مصلحة لبنان في خسارة معركة “تطويع” اليونيفيل… وهزيمة مجلس الأمن الدولي له!
لنفترض أنّ لبنان قرّر سحب طلب التمديد ل”قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان” (يونيفيل) إذا ما أصرّ مجلس الأمن الدولي على تثبيت حق هذه القوة بالتحرك من دون التنسيق المسبق مع الجيش اللبناني، وامتنع المجلس، في هذه الحالة، عن تجديد ولايتها سنة إضافية، فماذا يمكن أن يحصل؟
من دون شك، سوف يؤدي انسحاب “اليونيفيل” من جنوب لبنان إلى رفع منسوب دخول إسرائيل ولبنان في حرب جديدة، يدرك الجميع بأنّها سوف تكون طاحنة، لأنّ إسرائيل، في ضوء وقائعها السياسية والأمنية والعسكرية، لا تتحمل لا الهزيمة ولا انتصارًا بطعم الهزيمة. وحال “حزب الله” ليست أفضل، لهذه الجهة، فهو إن لم ينتصر أو يُمنى بهزيمة بطعم الإنتصار، يفقد ما أفنى العمر من أجله: السيطرة على لبنان!
وإذا كان صحيحًا أنّ وجود “اليونيفيل” لم يحل في العام 2006 دون وقوع الحرب، فإنّ الصحيح أكثر أنّ الواقع العسكري من جهة أولى وطبيعة عمل اليونيفيل، من جهة ثانية ووضعية القوى المتحاربة من جهة ثالثة قد غيّرت المعادلات التفجيرية، فالجيش اللبناني عاد الى الجنوب بعد طول تغييب كان قد فرضه “حزب الله”، واليونيفيل أخذت صلاحية أكبر بهدف تنفيذ ما ينص عليه القرار 1701 الذي بموجبه أوقفت حرب العام 2006، و”حزب الله” وضع كبير جهده في تغيير المعادلات السياسية لمصلحته في الداخل اللبناني، بعدما شعر بثقل خسارة السيطرة التي كانت توفّره له الوصاية السورية على لبنان.
وثمّة من يعتقد بأنّ ذهاب مجلس الأمن بالإجماع قبل سنة من تاريخه الى إعطاء اليونيفيل حق التحرك من دون تنسيق مسبق مع الجيش اللبناني قد سمح بإبعاد شبح الحرب عن لبنان، ولو مؤقتًا، بعدما اعتبرت إسرائيل، في ضوء اكتشافها لأنفاق حفرها “حزب الله” توصل الحدود اللبنانية بالأراضي الإسرائيلية، أنّ اليونيفيل أعجز من أن تقوم بالمهام المناطة بها.
ويومها، أفهمت اليونيفيل جميع المعنيين باكتشاف الأنفاق أنّ المشكلة التي تحول دون قدرتها على التصدي لسلوك “حزب الله” تكمن في أنّها محكومة بتنسيق عملياتها مع الجيش اللبناني الذي يحول دون دخولها إلى أماكن خاصة ينفّذ من خلالها الحزب، وبسرية مطلقة، أعماله.
وقد أدّى هذا الشرح إلى إدخال تعديلات على طبيعة تحرّك “اليونيفيل” فأعطيت صلاحية “التحرّر”، الأمر الذي أغضب “حزب الله” ورد عليه ليس بتخوين الحكومة اللبنانية فحسب بل باستهداف دوريات لليونيفيل أيضًا.
وبناء على إرادة “حزب الله” تحاول الحكومة اللبنانية، منذ أشهر، سحب صلاحية “التحرك المتحرّر” من اليونيفيل، الأمر الذي رفع المواجهة مع عدد من الدول الأساسية في مجلس الأمن، قبل أقل من ثلاثة أيّام من استحقاق إقرار التمديد، إلى أقصاها.
ويكشف مصدر لبناني واسع الإطلاع على هذا الملف أنّ المسؤولين في الحكومة اللبنانية يرفعون لهجة المواجهة ليس لقطف ثمار في مجلس الأمن بل لتجنّب غضب “حزب الله”.
ولم يعد سرًّا أنّ فرنسا حذرت رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من أنّ على لبنان أن يمتنع عن إرسال وزير الخارجية عبد الله بو حبيب الى نيويورك لأنّه سوف يسجّل على نفسه هزيمة دبلوماسية، إذ إنّ مجلس الأمن، في ضوء التطورات الأخيرة في الجنوب اللبناني، لن يتراجع عن إعطاء اليونيفيل حرية التحرك، بل سوف يتشدد أكثر من أي وقت مضى.
لكنّ ميقاتي وبو حبيب إرتأيا تجاوز النصيحة الفرنسية لأنّهما يعتبران أن الهزيمة الدبلوماسيّة أقل ضررًا عليهما من إغضاب “حزب الله”.
ويرى ميقاتي وبو حبيب اللذان ينسّقان مواقفهما مع “حزب الله” أنّهما يملكان ورقة الترهيب إذ يبلغان أعضاء مجلس الأمن الدولي أنّ العاملين في اليونيفيل هم في خطر، بدليل ما سبق أن حصل مع دورية تابعة للوحدة الإيرلندية هذا العام، وتاليًا فإن شاءوا الأمان فعليهم أن ينزعوا حرية التحرك منها.
ولكنّ عددًا من الدول، وفق ما تعبّر عنه الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، تعتبر أنّ وجود اليونيفيل في جنوب لبنان هو خدمة أممية للبنان وليس خدمة يسديها لبنان الى الأمم المتحدة، ولن تقبل هذه الدول بأن يُملي عليها “حزب الله” المطلوب تجريده من أسلحته في البلاد عمومًا وفي منطقة عمل اليونيفيل خصوصًا شروطه ليتمكن من خرق القرار 1701.
وبناء عليه، فإذا أصرّ لبنان على هذا التوجه وذهب بالتلويح بسحب طلب تجديد عمل اليونيفيل، فإنّ القوة الدولية تنسحب من لبنان الذي سوف يدخل وحيدًا، ومن دون أي سند دولي، في مواجهة مع إسرائيل قد تصل الى حرب عنيفة.
وارتفاع مخاطر الحرب الى مستواها الأقصى لن تكون النتيجة الأدهى لانسحاب اليونيفيل من الجنوب، بل إنّ الجميع في لبنان سوف يخسر: الجيش اللبناني سوف يفقد المساعدات الكبرى التي توفّره له اليونيفيل، والأهالي- بمن فيهم هؤلاء الذين يشكل منهم “حزب الله” الفرق التي تعتدي على اليونيفيل، سوف يخسرون رافدًا ماليًا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، جعلهم، في حمأة انهيار لبنان، الأقل معاناة من سائر اللبنانيّين!
ووفق تعبير مصدر لبناني يتابع عن كثب ما يجري في نيويورك، فإنّ مصلحة لبنان تكمن في أن يهزمه مجلس الأمن الدولي، لأنّ “حزب الله” يحاول أن يفرض على الجميع الأجندة التي تُبقي جنوب لبنان متراسًا متقدّمًا في الجبهة التي أنشأها “محور الممانعة”.
فارس خشان- النهار العربي