سطوة “الحزب” على الجيش اللبناني… على حساب هيبته وكرامته

يلتف جميع اللبنانيين حول الجيش اللبناني، وينقسمون حول “حزب الله”، بل إن جزءاً من أبناء الطائفة الشيعيّة الكريمة يشكّل بيئة “الحزب” لا أكثر ولا أقل، فيما يعتبر الجيش اللبناني صمام أمان لكل الشعب اللبناني، وحامي الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.

على الرغم من ذلك، كلّما “دقّ الكوز بالجرّة”، يلجأ “الحزب” إلى المعادلة الخشبية: “جيش وشعب ومقاومة”، علماً أن الجيش مكبّل والشعب مذلول والمقاومة مذهبيّة، والسبب مشروع “الحزب” الدخيل على الطبيعة اللبنانية أي لا يمت بصلة إلى لبنان الحضارة والحداثة والحرية والتعددية والعيش الكريم، بل هو مشروع هيمنة ايرانية مذهبية وفئوية تستهدف وجه لبنان العربي بمسيحييه ومسلميه، وبالتالي لا يمكن أن يسمح اللبنانيون باستمرار هيمنة هذا المشروع الذي يستخدم السلاح وفائض القوة للسيطرة على القرار الرسمي اللبناني.

والمؤسف أنه منذ العام 2005، مارس “الحزب” عملية قضم للمؤسسات الرسمية وتمكّن من السيطرة على أكثريتها، ولعل أكثرها صموداً كان الجيش اللبناني الذي بقي متماسكاً بالحد الأدنى بفضل قيادته الحكيمة والرشيدة، إلا أن ثمة احساساً لدى بعض المكوّنات اللبنانية بأن هناك “رخاوة” معينة للمؤسسة العسكرية حيال “الحزب” أو كلّما كان “الحزب” طرفاً في أحداث واحتكاكات معيّنة. أما في أحداث لا يكون “الحزب” معنياً بها فيلاحظ كثيرون أن الجيش يتصرّف بحزم وشراسة أكبر، ضارباً بيد من حديد.

ومن يسأل عن مصداقية هذا الكلام، ندعوه إلى متابعة شريط الأحداث منذ العام 2005 وحتى اليوم. ففي 7 أيار 2008 وقف الجيش متفرّجاً على “حزب الله” وحلفائه وهم يجتاحون بيروت ومناطق أخرى بهدف إسقاط الحكومة اللبنانية. وتمكّن “الحزب” بعد ذلك من تعزيز نفوذه في المؤسسات الدستورية والهيمنة عليها. يومها كوفئ قائد الجيش السابق ميشال سليمان على أدائه هذا وعيّن رئيساً للجمهورية في انتخابات شكلية كنتيجة لاتفاق الدوحة!

وفي 28 آب 2008 قتل “الحزب” النقيب الطيار في الجيش اللبناني سامر حنا. حينها وبعد ضغوط كبيرة، توصلت المحكمة العسكرية إلى طريقة للفلفة القضية، فسلّم “الحزب” أحد عناصره، ويدعى مصطفى مقدم، للمحاكمة. اكتفت المحكمة العسكرية بسجنه ستة أشهر بتهمة التسبب عن غير قصد بقتل النقيب حنا ومن ثم أطلقت سراحه، في حزيران 2009، لقاء كفالة مالية قيمتها عشرة ملايين ليرة لبنانية، قبل أن يقتل في سوريا في آب 2014.

وعند انفجار مسيّرة إسرائيلية، وسقوط أخرى في حيّ معوّض في الضاحية الجنوبية لبيروت في 25 آب 2019، عمّم “حزب الله” رواية تبنتها الأجهزة الأمنية من دون أن توضح أية تفاصيل. وغالباً ما يتدخّل الجيش شكلياً عند وقوع أي حدث أمني في المناطق الخاضعة لـ”الحزب”.

وخلال الانتفاضة التي اندلعت في 17 تشرين الأول 2019 كان الجيش متسامحاً جداً تجاه المعتدين على المتظاهرين ووقف متفرّجاً على اعتداءات عناصر “حزب الله” وحركة “أمل” ومناصريهما.

وفي آب 2020 اندلعت اشتباكات بين عناصر من “حزب الله” وعرب خلدة، الذين انتقدوا يومها أداء الجيش اللبناني واتهموه بالانحياز لصالح “الحزب” وبالتدخل لتهريب علي شبلي قاتل الفتى حسن غصن قبل أن يُقدم شقيق غصن على قتل شبلي. وقد نشر عرب خلدة فيديوهات تظهر تدخل الجيش لتسهيل هروب عناصر “الحزب”!

وفي آب 2021 شاء “حزب الله” إطلاق الصواريخ من بلدة شويا باتجاه إسرائيل رداً على غارات إسرائيلية. وسرعان ما حاصر عدد من أهالي المنطقة الشاحنة التي تحمل الراجمة التي أطلقت منها الصواريخ، رافضين أن تتحمل بلدتهم تبعات الأمر وتعريضهم للخطر. قبضوا على سائق الشاحنة، إلا أن الجيش تدخّل وتسلّم الراجمة وسائقها، ولكن سرعان ما أطلق سراح العنصر وأعاد إليه الراجمة ليكمل طريقه.

ومنذ أسبوعين، عند وقوع حادثة الكحالة، بدا واضحاً حرص الجيش اللبناني على حماية الشاحنة المحمّلة بالسلاح من الكاميرات ولملمة القضية وكذلك الأسلحة قبل نقلها إلى آلياته ورفع الشاحنة. لكن محاولات الجيش التستر على حمولة شاحنة “الحزب” لم تنفع وفُضح المستور تحت شادرها.

نسوق هذا الكلام حرصاً على هيبة الجيش ومصداقيته، وخصوصاً أن هذا السلوك يضعف الثقة به ويعرّضه للاستهزاء وخصوصاً في عصر مواقع التواصل الاجتماعي. وقد يكون فائض القوة لدى “الحزب” يجعله يمارس سطوته على الجيش، وربما يريد أن يرسّخ في أذهان اللبنانيين أن الجيش غير قادر على حمايتهم، مع ذلك لا غنى عن المؤسسة العسكرية، فهي الضامنة للاستقرار الأمني ووحدة الشعب اللبناني.

قد يكون لدى الجيش وقيادته مبررات لهذا الأداء، أهمها البيانات الوزارية التي تتبنى معادلة “جيش وشعب ومقاومة”، وتحرص على التنسيق بين الجيش و”الحزب” على خلفية الصراع مع اسرائيل، علماً أن اللبنانيين يعرفون أن أي مواجهة بينهما إذا تطوّرت فقد تؤدي إلى انقسام الجيش.

كل هذه المبررات ليست بعيدة عن المنطق، والجميع يؤمن بأن مسألة سلاح “حزب الله” تحلّ بالآليات السياسية لا العسكرية التي قد تدخل لبنان في حرب أهلية لا هوادة فيها، إلا أن ما يريده الشعب هو حماية الجيش له من اعتداءات “الحزب” في الداخل التي لا علاقة لها بالمواجهة مع اسرائيل، وأن لا يكون “تطنيش” الجيش على انتهاكات “الحزب” على حساب هيبته وكرامته، وأن لا يظهر دور جيش الدولة في خدمة جيش الدويلة المستخفة به والمتذرعة بضعفه لتبرير بقاء سلاحها.

إلى ذلك، تبرز مخاوف من أن يؤثّر أداء الجيش وتغطيته أحياناً لتصرفات “الحزب” على داعميه من الأميركيين والأوروبيين والعرب، وخصوصاً أن “الحزب” مصنّف على لائحة الإرهاب في معظم هذه الدول.

حالة الفوضى وعدم الأمان التي يشعر بها اللبنانيون نتيجة سلاح “الحزب” تدفعهم إلى الهجرة، والبقاء في البلد يتطلب أمناً واستقراراً وازدهاراً اقتصادياً، وهذا متعذر بسبب تمسّك “حزب الله” بسلاحه. وفي وقت يصل راتب عنصر “الحزب” إلى 500 دولار أميركي، يفرض الانهيار الاقتصادي الذي يشكّل أحد أسبابه “حزب الله” ضغوطاً غير مسبوقة على القدرات العملياتية للجيش، ما يؤدي إلى القضاء على قيمة رواتب الجنود وتحطيم معنوياتهم. ويعرّض هذا التدهور للخطر أحد مراكز القوى القليلة التي توحّد اللبنانيين. وتعكس هذه الحاجات “الطابع الحرج” للوضع داخل المؤسسة العسكرية، التي حذّرت قيادتها مراراً من تداعياتها على القيام بواجباتها العسكرية في حال ازداد الوضع سوءاً.

لذلك، من الضروري انتخاب رئيس للجمهورية سريعاً يكون قادراً على تشكيل حكومة يمكنها اتباع استراتيجية دفاعية تحرر الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الأخرى من قيود “حزب الله”، وخصوصاً مخابرات الجيش والمحكمة العسكرية.

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة