التاريخ لا يقْبلُ الرشوة من أحد: ما هو ذنبي.. إذا كانوا «ما خلّوهُـمْ»؟

يأخذُ عليَّ بعضهُمْ، أنّني بما أكتبُ من مقالات، أكثـر ما أتناول التيار العوني: حكماً ونهجاً وممارسة، وكأنَّ لا أخبار إلاّ عن التيار…

وغابَ عن بـال هؤلاء ، أنَّ مهمّـة المعلّق السياسي والكاتب الصحافي أنْ يلاحق مصدر الحدث، وأنْ يطارد ارتكابات أهـل الحكم، حتى لُقِّـب الصحافي بتاجر الفضائح.

وحين نترك لمحكمة التاريخ أنْ تحكم على مَـنْ يتولّون الأحكام، فهذا لا يُعفينا من الشهادة، ولا يعني أنّ التيار العوني لا يتوجّب عليه إجـراء جردة حسابية تُلقي الضوء على الإنجازات والإخفاقات مستنيراً بشمعة مار مخايل عند انطفاء التيار الكهربائي.

ما هو ذنبي، إذا كان لبنان قـدْ تدمّـر وتحطّم وتكسَّر وتقهقر، وأصبح هيكلاً للمآتم والمآثـم، وقد استفحلت الأخطاء والخطايا، من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين …؟

ما هو ذنبي، في إفلاس الدولة، وانهيار المؤسسات وشلل القطاعات، وإفقار المواطنين، وتهجير النابغين، وتفجير المرفأ، وسلب مـدّخرات المودعين، والنزوح السوري بالملايين، وجعل الجمهورية بلا رأس، وبما ورد في التقرير الجنائي، بأنّ 47 مليار دولار أُنفقتْ على الكهرباء ولا نزال بلا ضوء.

ما هو ذنبي، والحكم العوني كان مالكاً على القصر سعيداً مع أكبر كتلة برلمانية وأكبر كتلة وزارية، وأكبر حـزب حليف، وكان هناك أشباحٌ إسمهُـمْ «ما خلّونا» …؟

وما هو ذنبي، إذا كانوا «ما خلّوهُـمْ»، فإذا الإصلاح والتغيير، يتحوّل إلى تغييـر وجـهِ لبنان الحضاري، وهويّـة لبنان التعددية، وحضور لبنان التاريخي، ومستقبل لبنان الواعد، ومصير لبنان الوجودي …؟

هل يسلّم منطق التاريخ بالإنجازات التي يردّدها أخواننا العونيّون حتى قرأت لأحدِهِـمْ قولَـهُ: «إنها إنجازات لـم يحقق أيّ رئيس مثيلاً لها…؟

أمّا هذه الإنجازات كما يعدّدها التيارون فهي أربعة :

معركة فجر الجرود، ترسيم الحدود، قانون الإنتخابات، والتحقيق الجنائي:

في معركة فجـر الجرود: مع أنـه كانت لها أبعادٌ أخرى، واعتبارتٌ إقليمية أخرى، فهل كان على الجيش اللبناني أنْ يقـف حيالها مكبّل اليدين أسيراً في الثكنات…؟

وفي ترسيم الحدود: مع أنـه كان يتخطّى طاقة الحكم ، وكان الثنائي الشيعي مرجعيّتَـهُ التفاوضية، فإنّ الحاجة الدولية إليه حتّمت الإلحاح عليه.

وقانون الإنتخابات: هو أخطر إنجاز بُلـيَ بـه لبنان، وقد دُسَّ في كل طائفة كالسمّ في العسل وكـرّس حصرّية الزعامة المذهبية، ونحن اليوم نعاني أسوأ مآسيه على الصعيد الدستوري والمذهبي.

 

وأما التحقيق الجنائي: فقد جـاء بغير ما يشتهيه التيار العوني والتيار الكهربائي معاً.

نحن، بمحبّـة ننتقد ، بهدف التصحيح لا رغبـةً في التجريح، وإنّ أبـرز ما يتحلّـى بـه القادة الوطنيون والحزبيون، هو الإقرار بالإخفاق في سبيل النهوض، أليسَ أنّ الإعتراف بالخطأ هو فضيلة سياسية ، كما هو مغفرةٌ في الإيمان المسيحي عبـرَ كرسيّ الإعتراف…؟

في القوانين الكنسية: لولا الخطيئة لما كانت الشريعة، وفي المفهوم الإسلامي يتـمّ تصحيح الخطيئة بالتوبة وطلب الغفران… «واللـه غفـورٌ رحيم».

وفي القوانين العسكرية، يقول الفيلسوف الفرنسي «فولتير»: «إذا افتخر أحـدُ القواد بأنـه لم يرتكب أيّ خطأ حربي فهذا يعني أنّـه لم يخض الحرب…».

لو أنّ إخواننا في التيار يقومون بمراجعةٍ ذاتيـة حيال ما آلـتْ إليه خريطة لبنان الجغرافية والديمغرافية والكيانية والمصيرية، لرسمِ خريطة طريق جديدة إستدراكاً لتحقيق مسيرة الإصلاح والتغيير، لكانوا أقرب إلى واقع الناس وكنّا أقرب الناس إليهمْ.

وفي انتظار تحقيق هذا الوعد سأستمرّ معذوراً في النقد.

جوزف الهاشم- الجمهورية

مقالات ذات صلة