آن الأوان للإفراج عن الرئاسة «الرهينة»!
يُحكى عن زحمة من الموفدين الأجانب الذين سوف يزورون لبنان في شهر أيلول في محاولة لإثارة الملف الرئاسي المعلّق منذ تشرين الأول الماضي عقب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون من دون انتخاب خلف له في المواعيد المحدّدة دستورياً.
المشكلة الرئيسيّة أنّ الامتناع عن انتخاب الرئيس المنتظر هو عمل إراديّ سياسي لبناني بفعل ممارسات قوى سياسيّة تتجاوز الدستور وتبتدع أعرافاً جديدة. صحيحٌ أنّ عمليّة انتخاب الرئيس اللبناني لم تكن يوماً مجرّد عمليّة اقتراع تقليدي في قاعة الهيئة العامة للمجلس النيابي بقدر ما كانت انعكاساً لتسويات خارجيّة؛ ولكنّ الصحيح أيضاً أن تعمّد بعض الأطراف اللبنانيّة تضييع الفرصة السانحة لـ»لبننة» الاستحقاق، ولو جزئياً، هو أيضاً مسألة غير مقبولة.
لا مفرّ من التقدّم في التفاهم المحلّي بشكل أو بآخر لإخراج البلاد من عنق الزجاجة ولوضعها على سكّة الإنقاذ، وهو المسار غير المستحيل في حال توفّر الإرادة السياسيّة والوطنيّة لذلك. إذا كان هذا الأمر يتطلّب انعقاد جلسات للحوار فليكن.
من حق المواطن اللبناني أن يحلم بقيام دولة القانون والمؤسّسات التي تُحترم فيها المواعيد الدستوريّة ولا تسلك بعض الأطراف فيها سلوك التعطيل المؤسّساتي لما لذلك من ضرب للمفاهيم الديمقراطيّة الأساسيّة وابتعاد عن تطبيق القانون الأسمى في الجمهوريّة، أي الدستور.
ومن حق المواطن اللبناني أن يرى أنّ نظامه الديمقراطي، على هشاشته وضعفه، قد تمّ تثبيت ركائزه من خلال الابتعاد عن المساعي المستمرّة، ولو المتفرّقة، لكمّ الأفواه وتقييد الحريات العامة، وأيضاً من خلال الذهاب نحو خطوات تدريجيّة لتحريره من قيود الطائفية والمذهبية التي هي المحرّك الأساسي لكل المشاكل والعثرات التي تعترض التقدّم المنشود في المسيرة الوطنيّة.
إنّ التمييز بين المواطنين وفق انتماءاتهم الطائفيّة والمذهبيّة صار يُشكّل عقبة كبيرة أمام أي حلول سياسيّة في لبنان. وما الرجم المتواصل لاتفاق الطائف قبل استكمال تطبيق جميع بنوده إلا شكل من أشكال الهروب إلى الأمام تماماً كالطروحات التقسيميّة والفيدراليّة المطروحة وبعضها يشوبه التوتّر لأنه ينطلق من الاعتبارات المذهبيّة والطائفيّة ويريد فرز المناطق المختلطة برمّتها وفق الحسابات الطائفيّة الضيّقة التي سوف تقضي على لبنان كما نعرفه.
المهم أنّ المطلوب الآن عدم تغذية الانقسام الطائفي والذهاب نحو التطبيق الكامل لاتّفاق الطائف خصوصاً لناحية اللامركزية الإدارية الموسّعة التي نصّ عليها والإنماء المتوازن وإنشاء مجلس الشيوخ للحفاظ على التمثيل الطوائفي. المطلوب أن تخرج البلاد من هذه الدوّامة من التعطيل والشلل من خلال تفعيل المؤسّسات الدستوريّة والإفراج عن الرئاسة المشلولة.
ثمة شخصيات كثيرة في لبنان تتمتّع بالكفاءة المطلوبة لقيادة البلاد نحو التعافي ولاستعادة موقع لبنان في الخريطة العربية والعالمية وقد تراجع كثيراً إلى الخلف في السنوات المنصرمة نتيجة السياسات الرعناء لبعض القوى والجهات السياسيّة. وهناك أيضاً شخصيّات عديدة مؤهلة أيضاً لرئاسة الحكومة، من خارج النادي التقليدي للرؤساء، ويمكن لأيّ من هذه الشخصيات أن تواكب الرئيس العتيد فيشكّلان معاً ثنائياً يتولّى السلطة التنفيذية بشفافية وعزم وترفّع.
لطالما اشتهر لبنان بموارده البشريّة الغنيّة، ولا يزال، فهو يُخرّج سنوياً المئات من الشابات والشباب الذين يبحثون عن فرصة ومناخ لتحقيق طموحاتهم وتطلّعاتهم بعيداً عن الخلافات السياسيّة الضيقة التي تعيق مستقبلهم وتدفع بهم إلى أصقاع الأرض في موجات متنامية من الهجرة لا تعرف حدوداً.
لبنان يستحق الأفضل، وهذه مسؤولية القوى السياسيّة لا سيّما تلك القابضة على ناصية السلطة. آن الأوان للإفراج عن الرئاسة «الرهينة»!
رامي الريس