الوجه الآخر للشيخ ياسر عودة

في أيام الشيخ ياسر عودة هذه، التي أعقبت مضبطة هيئة التبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بحقه وحق عدد من زملائه، نُسي أنّ عودة مؤلّفُ عددٍ من الكتب.

وهذا ليس غريباً في لبنان الذي تراجعت فيه القراءة وأهميّة الكتاب. وليس غريباً أيضاً أن تتقدّم المشهد والاهتمام إطلالاتُ عودة عبر الفيديو ووسائل التواصل. فهذه، التي تصوّر خطب الجمعة التي يواظب على إلقائها في مسجد بمحلّة فقيرة في الضاحية الجنوبية لبيروت، «ثوريّة» وصاخبة وموجعة، وهي بالتأكيد من أسباب غضب بعض المجلس عليه. والأهم من غضب بعض المجلس غضبُ مَن يُمسك بزمام هذه المؤسّسة التي أرادها مؤسّسها، الإمام السيد موسى الصدر، مساحة تجمع «النخب» الشيعية، بمختلف أطيافها واتّجاهاتها الثقافية والاجتماعية والسياسية، المدنية والدينية. والهدف من ذلك إنماء المناطق المحرومة وتمكين الشيعة عبر مشاريع إنمائية وتربوية… إلخ، كي يصيروا على سويّة مع المواطنين الآخرين، في لبنان «الوطن النهائي». وكان المجلس حقّاً، أيّام المؤسّس، مساحة ديمقراطية. وقد اتّسع لكثيرين من الطبقات الوسطى (متعلّمون وتجّار وآخرون) يسعون لخدمة المجتمع والإنسان. وتنافست فيه قوى سياسية مختلفة، بما في ذلك اليسار. واحتفى السيد الصدر بخصومه في قيادة المجلس أيام كانت تجري فيه انتخابات. وإذ رحّب بالتنوّع وبكون المجلس ترجمة له، كان حريصاً على مدنيّة المؤسّسة التي اختُصرت في ما بعد بالبعد الديني والشرعي المرتبط عضويّاً بالقوى السياسية السائدة.

وعلى الرغم من نسيان البعد التأليفي في سيرة عودة وشخصيّته، في مشهد السجال بشأنه، إلا أن ذلك لا يقلّل من أهمية ذاك البعد، بل على العكس. ولا يبرّر نسيانُ ذاك البعد استبعادَ كون تلك المؤلّفات في مقدّم أسباب الغضب على عودة. فالمؤلّفات الخمسة في صميم ثورته. وإذا كان في خطبه وإطلالاته يتناول بصوتٍ نقديٍّ عالٍ شؤوناً سياسية واجتماعية واقتصادية واعتقادية وأخلاقية، فإن الكتب التي تتراوح بين ما هو تربوي وديني يحرّكها إصلاح المعتقدات والإيمان، «في ظل اختلاط المفاهيم وضياع الرؤى»، وفق مقدّمة الناشر لكتابه «قضايا أثارت جدلاً».

وعودة في هذا، أي في محاربة البدع ودحضها وكشف ما تسلّل إلى المعتقدات وإبعاده، هو في مدرسة المرجع السيد محمد حسين فضل الله. وإذا كان يبدو في هذه اللحظة أن السياسة وراء إجراءات المجلس بحق عودة، فإنه لا يمكن تجاهل هذا الجانب المهم والخطير، في سياق تعميم معتقدات شعبية مذهبية مغالية. لكن، وبعدما حاصر ذاك التعميم السيد فضل الله، وبعدما انشغلت مؤسّسته، منذ رحيله، بشؤونها الداخلية، واصل عودة المسار التصحيحي المنفتح، وبصوت مرتفع، سواء أكان في الشؤون الدينية العلمية أم في الموقف السياسي الرافض للفساد والمغالاة وأمور أخرى من هذا النوع. ولم يدافع عودة عن «مشروعية البقاء على تقليد آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله» في كتاب خاص فحسب، بل بات يعبّر عن وجود تنوّع في «البيئة الشيعية» لا يُراد له أن يظهر، فكيف إذا ما كان عالِماً دينياً إصلاحيّاً تنويرياً يدعو إلى ثورة حسينية على الظلم والتضليل والافتراء؟

حسان الزين- نداء الوطن

مقالات ذات صلة