نجلاء فتحي نجمة السبعينيات التي ظلمت نفسها !
نجلاء فتحي، اسم تردد كثيراً في فترة السبعينيات والثمانينيات، حيث ارتبطت صاحبته الفنانة والنجمة المصرية الشهيرة بنمط خاص من الأدوار الرومانسية والعاطفية، لأسباب ترتبط بشكلها الجميل وتكوينها الأنثوي الرقيق ونشأتها في حي مصر الجديدة الراقي بالقاهرة. غير أن اكتشافها ذاته كممثلة جاء على يد المطرب الأشهر عبد الحليم حافظ فعمق الشعور العام لدى الجمهور بأن الموهبة الجديدة فاطمة الزهراء حسب اسمها الرسمي لا تصلح إلا للأدوار الرومانسية الناعمة.
وبعد مرور وقت قصير من اكتشافها الفني وقيام عبد الحليم بتغيير اسمها من فاطمة الزهراء إلى نجلاء فتحي بدأت مسيرتها الفنية تتطور تطوراً حثيثاً داخل إطار معين وهو الفتاة الجميلة التي يتهافت عليها الشباب ويظفر بها البطل في نهاية الأحداث، وهو توظيف تقليدي لسينما كانت لا تزال تعاني من نقص ما في هذه النوعية من الأدوار بعد انقضاء الفترة الرومانسية لفاتن حمامة وماجدة الصباحي ولبنى عبد العزيز وزبيدة ثروت ومريم فخر الدين.
في الفترة التي خلت فيها السينما المصرية من أدوار الحُب والغرام ظهرت نجلاء لتملأ الفراغ وتُشبع الظمأ الوجداني للجمهور المصري والعربي الذي يهوى النوعيات الرومانسية من الأفلام ويعايش أحداثها بكل شغف واهتمام فكان أول أفلامها الأصدقاء الثلاثة عام 1966 مجرد بداية لاختبار قُدراتها الفنية وقياس درجة تأثيرها على الجمهور، فضلاً عن كونه محاولة للتدريب للوقوف أمام الكاميرا واكتساب الثقة كمقوم أساسي من مقومات النجومية.
بعدها أسند إليها المنتج الشهير رمسيس نجيب البطولة المُطلقة في فيلم «أفراح» للمخرج أحمد بدرخان في عام 1968 لتبدأ مسيرتها الحقيقية كنجمة جديدة لديها القُدرة على المنافسة والإقناع وتوالت أفلامها واحداً تلو الآخر، وحالفها الحظ لفترة طويلة في نجاح مُعظم أفلامها الرومانسية التي لم تخل عناوينها من الإلماح إلى العواطف الجياشة كإشارة مقصودة لقيام البطلة بدور رومانسي مؤثر من باب الدعاية ودغدغة مشاعر الشباب والمراهقين. فمن أهم الأفلام التي كرست هذا المفهوم فيلم «سنة أولى حُب» وفيلم «حُب لا يرى الشمس» و«حُب فوق البركان» و«حُب وكبرياء» و«روعة الحُب» و«جنون الحُب» و«أوهام الحُب» إلى آخر السلسلة الرومانسية الشهيرة التي بُنيت عليها أمجاد نجلاء فتحي قبل أن تتحول إلى مُمثلة مُحترفة لديها القُدرة الحقيقية على القيام بأدوار مُختلفة خارج الإطار التقليدي الذي سجنها المخرجون داخله لأكثر من ربع قرن.
وقد أسفر تحول النجمة الكبيرة عن الأدوار العاطفية عن اكتشاف قُدراتها الكامنة في سياقات مُغايرة بدت فيها أكثر وهجاً وصدقاً وتمكناً، فمن بين ما قدمته وتألقت فيه فيلم «أقوى من الأيام» وفيلم «امرأة مُطلقة» وفيلم «اشتباه» و«الجراج» و«أحلام هند وكاميليا» و«لعدم كفاية الأدلة» و«تحت الصفر» و«ديسكو ديسكو» و«لا وقت للدموع» و«القاضي والجلاد» و«مدافن مفروشة للإيجار» و«غداً سأنتقم» وكلها أفلام نوعية تختلف شكلاً وموضوعاً عن أفلامها الأولى التي كررت فيها أنماطاً ونماذج لشكل العلاقات الرومانسية بأساليب محفوظة لم تُضف شيئاً يُذكر لرصيد نجلاء فتحي الممثلة، اللهم غير زيادة في العدد الكمي فقط لا غير.
أما ما يُمكن الاعتراف به كفن وأداء وإحساس تمثيلي فائق الدقة والتأثير فهو كائن في ما سبق حصره من عناوين الأفلام التي قامت نجلاء ببطولتها في مراحل نضوجها الكامل ووصولها إلى أقصى درجات الإتقان والانصهار في التفاصيل الإنسانية للشخصيات الحية، لاسيما الشخصيات المهمشة كدورها في فيلم «لعدم كفاية الأدلة» للمخرج أشرف فهمي والذي لعب على أوتار الحزن والشجن عند البطلة واستفاد كثيراً من رهافة إحساسها الذي كان يتبدد قبل ذلك في مشاهد عاطفية سطحية للغاية.
كذلك نجح المخرج الراحل محمد خان في استنفار قُدرات نجلاء فتحي وطاقتها في فيلم «أحلام هند وكاميليا» مع أحمد زكي وعايدة رياض كثلاثي يُعاني من الفقر والاحتياج والعوز ويحتمي كل منهم في طبيعته الخشنة لاتقاء شر الواقع القاسي الذي لا يرحم الضعفاء والبؤساء والمحتاجين وهو مُجمل ومضمون الفكرة التي قامت عليها فلسفة خان في مناقشة الأحداث ومناقشة آلام وأوجاع البسطاء.
هناك أيضاً فيلمان مهمان للفنانة الكبيرة مع المخرج الراحل علاء كريم هما «اشتباه» و«الجراج» وهما اللذان غيرا جلد البطلة الجميلة الرقيقة وجعلا منها مُمثلة تراجيدية من العيار الثقيل. ففي فيلم «الجراج» أثيرت قضية الفقر المُدقع والإهمال المُجتمعي الذي يدفع أم لبيع أبنائها لبعض الأثرياء خوفاً عليهم من التشرد والضياع بعد وفاتها، إذ كانت تُعاني من مرض خبيث يُهدد حياتها، وهذا الدور على وجه التحديد أثار ضجة واسعة إبان عرضه الأول في 11 كانون الأول/ديسمبر عام 1995 وبموجبه حصلت نجلاء فتحي على عدة جوائز كأحسن مُمثلة من مهرجانات عربية ودولية وحصل الفيلم إجمالاً على أكثر من خمس عشرة جائزة في مُختلف التخصصات والجوانب الفنية كالإضاءة والديكور والتصوير والموسيقى وغيرها.
ويمُكن قياس نجومية نجلاء فتحي كفنانة وفقاً لشروط ومعايير نجاحها وتميزها في الأفلام التي ابتعدت فيها عن عنصر الجمال وركزت فيها فقط على موهبتها الأصلية كمُمثلة ونسيت أنها المرأة الجذابة ملكة جمال الشاشة العربية.
كمال القاضي- القدس العربي