«عشاء عمل مثمر» مع القائد… هل يثمر رئيساً؟

اتجهت الأنظار في الأيام القليلة الماضية إلى مقر قيادة الجيش في اليرزة بعدما أعلن قائد الجيش العماد جوزف عون أنه يقبل التحدي في موضوع رئاسة الجمهورية إذا استدعت المرحلة على الرغم من أنه لا يعيش هذا الهاجس ولا يطمح إلى الرئاسة. في خلال لقائه نادي الصحافة بمشاركة «القدس العربي» قال عون «لا أخفي أنني كنت أطمح إلى أن أصبح قائداً للجيش لأنني تدرّجت في المؤسسة العسكرية وهذا طموح مشروع، أما رئاسة الجمهورية فأمر آخر». هذا الموقف يعبّر تماماً عن تركيز العماد عون على المؤسسة العسكرية أكثر من تركيزه كبعض أسلافه على كيفية استخدام المؤسسة كمعبر للانتقال من اليرزة إلى بعبدا ولو تطلّب الأمر عقد تفاهمات أو التخلّي عن قناعات من أجل بلوغ الهدف الرئاسي.

ومَن يتعرّف على قائد الجيش عن قرب يدرك أنه ليس من طينة الرجال الذين يساومون على المبادئ مهما كانت التنازلات، ولو كان كذلك لما كانت تلك المسافة بينه وبين الكثير من السياسيين والأحزاب الذين يقول بعضهم «كيف ننتخبه ولا نعرف مواقفه السياسية» أو يطرحون أسئلة عن برنامجه السياسي في حال ترشحه إلى الرئاسة.

ومن المعروف أن اسم قائد الجيش متداول منذ فترة غير قصيرة إلى جانب أسماء وازنة كرئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية ومدير دائرة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي الوزير السابق جهاد أزعور إضافة إلى الوزير السابق زياد بارود والنائب نعمت افرام وغيرها من الأسماء التي تبرز ثم تتراجع كرئيس «حركة الاستقلال» النائب ميشال معوض. وما يميّز قائد الجيش عن سواه أنه لا يأتي من الطبقة السياسية وخصوصاً لا يأتي من المنظومة التي يتهمها كثيرون بالفساد وهدر المال العام وصرف النفوذ، لا بل فإن الكثير من المواصفات التي حددتها اللجنة الخماسية في اجتماعها الأخير في قطر تنطبق على شخص العماد جوزف عون خصوصاً لجهة دعوة هذه اللجنة إلى رئيس للبلاد يجسد النزاهة ويوحّد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الأول ويعطي الأولوية لرفاهية مواطنيه ويلتزم بسيادة لبنان واستقلاله.

أما الإعلان غير المسبوق من قائد الجيش عن قبول التحدي في حال عُرضت عليه رئاسة الجمهورية فينطلق من صدقيته وعدم مواربته وإدعاء طوباوية زائفة ولاسيما أنه يحظى بدعم داخلي وخارجي قلّما يتوافر لسواه نظراً لأدائه طوال ولايته على رأس المؤسسة العسكرية ولعدم انصياعه لتعليمات البعض بقمع ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر على الرغم من بعض التحفظات التي كانت تُسجّل أحياناً وما تزال على اعتماد منطق فرض الأمن وبسط السلطة في مناطق واعتماد منطق الأمن بالتراضي في مناطق أخرى خاضعة لقوى الأمر الواقع التي ترفع معادلة «جيش وشعب ومقاومة» والتي حملت أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للاشارة إليها في تقريره الذي رفعه إلى مجلس الأمن الدولي قبل التمديد لقوات «اليونفيل» في جنوب لبنان.

ولا يخفى على أحد أن الدويلة لا تريد رئيساً قادراً على فرض سلطة الدولة على كل أراضيها وافقادها المكاسب الأمنية والامتيازات بالتهريب عبر المرافئ والمعابر تحت عنوان «المقاومة» أو التستر بالبيانات الوزارية الانشائية عن المعادلة الثلاثية، في وقت فقد السلاح وظيفته بعد ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. أما موضوع مزارع شبعا المتنازع عليها فيكفي أن يرسل النظام السوري وثيقة إلى الأمم المتحدة أو إلى السلطات اللبنانية يعترف فيها أنها لبنانية كي تتم الإجراءات اللازمة والتحركات الدبلوماسية لانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي منها. ومن المعلوم أن حزب الله عندما يتحدث عن مواصفات رئيس الجمهورية وفي طليعتها أن «يحمي ظهر المقاومة» فهو يعني أن لا يقترب أحد من سلاحه رغم انتفاء الأسباب للاحتفاظ بهذا السلاح سوى للاستقواء في الداخل وتنفيذ أجندة إيرانية، وإلا فليفسّر الحزب ماذا يقصد بـ«حماية ظهر المقاومة»؟ وهل بسط سلطة الدولة على أراضيها بقواها الشرعية يكون تآمراً على المقاومة خصوصاً أن حالات الاستنفار المتبادل على الحدود الجنوبية واتخاذ عناصر الجيش مواقع قتالية أثبتت أن جنود الجيش اللبناني لا تنقصهم القوة ولا العزيمة في مواجهة القوات الإسرائيلية.

من هنا ومع تقدّم إسم قائد الجيش بالنظر إلى دعم غربي وعربي وإلى تبدّل في الموقف الفرنسي عبّر عنه الرئيس ايمانويل ماكرون بإشارته إلى الدور الإيراني في لبنان وضرورة توخي تدخله، اندفع الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر نظراً لحاجة الأول أي حزب الله لرفع حظوظ مرشحه سليمان فرنجية وتأمين غطاء مسيحي له، ونظراً لحاجة الثاني أي التيار لإبعاد كأس وصول قائد الجيش إلى الرئاسة حتى ولو تطلّب الأمر السير بفرنجية تحت عنوان تحقيق مطالب أساسية كاللامركزية الإدارية والمالية والصندوق الائتماني وبناء الدولة. مع العلم أن حزب الله لا يجزم بإمكان اقرار مطالب جبران باسيل في المجلس النيابي مقابل انتخابه فرنجية لأن هناك أطرافاً سياسية أخرى يجب التشاور معها وعلماً أن مقاربة كل من الحزب والتيار للامركزية مختلفتان، فالتيار يريدها إدارية ومالية فيما الحزب الذي يقيم دويلته واقتصاده وماليته الخاصة والمستقلة يتحسّس من اللامركزية المالية التي يرفضها علناً رئيس مجلس النواب نبيه بري بحجة تداعياتها على وحدة البلد، فيما النية المضمرة هي استمرار الحصول على موارد الدولة المركزية التي تجبيها من مناطق معينة على حساب مناطق أخرى تتمنّع عن الجباية.

يبقى أن دعوة الرئيس بري إلى الحوار في المجلس النيابي لمدة محددة بسبعة أيام تليها جلسات انتخابية مفتوحة ومتتالية لم تلق ترحيب المعارضة، ما يعني احتفاظ كل طرف بأوراقه، وفي انتظار الانفراج الرئاسي ستبقى صورة العشاء التي جمعت قائد الجيش مع كبير مستشاري الخارجية الأمريكية لأمن الطاقة العالمية آموس هوكشتاين والسفيرة الأمريكية في بيروت دوروثي شيا تثير القراءات حول أبعادها وما تخللها من مداولات. واللافت هو تعليق السفارة الأمريكية على هذا العشاء الذي وصفته بأنه «عشاء عمل مثمر» فهل يثمر رئيساً؟

سعد الياس- القدس العربي

مقالات ذات صلة