عصابات وأجهزة أمنية ترعى تهريب السوريين إلى لبنان
تشهد الحدود اللبنانية – السورية تفلتاً أمنياً غير مسبوق، ولكنه ليس بجديد. ولا ينفك المهربون بابتداع وسائل كي يستطيعوا الولوج ببضائعهم إلى الداخل اللبناني، وهذه “البضائع” أحياناً تكون من البشر!
وآخر ما توصل إليه المهربون ما كشفه فوج “القوة المشتركة”، (تتألف من عناصر وضباط من الجيش والأمن العام، الأمن الداخلي والجمارك، وتعمل القوة على تنسيق مشروع ضبط الحدود وتخطيطه، وترتبط عملانياً بقيادة الجيش التي تقدم الجهد الأكبر في هذا المجال).
ففي بلدة شدرا الحدودية، شمال لبنان، عُدل هيكل شاحنة لتصبح صالحة لتهريب الأشخاص، ظاهرياً تبدو كأنها محملة بالصخور، لكن تحتها مخبأ سرياً، صنع من أعمدة حديد، ووضع فيه أكثر من 144 شخصاً.
وتعود هذه الشاحنة للمسؤول عن أحد معابر التهريب في وادي خالد -عكار المدعو “ش. أ. ج” والمدعو “م. م”، علماً أن جميع المهربين من الجنسية السورية، وقد أعادهم الجيش إلى الداخل السوري عبر المعبر الرسمي في قرية البقيعة الحدودية، وفقاً لما نقلت الصحف اللبنانية.
معضلة ضبط الحدود
نص قرار مجلس الأمن 1701 عام 2006، في الفقرة 14 منه، على أن تضبط الدولة اللبنانية حدودها وتمنع إدخال الأسلحة من دون موافقتها. أيضاً وضع صندوق النقد الدولي شرطاً أساسياً لمساعدة لبنان، وهو إغلاق المعابر “غير الشرعية” مع سوريا التي تعد إحدى أدوات التسرب المالي والسلعي.
ويعد هذا البند شرطاً أساسياً في كل القرارات الأممية والعربية الخاصة بلبنان. ووفقاً للعماد جوزيف عون، منذ 2019، يسيطر الجيش اللبناني على قرابة 80 في المئة من الحدود مع سوريا، ويقول إن “ما يحول دون السيطرة على ما تبقى من الحدود، عدم ترسيمها والطبيعة الجغرافية المتداخلة، ما يتطلب أعداداً مضاعفة من العسكريين”.
وفعلياً يواجه ضبط الحدود بشكل كامل بين لبنان سوريا صعوبة كبيرة نظراً إلى طول مساحتها (نحو 375 كيلومتراً)، فضلاً عن تداخلها في كثير من المواقع، لا سيما في البقاع، وبحسب مصدر أمني وفي حديث سابق لـه مع “اندبندنت عربية” قال إن عمليات تهريب الأفراد لا تهدأ وكذلك البضائع، كما أن لـ”حزب الله” عشرات المعابر للانتقال إلى الداخل السوري والتبديل العسكري الذي يحصل يومياً أو أسبوعياً، إذ تدخل وتخرج المواكب العسكرية والقوافل والعتاد عبر تلك المعابر، فيما استغلت العشائر والعائلات القريبة من “الحزب” هذا الواقع العسكري وفتحت عشرات المعابر وسميت بأسمائها منها معابر “ناصر الدين” و”جعفر” و”زعيتر” وغيرها.
وأعلن الجيش اللبناني، قبل أيام إحباط محاولة تسلل نحو 700 سوري عبر الحدود إلى البلاد خلال أسبوع.
أيضاً بدوره كان مسؤول العلاقات الإعلامية في “حزب الله” الحاج محمد عفيف قد أكد في حديث سابق لـ”اندبندنت عربية”، أن لا دخل لـ “حزب الله” بأي معبر غير شرعي، مضيفاً أن هناك 161 معبراً، منها الشرعي وغير الشرعي، وهناك عائلات تعمل في التهريب، لكنها لا تعتبر ذلك جرماً، حيث تقع بعض القرى ما بين الأراضي اللبنانية والسورية، وبسبب تلك التركيبة الجغرافية، فإن “عمر التهريب من عمر البلد ومنذ كانت الحدود بين البلدين”.
حركة التسلل لا تهدأ
وكان أحد الشهود من المنطقة الحدودية قد تحدث إلى الإعلام وقال إن “التجارة قائمة على قدم وساق، وعديد من أبناء هذه المناطق تركوا سياراتهم جانباً أو باعوها بعد ارتفاع سعر البنزين، واستبدلوها بالبغال ذات القدرة العالية على تسلق الجبال في طرق التهريب البعيدة من المراقبة”.
وكانت مؤسسة “شاتهام هاوس” البحثية البريطانية، قد نشرت تحقيقاً صحافياً حول تلك الظاهرة، ودور “حزب الله” فيه، أواخر عام 2022. ووفقاً للتحقيق الذي استند إلى معطيات ميدانية وثقها “برنامج أدلة النزاع العابر للحدود واتجاهاته” يعرف باسمه المختصر “أكسبت”، أن التهريب يجري بين سوريا ولبنان في الاتجاهين، عبر عشرات من المعابر غير القانونية، وتهيمن شبكات محلية على تلك الظاهرة.
ويرى التحقيق أن معظم من تشملهم “يفعلون ذلك لأسباب مالية”، إضافة إلى اللاجئين السوريين في لبنان، و”المعارضين السياسيين لنظام الأسد، ومقاتلي المعارضة المسلحين”، وأشخاص مطلوبين في قضايا جنائية وفارين من الخدمة العسكرية، وغيرهم.
الخطف على الحدود
ولكن تبرز في هذا الصدد عمليات خطف تطال بعض الأشخاص الذين يسلكون طرق تهريب غير التي تعمل فيها شبكات منظمة، وتحدث معظم عمليات الاختطاف في حمص، على طرق التهريب الأسهل، وفي هذه الحالات عادةً ما يبيع المهربون الأشخاص لعصابات الاختطاف التي تتفاوض مع أقاربهم لدفع الفدية، وبعد دفع الفدية قد تقدم لهم العصابة الخيار إما بالعودة إلى سوريا أو بمواصلة الطريق إلى لبنان.
وكان مركز “وصول” لحقوق الإنسان(ACHR) نشر تقريراً في يونيو (حزيران) الماضي، حمل عنوان “جرائم الاختطاف وتجارة البشر بعد ترحيل اللاجئين قسراً من لبنان”، أفاد فيه عن ظاهرة مستجدة يعاني منها اللاجئون في لبنان ترتبط بانتشار جرائم الخطف مقابل فدية.
وتحدث التقرير عن رصد الفريق الميداني التابع للمركز، حالات عدة تعرض فيها الضحايا، ومن ضمنهم نساء وأطفال، لأعمال تعذيب وإساءة معاملة خلال احتجازهم وحرمانهم من حريتهم على يد الجهات الخاطفة، وهذه الظاهرة منتشرة بشكل واسع ودوري وخصوصاً على الحدود مع تركيا.
الخيمة أفضل من الداخل السوري
وكان رئيس الجمهورية السابق ميشال عون قد أعلن في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، عن عزم السلطات اللبنانية البدء في إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وفعلياً تمكنت مديرية الأمن العام من تنظيم قافلات معدودة فقط نقلت مجموعات صغيرة من السوريين إلى بلادهم، وذلك منذ صدور قرار مجلس الدفاع الأعلى في 15 من أبريل (نيسان) 2019 القاضي بترحيل السوريين الداخلين خلسة، في حين ترى منظمات حقوقية أن القرار لا يراعي شروط العودة الآمنة ويعرض السوريين لخطر التعذيب والاضطهاد.
وطالبت “منظمة العفو الدولية” السلطات اللبنانية “وقف عمليات الترحيل غير القانونية للاجئين سوريين”، خوفاً من المصير المجهول الذي ينتظرهم، كما نفت الدولة اللبنانية صحة تلك المزاعم على لسان وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار.
لكن بحسب مصدر سياسي لبناني كان قد تحدث إلى “اندبندنت عربية” في وقت سابق، فالسلطات تتعامل “بشكل طفولي استعراضي مع أزمة النازحين الخطرة، فمداهمات الجيش وخطوات وزارة الداخلية لترحيل النازحين فاشلة، فعند ترحيل 50 لاجئاً يدخل 500 عبر معابر غير شرعية على طول الحدود الشرقية بمساعدة أجهزة النظام السوري”. وبعيد تسليمهم إلى الجانب السوري، عاد عدد كبير من اللاجئين إلى لبنان، وخصوصاً الأسر التي أعتقل فيها الرجال المنشقون عن قوات النظام.
وتتفاوت أسباب عودة هؤلاء أو نيتهم بالعودة عبر المعابر غير الشرعية بالطبع، بين اشتداد الخناق السياسي والاجتماعي والاقتصادي عليهم في الداخل السوري، وبين الفاقدين للمعيل المحتجز لدى قوات النظام، فضلاً عن الذين قصدوا مناطقهم ووجدوا بيوتهم مهدمة، وصولاً إلى من اضطر بعد أسابيع من الترحيل للعودة، فداهمتهم قوات النظام وخضعوا للتحقيق والاعتقال.
ووفق ما أكده المدير التنفيذي لمركز “وصول” لحقوق الإنسان محمد حسن، “لا يوجد أي إجراء قانوني، وليس لدى اللاجئين أي خيار للمثول أمام القضاء، ولا توجد لديهم فرصة لإجراء اتصال مع عائلاتهم أو طلب محامي دفاع، أما الذين لا يسلمون للسلطات السورية فيعودون من خلال مهربين تعلم السلطات مسبقاً بوجودهم على الحدود”.
أيضاً يقول عبد الناصر العايد الكاتب والروائي والضابط السوري السابق لـ”اندبندنت عربية”، إنه إلى جانب انعدام الأمان، هناك الأوضاع الاقتصادية المأسوية، ويعطي العايد أمثلة عن عائلات من دمشق تطلب من أولادها أن يأتوهم بالخبز من الخارج، “فوضع اللاجئ داخل الخيمة يبقى أفضل من الداخل السوري”.
الوضع الاقتصادي المتردي
وفي تحقيق أعده موقع “عنب بلدي” السوري المعارض، كشف أن أجور التهريب إلى لبنان ارتفعت بعد سيطرة “الفرقة الرابعة” (قائدها ماهر الأسد) و”حزب الله” على الطرق المؤدية إلى الحدود اللبنانية، إذ بات السوريون مضطرين للتعامل مع مهربين من “الفرقة”، ودفع مبالغ إضافية مقابل ضمان وصولهم إلى الأراضي اللبنانية بسلام.
أيهم الحسين، من سكان حمص، خرج إلى لبنان منذ حوالى شهر ونصف، قال لـ”عنب بلدي”، إن “الفرقة الرابعة” رفعت أجور التهريب من 50 إلى 100 دولار أميركي، مقابل عبور شخص واحد، وأضاف أنه كان مجبراً على التعامل مع مهرب يتبع لـ”الفرقة”، مقابل وصوله إلى الحدود اللبناني.
والدافع الأساس بالنسبة إلى الشباب السوريين الراغبين بمغادرة البلاد خلال الفترة الماضية، هو الوضع الاقتصادي المتردي، لكن حتى الرغبة بالمغادرة صارت تتطلب تحضيراً لأشهر، من أجل جمع أجور المهرب لعبور الحدود.
وكان النظام السوري قد أجرى مطلع العام الحالي، تعديلات على الجانب الأمني في المعابر الحدودية الشرعية وغير الشرعية في سوريا، من ضمنها معبر “نصيب” الحدودي مع الأردن، إلى جانب المعابر في محافظة حمص المتاخمة للبنان، وبحسب تعميم صدر عن “مكتب الأمن الوطني” التابع بشكل مباشر لرئاسة الجمهورية، في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي، شكلت قوة أمنية مكونة من خمسة أجهزة أمنية، إلى جانب “الفرقة الرابعة”، لإدارة المعابر الشرعية وغير الشرعية الممتدة على الحدود مع دول الجوار.
اندبندنت