حراك السويداء: يرفده “غضب عربيّ”.. والردّ بـ”المتطرّفين”؟
بعد اندلاع التحرّكات الاحتجاجية المتنقّلة قبل أكثر من أسبوع، اعتراضاً على التردّي الدراماتيكي للأوضاع المعيشية في سوريا، ونقل مشاهدها من السويداء، ثمّ توسّعها إلى مناطق أخرى في درعا وإدلب ودير الزور وريف حلب والرقّة، اتّجهت التكهّنات نحو ربط انطلاقها بتراجع آمال بعض الدول العربية بإمكان مواصلة مسار التطبيع مع نظام الرئيس بشار الأسد الذي بدأ قبل ستّة أشهر، إثر الزلزال المدمّر الذي ضرب شمال غرب سوريا في السادس من شباط الماضي.
رافق هذا الربط انتشار أفكار مفادها أنّ إدارة ذاتية للشؤون المعيشية ظهرت في بعض مناطق الجنوب السوري، فيما حذّر ناشطون من مخطّط للنظام للتفرقة بين المناطق والشرائح الاجتماعية المشارِكة في الاحتجاجات.
ردّ عربيّ على التلكّؤ في تنفيذ بيان عمّان؟
اعتبر بعض المراقبين أنّ الحراك الشعبي مدعوم من دول “خذلها” النظام. ورأى مؤيّدو بشّار الأسد أنّه يجري تنفيذه بأوامر خارجية، وراوح اتّهام الناشطين بين “العمالة لإسرائيل” و”الالتحاق بأميركا”، التي عارضت التطبيع العربي مع دمشق وارتفعت نسبة غضبها على قيادتها لسببين:
– قطعت الأخيرة المفاوضات السرّيّة التي كانت جارية معها في مسقط.
– تناغمت مع طهران في المطالبة بانسحاب القوات الأميركية من سوريا.
ما استدعى الربط لدى بعض المراقبين، بين استيقاظ الاعتراض الشعبي بقوّة وبين خيبة الدول العربية من وعود النظام، هو الظهور التدريجي للشعارات السياسية بعد المعيشية، ضدّ حاكم دمشق، وصولاً إلى الدعوة إلى إسقاطه في السويداء وغيرها. هذا بالتزامن مع فشل تطبيق ما اتّفقت عليه الدول العربية مع الفريق الأسديّ الحاكم خلال الاجتماع العربي الخليجي مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في عمّان في الأوّل من أيار الماضي، الذي تبنّت النقاط الرئيسة فيه القمّةُ العربية في جدّة التي دُعي إليها الأسد في 19 أيار.
بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على القمّة، وقرابة أربعة أشهر على بيان عمّان، لم يحصل أيّ تقدّم في العناوين الرئيسة الثلاثة:
– وقف تهريب الكبتاغون، وهو أولوية لدول الخليج والأردن.
– البدء بإعادة النازحين السوريين.
– والتمهيد لبدء الحلّ السياسي للأزمة السورية وفق القرار الدولي 2254 ومنهجية الخطوة مقابل خطوة.
تبرير المقداد لتأخّر تنفيذ بيان عمّان
جاء توسّع الحراك السوري خلال الأيام الثمانية الماضية، بعد أقلّ من خمسة أيام على اجتماع لجنة الاتصال العربية في شأن سوريا في القاهرة في 14 و15 آب الجاري على مستوى وزراء الخارجية، بحضور وزير الخارجية السوري فيصل المقداد. وتضمّ اللجنة مصر، السعودية، الأردن، العراق ولبنان والأمين العامّ للجامعة العربية أحمد أبو الغيط.
برّر المقداد ما تعتبره الدول الأخرى “إخلالاً” بما اتُّفق عليه، بجملة إجراءات تتّخذها حكومته لملاحقة مئات عصابات تهريب الكبتاغون، وبقصور الإمكانات، وبتواصلها مع الأمم المتحدة في شأن إجراءات عودة النازحين وضيق ذات الحال ماليّاً، وردّ ذلك إلى العقوبات الأميركية. وانتهى بيان اللجنة إلى تكرار فحوى بيان عمّان، مضيفاً إليها نقل اجتماعات لجنة مناقشة التعديلات الدستورية برعاية الموفد الدولي الخاصّ غير بيدرسون إلى سلطنة عُمان بدل جنيف. فيما كانت القيادة السورية تطالب بأن تكون في دمشق، التي يتعذّر على قيادات سوريّة معارضة الانتقال إليها.
شكّل تأكيد بيان القاهرة أن “لا حلّ إلا الحلّ السياسي” و”أهميّة استكمال هذا المسار بجدّية على طريق إنهاء الأزمة وتحقيق التسوية السياسية”، نوعاً من الرغبة العلنية بإلزام النظام بالمطالب العربية.
استمرار تهريب الكبتاغون والمتفجّرات للأردن
استخدم بيان القاهرة لغة “مهادِنة” لدمشق بـ”ترحيبه بانعقاد الاجتماع الأوّل للّجنة الأمنية المشتركة الأردنية السورية لضبط الحدود ومكافحة إنتاج وتهريب المخدّرات في شهر تموز، وبالتعاون بين حكومتَي العراق وسوريا وتفكيك شبكة تهريب دولية لتهريب المخدّرات في دول المنطقة”، لكن بعد ساعات من تلاوة البيان أعلن الأردن إحباط 3 محاولات تهريب من سوريا:
– واحدة (16 آب) عبر طائرة مسيّرة تحمل موادّ متفجّرة أسقطها الجيش الأردني.
– والثانية (19 آب) عبر الحدود البرّية، وعلى متنها 63 ألف حبّة كبتاغون. وقد اشتبك الجيش ومكتب مكافحة المخدّرات مع مهرّبين فأصاب عدداً منهم وصادر المخدّرات.
– وأمس الإثنين 28 آب، أسقط الجيش الأردني مسيّرة أخرى في الأراضي الأردنية.
تتّهم السلطات الأردنية تشكيلات تابعة لإيران موجودة تحت عيون القوات السورية في الجنوب السوري، بإرسال أسلحة ومتفجّرات إلى أراضيه، في وقت تتعاطى أوساط عربية مع آفة المخدّرات الآتية من سوريا على أنّها “سلاح النظام” للحصول على مساعدات مالية لتجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمرّ فيها، والتي حفّزت على الاحتجاجات الشعبية.
الموقف من “الإدارة الذاتيّة”… وردّ النظام المحتمل
مقابل التكهّنات بدعم خارجي وعربي لحراك السويداء، عكست مواقف ناشطين فيه قدراً من الاستقلالية في استشراف مستقبل هذا الحراك، وأشارت إلى أنّ نزول مواطنين عاديّين إلى الشارع جرّاء الوجع المعيشي يخالف نظرية الدعم الخارجي، وذلك على النحو التالي:
– بموازاة أهميّة وحدة المرجعيات الدينية في تأييد الاحتجاجات (مشايخ العقل الثلاثة يوسف جربوع، حمود الحناوي وحكمت الهجري) يستبعد ناشطو الحراك أن يلجأ النظام إلى قمعه، حفاظاً على صورته كحامٍ للأقلّيات، التي تدحضها المجموعات المشاركة في التظاهرات. وفي اعتقاد بعض رموز هذه المجموعات أنّ دمشق ستترك المشاركين فيها يتعبون، أو تسعى إلى تحقيق بعض المطالب المعيشية المتعلّقة بالماء والكهرباء لتنفيس الاحتقان.
– حذّر عدد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي من لجوء النظام مرّة جديدة إلى نقل مقاتلين من “داعش” كي يتغلغلوا في بعض مناطق السويداء لارتكاب مجازر كالتي حصلت في تموز 2018 حين قُتل زهاء 150 من أبناء المحافظة، وجُرح قرابة 200 آخرين، لحمل القيادات الدرزية على السماح لشباب القرى بالانضمام إلى الجيش.
– الدعوات إلى قيام إدارة ذاتية لشؤون المحافظة من قبل مجموعة يتصدّرها حزب “اللواء السوري” لقيت رفضاً من لجان الناشطين الذين اعتبر بعضهم أنّ ذلك يعطي مبرّراً للنظام وللجيش الروسي لقمع الاحتجاجات بالقوّة، بتهمة النزعة الانفصالية، وفق دعاية النظام. ورأى ناشطون آخرون أنّ دعوة كهذه تخالف شعار “الشعب السوري واحد” والتنسيق مع سائر المحافظات، وخصوصاً “شباب عشائر وبدو درعا” الذين شاركوا في تحرّكات السويداء في الأيام الماضية، متجاوزين تحريض النظام لهم على عشائر السويداء.
هل من حزام حدوديّ جنوباً؟
كان حزب “اللواء” السوري أعلن في تموز الماضي تأسيس جمعيات للخدمات، بديلة عن المؤسّسات التابعة للدولة السورية، من أجل توفير المياه والعناية الطبّية للعائلات المحتاجة، وأخرى للعمل والبلديّات. وكان أطلق حملة لمكافحة المخدّرات بعد انتشارها في الجنوب، شملت درعا، إضافة إلى السويداء، في خطوات تمهيدية لقيام إدارة ذاتية للمجتمع.
تساءل مراقبون عمّا إذا كان هذا التوجّه، الذي يتوخّى أن تشمل الإدارة المنطقة الجنوبية (درعا والسويداء)، شبيهاً بالإدارة الذاتية القائمة في الشمال السوري تحت قيادة “قسد” والجهات الكردية بدعم أميركي.
أثار ذلك تساؤلات عن استغلال دول غربية للمشروع ودعمه لإقامة حزام في المنطقة الجنوبية حتى الحدود مع الأردن، شبيه بذلك الذي تسعى القوات الأميركية إلى إقامته على الحدود العراقية السورية لقطع الطريق على حرّية حركة الميليشيات الإيرانية، وهو ما يحرف الحراك عن مطالبه الأصلية.
وليد شقير- اساس