“تلاق” أميركي-إيراني في بيروت… وجولات من المفاوضات المكوكية: الغاز يبرّد التوتر الحدودي
ليست المرّة الأولى التي تتزامن فيها زيارة مسؤول أميركي مع مسؤول إيراني، إلى لبنان. حصل ذلك أكثر من مرة، كان أبرزها زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى بيروت، بالتزامن مع زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل في العام 2020. وقبلها بسنوات، تزامنت زيارة لهيل نفسه مع زيارة لحسين أمير عبد اللهيان، عندما كان مساعداً لرئيس مجلس الشورى للشؤون الدولية، وكان يتسلم الملف اللبناني. كان هذا التزامن في العام 2016.
حالياً تتزامن زيارة المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي، آموس هوكشتاين، إلى بيروت، مع زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان. الهدف من زيارة هوكشتاين هو تكريس الاستقرار، فيما مصادر متابعة تعتبر أن زيارة عبد اللهيان تتلاقى مع غاية الاستقرار والتهدئة في لبنان، وتثبيت الوقائع، بالإضافة إلى وضع حزب الله في أجواء لقاءاته في السعودية.
مواكبة الاستثمار
عودة هوكشتاين ترتبط باستكمال مسار ما بعد ترسيم الحدود البحرية، والحديث عن إنهاء عملية إظهار الحدود البرية التي يطالب بها لبنان. الهدف الأساسي لهوكتشاين -وفق مصادر لبنانية وغربية- هو التشديد على ضرورة تكريس الاستقرار في جنوب لبنان، طالما أن عمليات التنقيب عن النفط قد بدأت في البلوك رقم 9، وطالما أن لبنان يستعد لطرح دورة تراخيص جديدة للاستثمار في البلوكين رقم 8 و10. وتشير مصادر لبنانية إلى أن هوكشتاين سيكون مواكباً في المرحلة المقبلة لعملية تلزيم هذين البلوكين، خصوصاً أنه كان قد عمل على ترتيب التحالف الثلاثي الذي استثمر في البلوك 9 والذي يضم شركة توتال الفرنسية، إيني الإيطالية، وقطر للبترول. وتشير المعلومات إلى أن توتال أبدت رغبتها بالاستثمار.
أربع نقاط أساسية
تأتي زيارة هوكشتاين أيضاً، تحت عنوان أساسي وهو تجنب أي تصعيد أمني أو عسكري على الحدود الجنوبية، بعد الكثير من التهديدات التي جرى تبادلها بين مسؤولين إسرائيليين ومسؤولين من حزب الله، لا سيما أن واشنطن تؤكد على ضرورة حماية الاستقرار، للاستمرار في عملية التنقيب عن النفط واستخراجه. وهذا الاستقرار لا بد أن يكون مبنياً على تقاطع مع طهران.
حسب المعلومات، فقد بحث هوكشتاين مع المسؤولين اللبنانيين في أربع نقاط أساسية. النقطة الاولى، هي إعادة تجديد الالتزام الأميركي بتسهيل عمليات استخراج الغاز من البلوك رقم 9، بعد الوصول إلى تلك المرحلة، وبعد إطلاق عملية التنقيب. إذ أنه خلال الانتهاء من مفاوضات الترسيم البحري، طلب لبنان تعهداً أميركياً بضرورة تسهيل عملية الاستخراج، وأن لا تكون هناك أي معوقات لذلك. فأكد المبعوث الأميركي على هذه المعادلة والتزام أميركا بتعهدها.
أما النقطة الثانية التي يعمل عليها، فهي إعادة البحث في ملف استيراد الغاز من مصر بالاتفاق مع البنك الدولي. خصوصاً أن هذا الأمر لا يزال عالقاً ويحتاج إلى متابعة، فيما عملت وزارة الطاقة على تنفيذ الإجراءات المطلوبة منها من قبل البنك الدولي، بما يتعلق بالفواتير والجباية، ليتم السماح بالحصول على القرض الممنوح من البنك.
النقطة الثالثة تركز على ضرورة الحفاظ على الاستقرار في الجنوب، ومنع حصول أي تصعيد. والنقطة الرابعة تتعلق بإنجاز عملية إظهار الحدود البرية، ومعالجة الخلافات على 13 نقطة برية وانسحاب إسرائيل منها بشكل يضمن الاستقرار، ويعطي للبنان حقوقه.
الحدود البرية
في مسألة الانتهاء من ترسيم الحدود البرية أو تثبيت الحدود المرسّمة، فإن النقطة المركزية فيها هي b1. وهذه النقطة هي آخر النقاط البرية للبنان عند جهة البحر. فخلال ترسيم الحدود البحرية لم يتم الإنتهاء منها، وبقيت مساحة 5 كليومتر في البحر غير مرسمة، بانتظار الإنتهاء من ترسيم تلك النقطة. يصرّ لبنان على أن تكون هذه النقطة لصالحه، وبحال تم الاتفاق عليها، فستكون عملية الترسيم البرّي سهلة جداً.
في هذا السياق، تؤكد مصادر ديبلوماسية غربية أن كل النقاط من الممكن حلّها، فيما العمل يتم حالياً على حلّ نقطة الـb1.
طالب اللبنانيون هوكشتاين بضرورة إقناع الإسرائيليين بالانسحاب من محيط نقطة الـb1 وحسم لبنانيتها. وتشير المصادر إلى أن المفاوضات حول الترسيم البرّي لن تكون مشابهة لمفاوضات الترسيم البحري، على الرغم من أن هوكشتاين سيزور إسرائيل ويلتقي بالمسؤولين هناك. ويقول المسؤول اللبناني: “إذا اعترف الإسرائيليون بأحقية لبنان بنقطة الـb1 فيمكن حينها أن تحل كل الأمور”. كما يشير المصدر إلى أن الهم الأساسي هو ضمان الاستقرار في الجنوب.
لا شك أن هذا المسار سيحتاج إلى مزيد من الوقت وجولات من المفاوضات المكوكية. ولكنها في النهاية تهدف إلى تكريس وقف إطلاق النار أو أي أعمال قتالية. خصوصاً أن التحرك يأتي بالتزامن مع التجديد لقوات الطوارئ الدولية وتثبيت لبنانية الجزء الشمالي من بلدة الغجر، والذي أصبحت التسمية المعتمدة له في الأمم المتحدة “أطراف بلدة الماري”.
منير الربيع – المدن