جلسة التمديد لـ«اليونيفيل» اختبار للتوجّه الدولي نحو ممارسات حزب الله!

يخوض لبنان في أروقة الأمم المتحدة الأسبوع الطالع معركة دبلوماسية صعبة في محاولة لإقناع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي باعتماد الصيغة القديمة حول التمديد للقوات الدولية «اليونيفيل» في جنوب لبنان التي تُقرن دوريات «اليونيفيل» بمواكبة من الجيش اللبناني وإلغاء العبارة الواردة في قرار التجديد المتخذ عام 2022 حول حرية الحركة في المناطق التي ينص عليها القرار 1701 من دون إستئذان مسبق.

وسيؤشر القرار الذي سيُتخذ في مجلس الأمن على كيفية التعاطي الدولي مع حزب الله في ضوء الخروقات للخط الأزرق وإطلاق الصواريخ ونصب خيمتين في مزارع شبعا والتعرض لدوريات «اليونيفيل» علماً أن لا إجماع داخل مجلس الأمن بوجود روسيا والصين على إدانة سلوك حزب الله وانتهاكه القرار 1701 من خلال تخزين أسلحة غير مأذون بها كما ورد في تقرير أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. إلا هذا الانقسام الدولي يحول بحد ذاته دون تعديل القرار الصادر عام 2022 كما يطالب حزب الله وكما يطمح إليه وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الذي يدرك صعوبة إقناع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالعودة إلى الصيغة القديمة المتعلقة بدوريات «اليونيفيل» خصوصاً أنه وفقاً للنظام الداخلي في مجلس الأمن لا يمكن إلغاء أي نص سبق وأُقر بالإجماع لكن يمكن الإضافة إليه.

وكان حزب الله وجّه أكثر من رسالة اعتراضية على التعديل الاخير الذي صدر في نهاية شهر آب/أغسطس الماضي حول حرية حركة «اليونيفيل» في منطقة عملياتها، واعتبر أن هذا التعديل يحوّلها إلى «قوة احتلال» وما لبث هذا الاعتراض أن تُرجم بالتعرض لدورية للقوات الإيرلندية في منطقة العاقبية أسفر عن مقتل جندي إيرلندي وإصابة آخرين. وقد تحدث تقرير غوتيريش عن هذه الحادثة، قائلاً «رغم احترام حرية تنقل القوة الدولية فإن البعثة واجهت قيوداً أعاقت حركتها» وأعرب عن «قلقه البالغ أزاء أعمال الترهيب التي يتعرض لها حفظة السلام» متطرقاً أيضاً إلى حادث ميس الجبل الذي أوقف فيه 17 ملثماً بينهم شخصان يحملان مسدسات دورية تابقة للقوة الدولية ووجّه أحد الملثمين ضربة لقائد الدورية أصابت رأسه، وحينما حاولت الدورية مغادرة المكان أتلف أشخاص نوافذ مركبتها واطاراتها بإستخدام فأس وأصيب ثلاثة من حفظة السلام بجروح طفيفة.

ولم يكتف غوتيريش بهذا الأمر، بل تحت عنوان «نزع سلاح الجماعات المسلحة» أكد أنه «لم يُحرَز أي تقدم وما زال حزب الله يعترف علناً بأن لديه قدرات عسكرية ولا يزال احتفاظ حزب الله وجماعات أخرى مسلحة خارجة عن نطاق سيطرة الدولة في انتهاك القرار 1701 يعوق قدرة الدولة على ممارسة كامل سيادتها وسلطتها على أراضيها» مضيفاً «وفي21 أيار/مايو، أجرى حزب الله تدريباً عسكرياً استخدمت فيه الأسلحة، بما في ذلك قاذفات الصواريخ في عرمتى».

اما بالنسبة إلى جمعية «أخضر بلا حدود» التابعة لحزب الله والتي تنفّذ في العلن نشاطات بيئية لكنها تمارس في الباطن عمليات استطلاع ومراقبة على الحدود، فقد اشتكى أمين عام الأمم المتحدة من عدم قدرة «اليونيفيل» على الوصول إلى مواقع هذه الجمعية رغم الطلبات المتكررة المقدمة إلى الجيش اللبناني، ولفت إلى «أنفاق تخترق الخط الأزرق وإلى وجود 18 حاوية و6 أبراج مراقبة في 19 موقعاً تقع إلى الشمال من الخط الأزرق».

وإزاء هذا التوجه للحفاظ على حرية حركة «اليونيفيل» وتوسيع صلاحياتها، انضم المفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الأمير قبلان إلى المحذّرين من اللعب بالسيادة بقوله «اللعب بالسيادة ليس نزهة أبداً، وتقديم «اليونيفيل» كقوة فوق السيادة والمصالح اللبنانية أمر غير مقبول، ولا قيمة له على أرض الواقع. ومن يفعل ذلك فلينقع قرارات مجلس الأمن وليشربها، كما كانت تفعل إسرائيل بها وما زالت».

غير أن لبنان ليس اللاعب الوحيد في مجلس الأمن، ولا تؤشر لقاءات وزير الخارجية في نيويورك إلى تقدم، وهو ما عبّر عنه برفضه مسودة مشروع القرار المطروحة حالياً في مجلس الأمن التي لا تشير إلى ضرورة وأهمية تنسيق اليونيفيل مع الحكومة اللبنانية ممثلة بالجيش إضافة إلى رفض لبنان أن يعطي الشرعية لنقل ولاية «اليونيفيل» من الفصل السادس الداعي إلى حل النزاع بالطرق السلمية إلى الفصل السابع الذي يدعو إلى فرض القرار بالقوة. وكانت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة السفيرة ليندا توماس غرينفيلد واضحة بالتشديد على سلامة القوات الدولية في الجنوب وفي إثارة قضية أنشطة جمعية «أخضر بلاد حدود» التي أدرجتها واشنطن على لائحة العقوبات أخيراً لتقديمها الدعم والغطاء لعمليات حزب الله في جنوب لبنان على طول الخط الأزرق. ولاشك أن الولايات المتحدة ستأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر إسرائيل التي تتمسك بالفقرة التي يعترض عليها حزب الله والحكومة اللبنانية.

أكثر من ذلك، تسعى واشنطن لتوسيع عمل «اليونيفيل» ليسمح لها بالدخول إلى مناطق تواجد جمعية «أخضر بلا حدود» كما تسعى لتسمية حزب الله في القرار الجديد والإشارة إلى الانتهاكات للقرار 1701 وللمضايقات التي تتعرض لها دوريات «اليونيفيل» وربما تستفيد من حادثة انقلاب شاحنة أسلحة لحزب الله في بلدة الكحالة لتضع الحكومة اللبنانية أمام مسؤولياتها لجهة عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة كي لا تكون هناك أسلحة غير أسلحة الدولة اللبنانية أو سلطة غير سلطتها وفقاً لأحكام اتفاق الطائف وقراري مجلس الأمن 1559 و1680 اللذين يطالبان بنزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان.

ولكن في هذا المجال يُطرح السؤال عن دور فرنسا التي وضعت المسودة الأولى للقرار، وهل تقبل بإيراد إسم حزب الله فيما هي تفاوض الثنائي الشيعي على تسوية للانتخابات الرئاسية في لبنان وترغب في توفير ظروف ملائمة لشركة «توتال إينرجز» للبدء بالتنقيب عن النفط والغاز في البلوك الرقم 9 في المياه الإقليمية اللبنانية؟

سعد الياس- القدس العربي

مقالات ذات صلة