«مؤشرات انفتاح» في أزمة الرئاسة اللبنانية!
لليوم الثاني على التوالي، كان لبنان حاضراً في مؤتمر سفراء فرنسا عبر العالم، الاثنين، في الخطاب الافتتاحي للرئيس إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، والثلاثاء في الكلمة التي ألقتها وزيرة الخارجية كاترين كولونا، في مقر الوزارة الواقع في الدائرة الـ15 في باريس. وفي الحالين، حرص المسؤولان على توجيه الشكر لوزير الخارجية السابق جان إيف لودريان الذي عينه ماكرون مبعوثاً شخصياً له للملف اللبناني، والذي قام بزيارتين إلى لبنان في يونيو (حزيران)، ثم في يوليو (تموز) الماضيين، وهو يتأهب حالياً لزيارة ثالثة تقول مصادر باريس إنها ستتم خلال الأيام العشرة المقبلة.
الرئيس ماكرون، في كلمته، وضع الإصبع على جرح التدخلات الخارجية في ملف الانتخابات الرئاسية، حيث يعاني لبنان من فراغ رئاسي منذ 10 أشهر، مشيراً بالتحديد إلى التدخل الإيراني، ومندداً بـ«سياسة طهران المزعزعة للاستقرار»، تحديداً في لبنان، ومعتبراً أن وضع حد لهذا التدخل يعد عاملاً مسرعاً لحصول الانتخابات. أما وزيرة الخارجية، التي وصفت لبنان بأنه «بلد متميز ولن تتخلى فرنسا عنه»، فقد أكدت التزام فرنسا بمساعدة لبنان، وأنها «لن توفر جهداً لبلورة خيارات من شأنها تحريك الوضع (السياسي) الجامد». ولعل أبرز ما جاء على لسان كاترين كولونا، هو إشارتها إلى أن هناك «مؤشرات انفتاح تظهر (في ملف الانتخابات الرئاسية)، ونحن مستمرون في هذا العمل على هذا الأساس».
من المفيد التذكير بأن لو دريان يتصرف بكونه مبعوثاً رئاسياً، إلا أن ورقة تكليفه تنص على أنه يعمل «تحت إشراف» وزيرة الخارجية التي يقدم لها تقاريره، كما لرئيس الجمهورية. وقد استدعى ماكرون، وزير الخارجية السابق من تقاعده، ليكلفه مهمة بالغة التعقيد لمساعدة اللبنانيين لملء الفراغ الرئاسي بعدما تبين له أن جهود الخلية الرئاسية في الإليزيه بقيت قاصرة عن تحقيق هذا الهدف. وآخر ما قام به لودريان هو توجيه رسائل إلى الأحزاب اللبنانية الممثلة في البرلمان وإلى النواب غير المنتمين إلى أحزاب يطلب فيها الإجابة خطياً، وقبل نهاية أغسطس (آب) عن سؤالين: الأول، يتناول الملفات الرئيسية التي يتعين على الرئيس المنتظر أن يعالجها كأولويات، والثاني الصفات التي يتعين أن يتحلى بها. ولم تكشف الخارجية الفرنسية عن الردود التي وصلت إلى لودريان، علماً بأن رسالة المبعوث الرئاسي أثارت موجة تساؤلات وانتقادات، وأشارت أحزاب معارضة ونواب مستقلون إلى أنها لن ترد عليها، وأنها ترفض دعوات الحوار الجماعي التي يأمل لودريان في الدعوة إليها على أن تعقبها جلسات انتخابية.
خلال زيارتيه إلى لبنان، خصوصاً الثانية التي حصلت عقب اجتماع اللجنة الخماسية المشكلة من فرنسا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر، بقي لودريان ضنيناً بالحديث عن مهمته وعما حققته ولم تحققه. من هنا، فإن إشارة وزيرة الخارجية إلى وجود «مؤشرات انفتاح» تعد أمراً جديداً. ولا يبدو من السهل معرفة المقصود من كلامها علماً بأن الوضع اللبناني، رئاسياً، ما زال على جموده. والعنصر الوحيد المستجد عنوانه الحوار القائم منذ أسابيع بين «التيار الوطني الحر» بقيادة النائب جبران باسيل و«حزب الله». وللتذكير، فإن «التيار» توصل مع المعارضة وعدد من النواب المستقلين والتغييريين إلى «تقاطع» على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، الذي يشغل حالياً منصباً رئيسياً في البنك الدولي، بمواجهة مرشح الثنائي الشيعي الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية. وتتخوف المعارضة من يؤدي هذا الحوار إلى أن يغير باسيل توجهاته ليقبل فرنجية رئيساً مقابل استجابة «حزب الله» لمطلبين يتمسك بهما، وهما السير باللامركزية الإدارية والمالية، وإنشاء الصندوق الائتماني، إضافة إلى ترضيات تتمثل بحصة «وازنة» في الحكومة والإدارة والعهد بشكل عام. وثمة معلومات متداولة في بيروت تفيد بإحراز تقدم بين الطرفين. ويعد منتقدو نهج باريس في لبنان أن تأخير عودة لو دريان إلى بيروت كان هدفه توفير الوقت الكافي ليفضي الحوار المذكور إلى نتائج إيجابية يتبوأ بفضلها فرنجية سدة الرئاسة، وينتهي الفراغ، ما يعني عملياً العودة إلى الخطة الفرنسية السابقة التي دعت إلى انتخاب زعيم «المردة» مقابل تسمية رئيس وزراء إصلاحي بشخص القانوني والدبلوماسي السابق القاضي نواف سلام.
بيد أن هذه التكهنات تبقى هشة، نظراً لتعقيدات الملف الرئاسي اللبناني في الداخل والتعقيدات الخارجية الإقليمية والدولية، وصعوبة تأكيد أن لودريان يعمل بوحي اجتماع الدوحة للجنة الخماسية، أم أن باريس عادت لتقود مبادرة فردية ترى فيها المنفذ الوحيد لملء الشغور الرئاسي. وسبق لمصادر دبلوماسية أن أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن طرحها المشار إليه مرده قناعتها أن «حزب الله» ومن ورائه سوريا وإيران مستعد لإطالة الفراغ إلى ما لا نهاية حتى الوصول إلى غايته. من هنا، فإن انتخاب فرنجية واستباق ذلك بالحصول على ضمانات وتعهدات منه لجهة السياسة التي سيسير على هديها في حال انتخابه، يشكلان المخرج لفتح صفحة جديدة في لبنان. والحال، أن المعارضة ونواباً مستقلين وتغييريين يرون في هذا الخيار تمديداً للأزمة وتسليم مفاتيح السياسة في لبنان لـ«حزب الله» وتغليب الدويلة على الدولة.
ميشال ابو نجم- الشرق الاوسط