الفرسان الثلاثة في السيرك اللبناني…وشق الطريق الى قصر بعبدا!

حسين أمير عبد اللهيان وآموس هوكشتاين وجان ـ ايف لودريان في بيروت، بأوقات متقاربة، وان لمهمات مختلفة، حتى اذا تقاطع الفرسان الثلاثة في لحظة ما، فقد نشهد تصاعد الدخان الأبيض من هنا، لا أن نبقى نتسكع سياسياً وديبلوماسياً على أبواب الآخرين…

ثلاثة مبعوثين من الدرجة الأولى. لا تستهينوا بمن هو هوكشتاين الذي بحنكته الاستثنائية، يؤثر في وزارة الخارجية وفي وزارة الطاقة، كما في وزارة الخزانة في بلاده. هكذا كانت حال دنيس روس واليوت أبرامز، اللذين كانا رجلي اللوبي اليهودي في الأمكنة التي تصاغ فيها السياسات وكذلك الاستراتيجيات.

حضرة المستشار في وزارة الطاقة، والذراع الديبلوماسي للوزيرة جنيفر غرانهولم، معني بملف الغاز عندنا، لا لأنه ضنين بجمهوريتنا التي بلغت ذلك الحد الكارثي من التحلل (أو الانحلال)، وانما لأنه معني بأمن “اسرائيل”، وبدورها في ادارة شبكة الغاز في شرق المتوسط، ما يؤدي الى ترسيخ وجودها، وهي التي تعتمد على التأثير الأخطبوطي للمؤسسة اليهودية في أصقاع الدنيا.

ألا يفترض بمن يخاف على “اسرائيل” وغاز “اسرائيل”، من الترسانة الصاروخية على الجانب الآخر من الخط الأزرق، أن يتوجس من أي فوضى أمنية على الأرض اللبنانية، كنتيجة جدلية للفراغ (وحتى للتشتت) السياسي والدستوري، بتداعياته التي تضرب كل مفاصل ومرافق الدولة. استطراداً، انتخاب رئيس الجمهورية، في ظل التصدعات السياسية والطائفية، وحتى السوسيولوجية، التي تزداد حدة يوماً بعد يوم، يمكن أن يشكل الخطوة الأساسية في استعادة الانتظام الدستوري.

وكنا قد لاحظنا المواقف المتلاحقة حول تغيير الصيغة بالتحول نحو الفديرالية، أو الكونفديرالية. بكل نياتنا السيئة ومع تأييدنا للامركزية، نرى أن هناك من يخطط لتأخذ اللامركزية الادارية والمالية شكل الفديرالية المقنّعة، كما لو كانت لا تكفينا النصوص الدستورية الملتبسة، والتركيبة الطائفية الملتبسة للسلطة والقوانين الملتبسة، منذ وثيقة الطائف وحتى الساعة…

شئنا أم أبينا، نحن ترعرعنا على الثقافة الفرنسية، وحتى على التاريخ الفرنسي. فرنسا شارل ديغول، لا فرنسا غي موليه، أو فرنسا مارين لوبن، أو فرنسا اريك زمور. فرنسا ميشال فوكو وجان جينيه وألبير كامو وأندريه مالرو، لا فرنسا برنار ـ هنري ليفي وألان فينكيلكروت، ناهيك بفرنسا كظل باهت لأميركا…

لا ندري كيف يمكن لفرنسا أن تكون تابعة لادارة جو بايدن، التي كانت وراء الغاء صفقة الغواصات النووية، وهي صفقة القرن، الى اوستراليا. الادارة اياها التي تتعقب الوجود الفرنسي في أفريقيا لاجتثاث فرنسا من “الجنة”، وحيث المناجم الكبرى والأسواق الكبرى.

فرنسا الحائرة، وربما الخائرة القوى، مما ينتظرها، ترى في لبنان بوابتها الى الشرق الأوسط. هي معنية كثيراً بالاستقرار فيه، لعلمها أن الوضع في سوريا بات في دائرة “الأزمات الصعبة”، بل و”الأزمات الخطيرة”، لعلمها بالنماذج التوراتية التي تحكم “اسرائيل”، دون أي تفاعل مع المنطق الدولي أو مع القانون الدولي.

خوفها على لبنان حقيقي وضروري. تعلم أن من يتولون ادارة السيرك اللبناني بعيدون جداً عن أن يتفاهموا على أي شيء. حقاً كيف لهذه المساحة الضيقة ـ لكأنها مساحة مدينة ـ أن تتسع لذلك العدد الهائل من القناصل؟

قد يكون الفارس الرئيسي بين الفرسان الثلاثة وزير خارجية ايران التي، كما فرنسا، تدرك حساسية الوضع في سوريا، وتعلم من يحرك بعض الرؤوس في السويداء ولأي غرض. لذلك هي تعيد النظر في موقفها من رئاسة الجمهورية (البعض يتهمها باستخدام هذه المسألة كورقة تكتيكية في التجاذب بينها وبين أميركا) .

ما تسرب من معلومات حول الزيارة أن طهران باتت تعطي الأولوية للتفاهم ـ التفاهم الحقيقي- بين الأطراف اللبنانية، بعدما لاحظت أن الكل في ضياع، وأن لجوء البعض الى التأجيج الطائفي، وهو ما يراهن عليه “الاسرائيليون”، هو لملء الوقت الضائع.

في نظرنا وفي معلوماتنا، أن زيارة عبد اللهيان هي الأهم في سلسلة زياراته لبنان. الرجل على بيّنة مما يريده هوكشتاين، وما يريده لودريان. ماذا يريد هو؟ لننتظر، دون أن نجازف بالتفاؤل، لعل مهمته الآن شق الطريق الى قصر بعبدا…

نبيه البرجي- الديار

مقالات ذات صلة