لا حدود لجشع باسيل السلطوي: أصبح ضرورياً أن يقال له بالفم الملآن: خيّط بغير هالمسلة
في ضوء التقدم المعلن عنه في المباحثات الجارية بين “حزب الله” ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، فإن الأخير وافق على القبول بمرشح الثنائي الشيعي رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، وذلك مقابل بعض الضمانات والمواقع التي سيقدّمها له الحزب نيابة عن فرنجية، في مؤشر واضح الى دفع البلاد نحو ست سنوات إضافية من المعضلات والمآسي التي لا تزال تقض مضاجع اللبنانيين.
وبات واضحاً أن مطالب باسيل كما أعلن هو بنفسه للقبول بالتخلي عن رئاسة الجمهورية، هي إقرار اللامركزية الادارية والمالية الموسعة، وإنشاء الصندوق السيادي للثروة اللبنانية، إلى جانب سلة مطالب أخرى علم “لبنان الكبير” أنها تتضمن حصة في التعيينات الادارية والعسكرية والأمنية مثل اشتراطه أن يكون قائد الجيش، ومدير المخابرات، والمدير العام لأمن الدولة، وقائد الدرك، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، وحاكم مصرف لبنان والمدير العام لوزارة المالية من حصته، وبقاء وزارة الطاقة محجوزة لصالحه.
وعلى افتراض أن باسيل قال “أعطونا اللامركزية الادارية والماليّة وصندوق إدارة أصول الدولة… وخذوا الرئيس”، فالسؤال البديهي الذي يطرح نفسه هو: هل يقبل سليمان فرنجية أن يعطي باسيل كل هذه “العدة” كي يحكم؟ والسؤال الاستطرادي هو هل بمقدور الحزب “تجيير” هذه المطالب وتسييلها لكي يصل مرشحه فرنجية إلى الرئاسة؟
منذ أن عاد جنرال الرابية من منفاه الباريسي في العام 2005 وباسيل، صهره المدلل، يصول ويجول في الوزارات والمناصب العليا للبلد من دون حسيب أو رقيب، وعندما وصل عمه إلى قصر بعبدا، تمكّن من السلطة أكثر وأصبح باسيل رئيساً للظل لا تمر شاردة أو واردة من دون معرفته وموافقته. فلماذا لم “تتهيج” حمية باسيل لكي يحقق ما يطالب به في الوقت الذي كان فيه قادراً، وفجأة أصبح يطالب به بعدما انتزعت من يديه آخر أوراق السلطة؟
اللبنانيون، كل اللبنانيين، أصبحوا على قناعة بأن باسيل لم يرتوِ بعد من جنة السلطة ويريد أن يستمر في استثمارها إلى آخر نفس، وهو في مفاوضته للحزب يدرك سلفاً أن تلبية مطالبه ضرب من الاعجاز ومستحيل التحقق، وعلى الأرجح يحاول رفع “سعره” على الرغم من إدراكه سلفاً أنه لن يحصل على ما يريد، وأنه بذلك يراوغ ويماطل ويناقض نفسه بنفسه على أمل أن يكون صانع الرئيس العتيد ويضمن بذلك لنفسه استمراراً في جني أرباح السلطة للسنوات الست المقبلة، ولو كان ذلك على حساب البلد.
غير أن “حزب الله” الذي يدرك أن باسيل يرفع سعره لكي يقبل بانتخاب فرنجية رئيساً، يدرك أيضاً أن مطالبه ليست سوى لذر الرماد في العيون وهو إذا يراقب ما يدلي به “أزلام” باسيل من استمرارهم في التقاطع مع المعارضة على اسم الوزير السابق جهاد أزعور، كما أنه على شبه يقين بأن ما يقوم به باسيل مناورات لكسب الوقت، فكيف ستؤول المفاوضات بينهما؟
قد يقول قائل إن “حزب الله” لا يزال بحاجة الى غطاء “مسيحي” لا يوفره له سوى “التيار الوطني الحر”، وهو يعرف ذلك ويتكل على مؤسس التيار الرئيس ميشال عون للمحافظة على هذا الغطاء، غير أن الحزب يرى بأم العين تراجع “شعبية” التيار بقيادة باسيل، وليس مطمئناً الى ما يمكن أن يقدمه له خصوصاً بعدما وصل الخلاف بينهما قبل نهاية ولاية عون وبعدها إلى ذروته، والكلام الذي قاله باسيل ربما سيكون من الصعب على الفريقين نسيانه وهو بكل تأكيد زعزع الثقة بينهما.
ومن حيث المبدأ، لا يحق لـ “حزب الله” القبول بمفاوضة باسيل على مطالبه، فهي ليست ملكاً للحزب ولا يستطيع أن يقوم مقام الدولة والحكومة ومجلس النواب لكي يوافق عليها لصالح باسيل، لكن الأنكى أن الأخير اشترط أن تقرّ مطالبه في مجلس النواب قبل أن يعطي إمضاءه على اسم سليمان فرنجية رئيساً، فهل أصبح مجلس النواب هيئة اشتراعية ويحق له إصدار القوانين على الرغم من غياب رئيس الجمهورية، والموقف الصلب لباسيل بأن مجلس النواب اليوم هو هيئة انتخابية ولا يستطيع أن يقوم بأي عمل تشريعي، فهل “كرمال عين تكرم مرج عيون”؟ هذا التناقض لا يستطيع أي عاقل أن يفهمه أو يمر عليه.
واستناداً الى مصادر قريبة من الثنائي الشيعي فإن “باسيل يريد أن يفاوض على السلطة من باب المقايضة ويعلم تماماً أنه لا يؤخذ على محمل الجد”، وهي لا تخفي خشيتها من “استعماله شتى المقايضات ولو كلف الأمر بيع موقع رئاسة الجمهورية”.
ربما يكون باسيل ماهراً في صياغة مشاريع “سلطوية” تعود عليه بالفائدة المادية، غير أن أساليبه وألاعيبه أًصبحت مكشوفة ولا يمكن أن تمر مرور الكرام خصوصاً لدى الثنائي الشيعي، وبالأخص لدى الرئيس نبيه بري الذي كان قد أعلن في العام 2016 معارضته لانتخاب عون للرئاسة بالقول “البلد لا يتحمل رئيسين للجمهورية”، وبالتالي أصبح ضرورياً أن يقال لباسيل بالفم الملآن: خيّط بغير هالمسلة
صلاح تقي الدين- لبنان الكبير