العماد جوزاف عون إنْ حكى: المؤسسة لم تقع في الفخ…ولن تقع!
الداخل إلى مبنى قيادة الجيش في اليرزة، لا يلحظ أيّ شيء استثنائي، حركة عادية جداً، تدابير عاديّة جداً.
في مكتب الانتظار، الملاصق لمكتب قائد الجيش، لا يطول الانتظار، دقائق ويُفتَح الباب ويخرج مدير المخابرات العميد طوني قهوجي متأبِّطاً ملفاً أسود لا شك أنّه يتضمَّن تقارير «سريّة جداً» عن أوضاع يفترض بقائد الجيش أن يطَّلع عليها. يبتسم العميد قهوجي للإعلاميين ويصافح الجميع بحرارة، مُسقِطاً الحاجز ما بين الاعلام والمخابرات.
الزيارة اليومية الصباحية من مدير المخابرات لقائد الجيش روتينية وأساسية: إيجاز موثَّق وموثوق لِما حملته الساعات بين اجتماع واجتماع، عدا عشرات الاتصالات الهاتفية بينهما من خط داخلي. الثقة والعلاقة الوثيقة بين «القائد» و»المدير» أساسية، خصوصاً إذا كانا يحملان أكثر من صفة مشتركة «وعلى الموجة ذاتها».
في مكتب قائد الجيش، ترحيب فمدخلٌ إلى نقاش من دون «كفوف»، أسئلة عن كل شيء، وأجوبة من دون تحفظات. التعزية بشهيدَي المروحية يُدخلنا مباشرةً إلى الحديث عن دور الجيش ومهامه والأعباء والكلفة:
«في العام 1975، كانت الليرة بألف خير والاقتصاد متين، انهار الجيش فانهار البلد، اليوم الجيش موجود وقائم على رغم انهيار المؤسسات، لكن البلد لم يَنهَر».
«يتحدّثون عن أداء، ويعطون ملاحظات! هل يعلمون مثلاً أنّ ضبط الحدود بين لبنان وسوريا، على امتداد 375 كيلومتراً، يحتاج إلى عشرين ألف عسكري، فيما الانتشار حالياً لا يتجاوز الأربعة آلاف عسكري، حتى هؤلاء الأربعة آلاف، ألا يحتاجون إلى أن يأكلوا ويشربوا، ومطلوب تأمين كل المستلزمات لهم؟ ومع ذلك هناك مَن طالب بخفض عديد الجيش إلى أربعة عشر ألف عسكري. هل يعلمون أنّ كلفة صيانة مروحية، حتى لو لم تتحرّك من مكانها، تصل إلى ملايين الدولارات؟».
قائد الجيش يعيش هاجساً يومياً اسمه تأمين المستلزمات للمؤسسة العسكرية، أول شيء يقوم به عند وصوله إلى مكتبه السادسة صباحاً، هو السؤال عن الوضع الأمني وخروج الدوريات وتأمين المستلزمات اليومية للمراكز والثكنات من غذاء ومحروقات وسائر المستلزمات، هذا من «الطقوس اليومية» قبل أي شيء آخر. حين دقّ ناقوس الخطر أثناء استقباله مجموعةً من النواب الذين زاروه إثر حادثة بلدة الكحالة، لم يكن يُطلق الكلامَ جزافاً، كان يعرف ماذا يقول، وكان يعني ما يقول، كيف يلبي نداءات الاستغاثة إذا لم تكن هناك محروقات لتحريك آلية؟
اذا كان هناك افتتاح ملعب أو تدشين مركز ديني أو ما شابه، يطلبون حمايةً من الجيش، يُقال لهم إنّ هذا الأمر ليس من مهام الجيش، لكنهم يُصرون، فماذا يفعل الجيش في هذه الحال؟
في الموضوع القضائي، يطول الحديث ويجود المتحدِثون. «تحديناهم أن يذهبوا إلى القضاء، وأن يُثبتوا أقوالهم بإثباتات، فقدّموا قصاصات صحف»، في موضوع الإنفاق «إسألوا الدكتور جان العليّة، فعنده الخبر اليقين، أحرجهم بردوده وحججه القانونية».
أسئلة كثيرة تنهال عليه، من موقف الأميركيين من موضوع رئاسة الجمهورية، إلى المواصفات التي يضعها «حزب الله» للمرشحين لرئاسة الجمهورية، ومنها «أن يحمي ظهر المقاومة»، لا يجد العماد عون حرجاً في الإجابة عن كل التساؤلات، ويذكِّر بأنه في غالب الأحيان يمتنع عن الرد على مَن يحاول الإساءة إليه شخصياً أو الإساءة إلى المؤسسة العسكرية، حمَل عليه أحد السياسيين الشماليين بسبب التهريب بين لبنان وسوريا، ليتبيّن أنّ ثمانية من عشرة مهرِّبين هم من مناصري السياسي المذكور، الذي بلع لسانه بعدما كشِفت هويات المهربين.
مرتاحٌ جوزاف عون، لا يعيش الهاجس الذي يحاول البعض أن يُلصقَه به، كما فعل أحد الذين سبقوه على رأس المؤسسة العسكرية، «لا أخفي أنني كنت أطمح إلى أن أصبح قائداً للجيش، هذا طموح مشروع لأنني تدرجت في المؤسسة العسكرية»، رئاسة الجمهورية شيء آخر، لا تخضع للشروط ذاتها في المؤسسة العسكرية.
أحد الذين سبقوه، قرأ في كتاب «ويبقى الجيش هو الحل»، للعميد المتقاعد فؤاد عون، لكن ما تحقق على يده كان العكس تماماً، لم يبقَ الجيش، ولم يأتِ الحل.
الانطباع الذي يخرج به مَن يجالس قائد الجيش، أنّ هاجسه الأول والأخير المحافظة على المؤسسة العسكرية لأنّها الوحيدة اليوم التي تحافظ على البلد في ظل الانهيارات المتلاحقة، وهذا الانطباع هو بشهادة المعنيين في الداخل، وإن كان بعضهم يتعمّد إخفاء هذا الانطباع، لغاية في نفس طموحاته وعقدته من الجيش ومن مؤسسته.
«يؤخذ على الجيش أنّه لا يرد على الحملات التي تطاوله»؟ يأتي الجواب أنه لا وقت للمؤسسة العسكرية للرد على كل ما يصدر من أخبار غير صحيحة، فهناك مَن يتعمّد استدراج المؤسسة للرد، لكنها لم تقع في الفخ، ولن تقع، إن الرأي العام مدرِك وواعٍ، ولا ينتظر رداً أو توضيحاً ليعرف الحقيقة، وكم من الأخبار انقلبت على مطلقيها.
لم يعد سراً أنّ التسريبات إلى الصحافة لم تأتِ من أمكنة بعيدة، ومع انكشاف المصدر (وهما اثنان) فقدت التسريبات قيمتها لأنّ خلفية التسريب معروفة. وكذلك الغايات.
ثابتتان يمكن استشفافهما: لا يتسلّم القيادة في حال بلغ قائد الجيش سن التقاعد، إلّا رئيس الأركان، وعدا ذلك ليس سوى اجتهادات إن لم تكن هرطقات. والثابتة الثانية: لن يُترَك الجيش لأهواء الهواة الذين يحاولون اللعب بمصير البلد من خلال محاولة التلاعب بالمؤسسة العسكرية، أمّا كيف؟ فالأمور مرهونة بأوقاتها، أليس مصطلح «أسرار عسكرية» هو الأكثر استخداماً في مداولات الجيش؟
جان الفغالي- نداء الوطن