مطلوب من المسيحيين: الرضوخ والاعتراف بتمنين الحزب بوصفه حامي الحمى!
دفاعاً عن المسيحيّين.. خيارٌ من اثنين
بعد “موقعة” شاحنة سلاح الحزب في الكحّالة، لم يبقَ واحد من مفوّهي “قوى الممانعة” لم ينفخ صدره ويصف المسيحيين بأنّهم “وكلاء المشروع الإسرائيلي”، فضلاً عن غرام عميق عند هؤلاء بوصف كلّ من طالب بالدولة بديلاً عن دويلة “وليّ الفقيه” بأبشع النعوت والازدراء. الشتم لم يقتصر على كتلة أهليّة بل طال إعلاماً لبنانياً وُصف بأنّه أهليّ ومذهبي. لم يُقصّر هذا الأخير في الغباء السياسي فلاقى “مفوّهي” الممانعة بسردية أهليّة عن “مآثر كوع الكحّالة” التي لا تفعل غير نكء جراح الحروب الملبننة، وتهدّد السلم الأهلي البارد.
السيّئ والأسوأ
الأسوأ من “مفوّهي الممانعة” كان السقوط المتسرّع على شيء من الغباء لمن طالب بالدولة منقذاً وحيداً للبلد وأهله جميعاً. لقد ذهب هؤلاء مذهب خصومهم في سجال ليس فيه من السياسة شيء. أمعنوا في استخدام النعوت نفسها في وصف خصومهم.
في السياسة كلّ تنازل مقبول وضروريّ إلّا التنازل عن العقل. هكذا صاروا سيّئاً وأسوأ.
يُثبت بعض التفكّر الدقيق أنّ “أهل الدولة” هم الطرف الوحيد الذي دفع أثمان الحرب وما يتوجّب عليهم أداؤه جرّاء مساهمتهم في تدمير البلد، واشتقاق انقساماته عبر الانخراط في الحرب.
وهم على عكس كلّ أمراء الحرب الذين جرى تكريمهم بتسليمهم نظاماً جمهورياً برلمانياً. لكنّهم على الرغم ممّا دفعوه صار مطلوباً منهم الاستحصال على براءات ذمّة ممّن جعلوا من أنفسهم خصوماً. وبراءات الذمّة تتطلّب قبضات مرفوعة وحناجر تصدح بحروب أهلية. ومقرّ منحها في حارة حريك أو بئر العبد في الضاحية الجنوبية لبيروت.
حظر الندّيّة
مطلوب من المسيحيين كما كان مطلوباً من السُّنّة: الرضوخ والاعتراف بتمنين الحزب بوصفه حامي الحمى، ووحده من ذاد عن لبنان. ليس مطلوباً من هؤلاء الاعتذار عمّا سبق من صراع مع محور الممانعة. المطلوب، كما تقول مرتا، واحد: لا ندّيّة معكم. أنتم الأعلون. يكفي أن يتلوّنوا. بعض “المعارضة” جاهز. لذلك طالما استُبعدت “العروبة” التي نصّ عليها اتفاق الطائف كنهائيّة من نهائيات الكيان. ومتى حصل ذلك فللمتغيّرين والمتحوّلين “في جنسهم السياسي واللبناني” أن يصيروا قادةً ويدخلوا في “متن السياسة” وهرائها اللبناني.
في الأحوال كلّها، لا يجدر الإيغال في تعريف ما يعرفه اللبنانيون ويرونه بأمّ العين يومياً. لكنّ ما يجدر التنبّه منه وإليه هو أنّ ما يحصل له سوابق في التواريخ الأهلية اللبنانية. فعلى مثل هذه الحملات نهض “7 أيار”. وعلى الهامش يجب التذكير لمن قال “لن ننسى” أنّ “7 أيار الدمويّ” اُرتكب “كي لا تنسوا”. وما صار واجباً سياسياً هو تجاوزه إلى “صفر خوف”. غير ذلك يعني: إمّا ما يشبه “7 أيار الدمويّ” أو الاستحصال على براءات ذمّة من الضاحية الجنوبية تغفر الأخطاء كما يتقبّلها الله من الذين آمنوا بحزبه وباليوم الآخر.
تفكُّر الحزب ورعونته
في السياسة وتقلّباتها السريعة الحاصلة بالمنطقة، فمن حُسن الفطن أن يُدقّق الحزب جيّداً بسؤال مؤجّل: ماذا لو قرّرت جمهورية الملالي على نحو مفاجئ أن تقتصد في إنفاقها العسكري؟ حينها ما الذي قد يبقى من سلاح “الممانعة” بمسمّياتها المختلفة؟ ومن الذي يحمي لبنان؟
ليست الإجابة على مثل هذا التساؤل مستعصيةً على أحد.
أهل “الممانعة” أنفسهم لا ينكرون أنّهم في تبعيّة مطلقة لـ”الوليّ الفقيه”. وهذا الأخير له عنوان وحيد: هو مرشد الأنظمة في لبنان وسوريا والعراق واليمن وبضعة من فلسطين.
قد تذوب “الممانعة” وسلاحها إذا ما عجزت جمهورية المرشد عن تقديم الدعم مالاً وأعتدةً. طبعاً ليس ثمّة أحد قد يقتنع في لبنان وخارجه أنّ الرئيس السوري ورئيس الوزراء العراقي كائناً من كان، أو حتى الأمين العامّ للحزب، في صدد أن يبذلوا من حرّ مالهم من أجل نصرة “الممانعة” على العرب وعلى الاقتصاد العالمي الذي راح يتشكّل على نحو مغاير لعشرات السنوات السابقة.
مثل هذا السؤال ليس مستبعداً على أيّ حال، إنّما لا يمكن القول إنّه داهم. مع ذلك يوضح التساؤل أموراً كثيرة لمن يريد أن يستوضح ويتفهّم ويتفكّر قليلاً. وهذه مهمّة الحزب و”البيئة الحاضنة” التي تصمّ الآذان ردحاً بمفردات هيوليّة.
أوّل ما يوضحه هذا السؤال وجوابه الواضح أنّ البلد الذي يهدّد إسرائيل ليس مستقلّاً في مقاومته. طبعاً نستطيع أن نفرّق العدوّ من الصديق، إنّما من قال إنّ الأصدقاء دائمون؟
ثمّ كيف نبني مناعة لبنانية لبلد برمّته على تقديمات بلد آخر له مشكلاته التي تفيض عنه. وما لا يجدر بنا أن نتخوّف منه، أن تكون مقاومة البلد هشّة إلى هذا الحدّ الذي يكفي معه أن ينقطع التمويل حتى تصبح في خبر كان.
الأغلب على ظنّ أنّ طموح الحزب إلى التحكّم بالبلد وأهله لا رادّ له. وعلينا أن نتحسّب لمثل هذا الطموح القاتل الذي جرّبته كلّ الطائفيات السياسية.
معضلة لبنان
معضلة لبنان الجدّية تكمن فعلاً في واقع أنّ هذا البلد يعيش معتمداً على صداقاته في العالم. فهو ليس بلداً منتجاً قد ترفع الاضطرابات بين روسيا وأوكرانيا أسعاره النفطية في السوق العالمي. وبالتالي لا يستطيع أن يعتمد في عيشه واقتصاده إلا على التعاون مع الأصدقاء الأقربين.
ربّما صار علينا إعادة تعريف الأصدقاء، ذلك أنّ ثمّة أصدقاء لا يصدّرون لنا غير السلاح الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع، وثمّة أصدقاء يستثمرون في كلّ شيء، وهذا ما يُعيد إلى لبنان بطاقة تعريفه في التعليم والطبابة والسياحة والخدمات والمصرف.
ايمن جزيني- اساس