعلقة بالداخلين بطريقة شرعية أو أولئك الذين لم تنتظم أوضاعهم بعد. تواطؤ بعض الإدارات اللبنانية الرسمية مع هذا الدخول، كما التسهيلات المعطاة لهم من بعض البلديات، طمعاً باستفادةٍ نقدية، كل هذه العوامل مجتمعة تفضي إلى الواقع التالي الذي لم يعد بالإمكان القفز فوقه:

سوريا عادت إلى لبنان، بصرف النظر عن شكل هذه العودة، فالرقم هنا ليس وجهة نظر: أكثر من مليونَين وربع مليون نازح، حتى كتابة هذه السطور. النزوح ليس موقتاً بل يُخشى أن يكون دائماً، ففي تاريخ النزوح الجماعي في العالم، لم يثبت أن النازحين عادوا من حيث أتوا، إلا حالات قليلة جداً جداً، هذا ينطبق في لبنان على الفلسطينيين منذ خمسة وسبعين عاماً، كما يخشى أن ينطبق على النازحين السوريين الذين بدأ نزوحهم منذ اثني عشر عاماً.

لا مجال للمكابرة، أو لدفن الرؤوس في الرمال. سوريا عادت إلى لبنان.

جان الفغالي- نداء الوطن

مقالات ذات صلة