تجزئة التحقيقات لطمس الحقيقة وتغطية فداحة ارتكابات سلامة
أجمعت أمس أطراف سياسية وقانونية على أنّ تجزئة التحقيقات، كما فعل المدعي العام التمييزي غسان عويدات في ملف الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة وآخرين متورطين معه، تهدف الى «طمس حقيقة الارتكابات وخلط الأوراق». وفي هذا السياق، شدد النائب جورج عقيص»على وجوب إجراء سائر التحقيقات من قبل النيابة العامة التمييزية قبل إحالتها الى أي نيابة عامة أخرى، لعدم تجزئة التحقيقات، من جهة، ولأهمية وخطورة الملف وهوية المشتبه فيهم، من جهة أخرى، ولأنّ النيابة العامة التمييزية كانت قد باشرت تحقيقات تتعلق بارتكابات منسوبة الى حاكم مصرف لبنان وملاحق بها من قبل القضاء الاجنبي»، مؤكداً «أن في مواد القانون اختصاص للنيابة العامة التمييزية وولايتها الشاملة في الملاحقة والتحقيق».
وكشف نواب من تكتل «الجمهورية القوية» في مؤتمر صحافي عقدوه أمس أنهم قدموا إخباراً الى النيابة العامة التمييزية حول تقرير شركة «الفاريز ومارسال» في شأن التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، كما قدموا إخباراً الى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد حول التقرير نفسه».
وقال النائب غسان حاصباني :»تضمّن التقرير الاولي حقائق موثقة تقع ضمن الفترة الزمنية بين عامي 2015 و2020، وتكشف أكبر عمليات فساد ممنهج في التاريخ اللبناني محورها حاكمية مصرف لبنان التي أدارت على مدى سنوات شبكة من العلاقات، واعتمدت جملة من السياسات والاجراءات، أدت الى انهيار النقد الوطني، وتصنيف لبنان الائتماني ضمن أسوأ الدول في العالم، واعتبار الأزمة المالية والنقدية التي حلت بلبنان ضمن الأسوأ في التاريخ، وفق ما جاء في تقرير البنك الدولي».
وأكد التكتل أنّ التقرير الأولي كشف سلسلة حقائق أبرزها «اعتماد مصرف لبنان سياسات خاطئة اعتمدت إخفاء الحقائق وانعدام الشفافية وتزوير القيود، وهندسات مالية أدت الى انهيار المصرف المركزي والمصارف التجارية في آن معاً. كما أماط اللثام عن استفادة أعداد كبيرة من المؤسسات والنافذين من دون وجه حق من تقديمات وفرها المصرف المركزي، وحدّد التقرير كيف موّل البنك المركزي عجز الدولة خلافاً لأحكام قانون النقد والتسليف. كما كشف تخلف المجلس المركزي لمصرف لبنان عن لعب أي دور تقريري أو رقابي يمنحه أياه قانون النقد والتسليف، ما أطلق يد الحاكم في تقرير السياسات وتنفيذها بالتواطؤ مع الطبقة السياسية. وهناك مسؤولية تقع على وزراء المال المتعاقبين بالتضامن مع حاكمية مصرف لبنان».
الى ذلك، أعرب المنتدى الاقتصادي والاجتماعي عن «خشيته من عرقلة هذا الملف القضائي وتأخيره سنوات طويلة قبل الوصول الى خواتيمه المرجوة، خاصة بوجود مداخلات سياسية وتجزئة الملف وإدخاله في دهاليز مختلفة مثل التحقيق مع جهات عدة ومئات الموظفين، فإذا تعرقلت التحقيقات مع جهة تتعرقل مجمل العمليات القضائية».
وأصدرت مجموعة من جمعيات المجتمع المدني بياناً شددت فيه على «أنّ فكرة تجزئة التقرير هي إحدى الاستراتيجيات التي يلجأ إليها القضاء في بعض الحالات لطمس الحقيقة. تتمثل هذه الطريقة في تقسيم التقرير إلى أقسام متفرقة، ما يؤدي إلى تشتت الصلاحيات وتضاربها. وبالتالي، تكون الأجهزة المعنية مجبرة على التعامل مع جزء محدّد فقط من المعلومات، وهو ما يقلل من تركيز التحقيق. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن نواجه تكراراً الإجراءات، ما يتيح للمتورطين تقديم دفوع إجرائية غير مجدية، تؤدي بلا شك إلى تباطؤ العملية التحقيقية واستمرارها لفترات طويلة. وفي النهاية، ينعكس ذلك سلباً على الجهود المبذولة لتحقيق الشفافية وتحديد المسؤوليات، ويعوق تحقيق أهداف المساءلة وإنهاء فترة الإفلات من العقاب».
وأضافت: «تتجاوز هذه الأمور حدودها بتسليم جزء من التقرير إلى النائب العام المالي، وهو الشخص الذي ارتبط بصورة مباشرة بمصرف لبنان لعقود عديدة، كما أنه عضو في هيئة التحقيق الخاصة التي بدورها تُسأل عن تقصيرها في أداء مهماتها بخصوص هذا الملف وغيره. وتكمن المشكلة في أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تعقيدات جديدة وتضارب مصالح، ما يهدد بنقص في مصداقية التحقيق وعدم تحقيق الحيادية والشفافية المطلوبتين. فتبعاً لما تقدّم، إنّ المطلوب في المرحلة الراهنة هو إجراء تحقيق جاد وموحد ومركزي، لأنّ فتح تحقيق بهذا الشكل غير مجدٍ ومسألة التجزئة لم تعد تنطلي على أحد».
نداء الوطن