مع اقتراب لبنان من ثروة الغاز.. هل ينزع هوكستين فتيل الحدود البرية بعد البحرية؟
“بعد أن تمكّنا من ترسيم الحدود البحرية، يمكننا الآن العمل على ترسيم الحدود البرية”، بهذه العبارة أجاب كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الطاقة، آموس هوكستين، على استفسار صحفي عما إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية، ستتوسط مجدداً بين لبنان وإسرائيل من أجل انهاء النزاع الحدودي البري بينهما، بعدما نجحت في الترسيم البحري قبل نحو 10 أشهر (أكتوبر 2022).
وأضاف أن الوقت قد حان لمراجعة “اتفاق الإطار” الذي وُضع للتوصّل إلى ترسيم الحدود البحرية، والبرية أيضًا.
كلام هوكستين جاء من مطار بيروت، خلال مغادرته لبنان، بعد زيارة دامت يومين (30 – 31 أغسطس)، تخللتها لقاءات عديدة مع قيادات ومسؤولين لبنانيين، وتمحورت حول أكثر من ملف، أبرزها مجريات التنقيب عن الغاز في المياه اللبنانية، والتي تنطلق مع مطلع شهر سبتمبر، بالإضافة إلى ملف الحدود البرية التي تشهد مؤخراً توترات متصاعدة بين “حزب الله” وإسرائيل.
وقال هوكستين: “بما أننا وصلنا خلال الأشهر الماضية إلى اتفاق وتم تطبيقه بشكل سلس مع تحقيق المكاسب، فمن الطبيعي الانتقال إلى الحوار حول باقي المندرجات بحسب التصور الذي وضعته الحكومة اللبنانية”.
استمع المستشار الأميركي خلال جولته إلى وجهات نظر الحكومة اللبنانية والمسؤولين الذين التقاهم، كما قام بمعاينة ميدانية للخط الأزرق في زيارة له إلى جنوب لبنان، كان هدفها وفق ما أعلن “التعلم أكثر وفهم ما هو المطلوب للوصول إلى نتيجة”.
وشدد هوكستين في تصريحاته على أنه لم يحمل معه إلى لبنان أي مقترح للبحث فيه، وإنما جاء مستمعاً فقط، لتقييم إمكانية البحث في ملف الحدود البرية، مؤكداً أن الوقت قد حان للاستماع إلى وجهة النظر الإسرائيلية في هذا الشأن، وذلك في إطار دعم الولايات المتحدة للاستقرار والأمن وبحثها عن إمكانية حلّ النزاع الحدودي الطويل الأمد بين لبنان وإسرائيل ما يعود بالفائدة على الطرفين.
من جانبه قال وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، إن هوكستين أوضح أنه سيتحدث مع إسرائيل، وإذا وافق الطرفان فإن واشنطن ستكون “مستعدة للعمل”، موضحاً أن حسم النزاع الحدودي بين الطرفين يمكن أن “يضع حداً للتوتر”.
كما أكد بوحبيب على “جهوزية لبنان” لإطلاق مسار حل النزاع الحدودي، “بما يتناسب مع حفظ الحقوق اللبنانية”.
نحو هدوء “طويل الأمد”
زيارة هوكستين جاءت بعد نحو أسبوعين على وصول منصة التنقيب عن الغاز إلى مكان الحفر في المياه الإقليمية اللبنانية، وقبل أيام معدودة على بدء عملية التنقيب، الأمر الذي دفع إلى ربط طرح موضوع الحدود البرية، برغبة دولية لتثبيت استقرار معين في المنطقة، يتيح لعملية التنقيب واستخراج الغاز أن تتم “بسلاسة” ودون أي تهديد.
في وقت شكلت المناوشات الحدودية على طول “الخط الأزرق” ما بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” طيلة العام الماضي، تهديداً كبيراً لحالة الاستقرار القائمة بفعل “القرار 1701” الصادر عن مجلس الأمن.
حيث جرى تسجيل توترات بارزة، لم تصل إلى حد اشتباك مباشر، إثر توغلات متبادلة بين الطرفين في مناطق حدودية متنازع عليها، وتصعيد كلامي في الخطاب مع تهديدات متبادلة جعلت الطرفين في أقرب مرحلة إلى الاشتباك أو الحرب منذ عام 2006.
هوكستين من ناحيته عبر في تصريحاته عن “تواجد اهتمام عالمي بالتنقيب الجاري عن الغاز”، معتبراً أن “ميزة ترسيم الحدود الدائمة هي أنه من الآن فصاعداً حتى المستقبل، ستتم تسوية كل شيء ويمكن أن تتحرك الأمور بسلاسة”.
وشدد المبعوث الأميركي على أنه “ما من سبب يمنع لبنان من بناء اقتصاد جديد، وللقيام بذلك يحتاج لحكم جيد وحكومة فعلية وشفافية وضوابط أفضل على الاقتصاد ولا بد من استئصال الفساد”.
لافتاً إلى إمكانية جلب المزيد من الاستثمارات الى لبنان، “لكننا بحاجة إلى الاستقرار”، وأضاف أن “الحدود تعطي شعورًا بالاستقرار بالتأكيد”.
وكان كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الطاقة قد التقى خلال جولته، رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، حيث خرج من اللقاء واصفاً إياه بـ “البنّاء”.
في هذا الإطار، يرى المستشار السياسي لبري، علي حمدان، أن هوكستين في زيارته عكس رغبة لدى الولايات المتحدة الأميركية باستكمال “الإنجاز الذي تحقق في ملف الحدود البحرية”، وكانت نتيجته انطلاق عملية التنقيب عن الغاز، وبذل أي جهد ممكن من أجل تحقيق “استقرار وهدوء طويل الأجل”.
وفي هذا السياق جاء طرح ملف الحدود البرية، بحسب حمدان، الذي يذكر في حديثه لموقع “الحرة” بأن اتفاق الإطار الذي أعلنه رئيس مجلس النواب اللبناني، عام 2020، كان يتضمن مسار التفاوض في البحر والبر أيضاً.
ويضيف أنه وبينما كان تركيز الولايات المتحدة في تلك الفترة على الحدود البحرية، “تبدي اليوم الرغبة والاستعداد لبذل الجهود في ملف الحدود البرية، من أجل تثبيت وتكريس الهدوء على الحدود البرية كما حصل في البحر”.
مطلب لبنان في هذا السياق واضح، بحسب حمدان، وهو “السيادة على كامل التراب اللبناني”، وقد عكس رئيس مجلس النواب اللبناني هذا الموقف لهوكستين.
“لا ترسيم.. بل تثبيت”
يرفض الجانب اللبناني وصف العملية بـ “ترسيم الحدود البرية”، بل يعتبره مسعى لـ “تثبيت النقاط” الحدودية المتنازع عليها، وذلك لاعتباره أن الحدود البرية محددة باتفاقيات دولية وخرائط مثبتة لدى الأمم المتحدة.
وكان أبرز تجل لهذا الموقف في بيان صادر عن بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة، في يوليو الماضي، صحح عبارة وردت في تلاوة لها خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، قالت فيها: “استكمال ترسيم الحدود الجنوبية البرية”، ووصف البيان ذلك بأنه كان “سوء تعبير غير مقصود”.
وشدد بيان الخارجية اللبنانية أن حدود لبنان مرسمة ومعترف بها دوليا على قاعدة اتفاقية “بوليه-نيوكومب” لعام 1923، (اتفاق ترسيم الحدود النهائي بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني)، وأن الخرائط الرسمية العائدة لها مودعة لدى الأمم المتحدة.
وفي هذا السياق يشرح العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، بسام ياسين، الذي سبق أن ترأس الوفد التقني العسكري اللبناني خلال المفاوضات حول الحدود البحرية، أنه وبالإضافة إلى اتفاقية عام 1923، هناك اتفاقية هدنة لبنانية – إسرائيلية صادقت عليها الأمم المتحدة، عام 1949، “الإحداثيات في هذه الاتفاقيات موجودة وُموقَّع عليها من قبل الطرفين، ويكفي أن يتم تثبيت هذه النقاط وفق ما هي على الخريطة”.
ويشرح ياسين في حديثه لموقع “الحرة” أن ما جرى بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 وبعد حرب عام 2006، هناك نقاط تقدمت فيها إسرائيل إلى الجانب اللبناني من الحدود ومكثت فيها، كذلك الأمر تقدم لبنان في نقاط حدودية معينة ولا يزال، “وبالنتيجة تم إنشاء ‘الخط الأزرق’ الذي يمثل خط انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، وتعلقت هذه النقاط نتيجة الاستعجال لإعلان الانسحاب الإسرائيلي، عام 2000، ووقف إطلاق النار عام 2006، وهذه النقاط هي مصدر الخلاف اليوم”.
يذكر أن “الخط الأزرق”، أو خط الانسحاب، هو خط يبلغ طوله 120 كلم، وضعته الأمم المتحدة لتأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية، وبحسب الأمم المتحدة لا يعتبر هذا الخط حدوداً دولية برية بين الجانبين.
نقاط الخلاف الجغرافي
ووفقاً لوزير الخارجية اللبناني هناك 13 نقطة خلافية على الحدود البرية مع إسرائيل، “7 منها هناك متفق عليها و6 تشكّل مادة خلاف”، على حد تعبيره.
تمتد هذه النقاط التي هي عبارة عن بقع جغرافية على كامل الحدود اللبنانية الإسرائيلية من البحر وصولاً إلى بلدة الغجر شرقاً حتى الحدود مع سوريا، بحسب ياسين.
وتتوزع النقاط الـ 13 على طول الحدود كالتالي: الأولى في رأس الناقورة، والمعروفة بالنقطة “B1″، ثلاث نقاط في بلدة علما الشعب، نقطة في كل من البلدات الحدودية التالية “البستان، مروحين، رميش، مارون الراس، بليدا، ميس الجبل، العديسة، كفركلا وصولاً إلى الوزاني”.
تتفاوت مساحة هذه النقاط وأكبرها في بلدات رميش والعديسة والوزاني، فيما يعتبر لبنان أن لديه بالإجمال مساحة 485039 متر مربع، مقتطعة من أراضيه.
يشدد ياسين على أن النقطة الأهم بالنسبة إلى لبنان هي الـ “B1” الساحلية في منطقة رأس الناقورة، والتي سبق لها أن سببت الخلاف الرئيسي ما بين لبنان وإسرائيل خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، حيث يعتبرها لبنان منطلقاً برياً لترسيم حدوده البحرية، وسط رفض من الجانب الإسرائيلي الذي يسيطر على تلك المنطقة الحدودية ويعتبرها جزءا من أراضيه.
ولهذه النقطة أهمية جغرافية وعسكرية بالنسبة للطرفين حيث تمثل مرتفعاً أرضياً يشرف على مساحات واسعة من الجانبين، لا سيما من الجانب الإسرائيلي حيث تؤمّن إشرافا نظريا واسعا يصل إلى مدينة حيفا، وهو ما يجعل إسرائيل تتمسك بها، فيما يطالب لبنان بالسيادة عليها كجزء من أراضيه.
ووفق العميد السابق، فإن الاتفاق الذي حصل على ترسيم الحدود البحرية، أبقى نقطة “B1” قضية معلقة لحين الاتفاق عليها، فيما بقية النقاط الـ 12 تمتد على كامل الشريط الحدودي، بعضها بقع صغيرة والخلاف عليها لا يتعدى الأمتار المعدودة، وبقع أخرى تصل إلى 2000 و3000 متر مربع وهناك بقعة تصل مساحتها إلى 18 ألف متر مربع، وهذه النقاط لا تشمل قرية الغجر ومزارع شبعا.
نقاط الخلاف هذه كانت من بين الأسئلة التي طرحت على هوكستين في مقابلة إعلامية له، حيث اعتبر في معرض إجابته أن “الموضوع ليس في عدد النقاط المتنازَع عليها، خاصة وأنها موجودة منذ زمن، ولكن السؤال هو: هل تستطيع الأطراف اليوم أن تجلس على طاولة المفاوضات بطريقة جدية وذات مغزى؟” .
الحرة