مخطط “توربينات الجولان” يؤجج غضب الدروز
انضمت البلدات الدرزية داخل الخط الأخضر إلى احتجاجات “فلسطينيي 48” المتواصلة ضد سياسة التمييز الممنهجة من قبل الحكومة الإسرائيلية، والتي وصلت ذروتها بإهمال ملاحقة منظمات الإجرام والقتل اليومي، ووصولها بحدة إلى البلدات الدرزية التي اعتادت أن تكون حيادية في هذا النضال الشعبي والجماهيري.
وأسهمت سلسلة أحداث متتالية في تعميق الشرخ وتأجيج الغضب بين أبناء الطائفة الدرزية، وآخرها قرار الحكومة الإسرائيلية استئناف العمل في مخطط المروحيات الهوائية (التوربينات) التي ستقيمها إسرائيل على أراضي الجولان، فضلاً عن مقتل أربعة دروز في حادثة واحدة من دون أن تعتقل الشرطة أحداً، وعدم تنفيذ الحكومة أي وعد قدمته للطائفة حتى بعد الاجتماع الذي عقد قبل فترة وجيزة بين شباب وضباط في الجيش مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
ولم يخف رئيس الأركان هرتسي هليفي قلقه من الأصوات العالية داخل البلدات الدرزية الداعية إلى رفض الخدمة في الجيش، وهي خدمة فرضت على الدروز منذ عام 1954 بعد اتفاق مع الرؤساء الروحيين للطائفة، وبموجبها يلزم كل شاب درزي بالخدمة في الجيش الإسرائيلي من سن الـ 18، كما بعث هليفي ورئيس جهاز الأمن العام (شاباك) رونين بار رسالة تحذير إلى الحكومة الإسرائيلية من خطر اشتعال غضب الدروز لعدم التجاوب مع مطالبهم.
تنسيق ومشاروات
وفي حديث مع “اندبندنت عربية” قال عضو الكنيست السابق وأحد الشخصيات الدرزية البارزة عبدالله أبو معروف إن مشروع المروحيات في الجولان وقرار الحكومة استئناف العمل فيه يعتبر أكثر الدوافع التي قد تؤدي إلى إشعال الوضع بين الدروز قريباً، لكنه ليس الوحيد بين المشكلات التي تواجهها الطائفة من قبل الحكومات الإسرائيلية وبدأت تظهر للعيان”.
وأضاف أبو معروف، “الجولان والتضامن مع إخواننا السوريين في هذه الأرض قضية عاطفية أكثر منها سياسية، لكن القضايا الأخرى كقانون القومية أو مشكلة الأرض والسكن وظروف الشباب الدروز الذين اعتدناهم صامتين، هي قضايا أكثر مصيرية وتمس بصورة مباشرة الوضع الحالي والمستقبلي لأبناء الطائفة”.
واعتبر أن الرسالة التي بعث بها بار وهليفي إلى القيادة السياسية ومتخذي القرار ليست بأكثر من جس لنبض الشارع الدرزي، بخاصة أن القادة الإسرائيليين يدركون تماماً أن الوضع بات غير محتمل وأكثر حدة، وأنهم وصلوا إلى طريق مسدود، “وهو أمر يزيد حدة التوتر والغضب الجماهيري الذي من شأنه أن يعيدنا للشارع، وهذه المرة ستكون الاحتجاجات أكثر حدة وقد تشتعل مع أول مشكلة تقع ويحتج عليها الدروز”.
وبحسب أبو معروف فإن جهوداً حثيثة تبذل لمنع إشعال الوضع الداخلي، وإزاء إعلان استئناف الحكومة تنفيذ أعمال نصب المروحيات في الجولان، وفق الاتفاق الموقع مع الشركة، فهناك تنسيق ومشاروات يومية بين أبناء الطائفة من الجولان السوري و”فلسطينيي 48″ لمنع تنفيذ هذا المشروع الذي قد يؤدي إلى تصعيد خطر وغير متوقع.
وفي الأثناء تستعد مجموعة من أبناء الطائفة لتقديم التماس ضد المشروع يتضمن أيضاً الأضرار التي تلحقها المروحيات بالمنطقة المحيطة في مكان نصبها.
ويؤكد أبو معروف أن بعض أصحاب الأراضي في الجولان السوري تنازلوا عن أرضهم وحصلوا على تعويضات مالية، لكن هناك من رفض التنازل أو الحصول على أي تعويض، وهؤلاء يشاركون في المعركة القضائية من الجانبين في شأن مشروع نصب المروحيات.
المساس بأمن الدولة
وجاء الإعلان عن استئناف العمل في المروحيات (التوربينات) وفق تنفيذ الاتفاق الموقع بين الحكومة والشركة المنفذة للمشروع، وعدم تنفيذه سيلزم الحكومة بدفع تعويضات بقيمة 1.3 مليون دولار، وعليه فإن تنفيذ المشروع بات مسألة وقت لا أكثر.
وأمام هذه الحقيقة فقد بعث بار وهليفي برسالة التحذير والخشية من العودة للتظاهرات والصدامات كما حصل قبل نحو شهرين، وجاء فيها أن “العاصفة المتزايدة في أوساط الدروز قد تصل إلى تصادم كبير مع الدولة يمكن أن يشتعل حتى حول مواجهة محددة وهي قضية التوربينات في هضبة الجولان، أو حول هدم بيت في قرية في الجليل، وهناك خطر كبير من انفجار واسع للوضع”.
وتبين أن هليفي وغيره من ضباط الجيش يخشون من أن يؤدي عدم التوصل إلى حلول والتجاوب مع مطالب الطائفة الدرزية، الشباب بخاصة، إلى الحاق الضرر بالخدمة العسكرية لأبناء الطائفة “التي لها إسهام أمني بارز في الوحدات القتالية والاستخبارات العسكرية وأجهزة داخل أذرع عسكرية أخرى”، كما أكد مطلع على رسالة بار وهليفي.
وإلى جانب ما ذكر من قلق دفع بالتحذير من خطر الانفجار، كان لنشاط النساء الدرزيات تأثير كبير أسهم في زيادة قلق المؤسسة العسكرية، فقد وجهت مجموعة من النساء من مختلف البلدات الفلسطينية الدرزية داخل إسرائيل رسالة إلى وزير الأمن يوآف غلانت والزعيم الروحي للطائفة موفق طريف، يبلغانهما فيها قرارهن بالامتناع من إرسال أبنائهن إلى الخدمة العسكرية الإلزامية.
وجاءت الرسالة بعد رفض الحكومة مطالب عدة تقدم بها سكان البلدات تعكس مشكلاتهم، ومن بينها تجميد أوامر هدم البيوت وعدم المصداقة على توسيع مسطح البلدات الدرزية وإلغاء الغرامات الباهظة التي فرضت على أصحاب بيوت بذريعة أنها غير قانونية، وغيرها من المشكلات.
وفي أعقاب التحركات الأخيرة ارتفع عدد الشبان الدروز من رافضي الخدمة ضمن المعركة التي يخوضونها داخل بلداتهم، فيما أكد عضو الكنيست السابق عبدالله أبو معروف تكثيف نشاط لجنة المبادرة الدرزية التي تعمل من أجل رفض الخدمة في الجيش الإسرائيلي من منطلق قومي ووطني، كون هذه الشريحة داخل إسرائيل جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني.
وأضاف، “نضال لجنة المبادرة الدرزية منذ أعوام طويلة ركز على حماية الهوية العربية والانتماء الفلسطيني، وقد دخل المئات من الشبان الرافضين للخدمة إلى السجون بسبب ذلك، لكن هذا لم ولن يخيف المئات منهم ممن رفض الخدمة كموقف وطني”.
الجريمة والعنف
وكما يعاني “فلسطينيو 48” من ظاهرة القتل وعصابات الإجرام تعاني الطائفة الدرزية أيضاً، فقد تصاعدت هذه الظاهرة ووصلت ذروتها بعد مقتل أربعة في حادثة واحدة خلال الأسبوع الماضي، فيما ألقيت المسؤولية على الشرطة والحكومة.
واعتبرت جهات درزية أن قرار وزير المالية بتسلئيل سموطرتش تحويل الموازنة التي قرر تجميدها إلى السلطات المحلية العربية، وهي تسهم أيضاً في مواجهة ظاهرة العنف والجريمة، جاء نتيجة الموقف الحازم في شأن الحصول على هذه الموازنات، وترى أن إصرار الدروز على تحصيل حقوقهم وموازناتهم سيأتي بنتيجة مماثلة تلزم فيها متخذي القرار بالتجاوب مع جميع مطالبهم.
يشار إلى أن عدد السكان الدروز في إسرائيل حوالى 149 ألف نسمة، أي ما يعادل 7.6 في المئة من “فلسطينيي 48″، حيث يسكنون في بلدات خاصة بهم.
اندبندنت