الراعي إلى الجبل في 8 أيلول: تطمئن الرعيّة وزعامة الدروز الشابة
يصل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في 8 أيلول إلى الجبل في مناسبة الذكرى 22 للمصالحة التاريخية، وتحضر السياسة والهموم الوطنية بقوة خلال الجولة، ففي زمن التحوّل الكبير يحاول كل مكوّن لبناني تثبيت الأُسس التي يراها مناسبة في ما تبقّى من جمهورية لبنان الكبير.
يقود البطريرك الراعي بوصلة المواجهة في هذا الزمن، ويعمل وفق الاتجاه الوطني الكبير الذي يرغب في الحفاظ على لبنان الـ10452 كلم2، ويحاول الحفاظ على المؤسسات بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وإذا كان قادة الموارنة، من سياسيين أم دينيين، يدخلون معركة تثبيت الكيان وحفظ الدور، إلا أنّ الدروز غير بعيدين عن النظرة المارونية، لكن كلّ وفق أسلوبه، وبالتالي هناك اتفاق في المضمون واختلاف في الشكل.
يقسم جبل لبنان الحالي إلى جبل لبنان الشمالي الذي يضمّ أقضية المتن وكسروان وجبيل بعد سلخ أقضية الشمال المسيحي عنه وضمّها إلى محافظة الشمال، بينما يضمّ الجبل الجنوبي الشوف وبعبدا وعاليه بعد سلخ جزين عنه بعد ولادة لبنان الكبير وضمّها إلى محافظة الجنوب. وإذا كان الشوف يشهد تمدّداً سنّياً في إقليم الخروب، وتشهد بعبدا تمدّداً شيعياً، إلا أنه يبقى للجبل تاريخه ورمزيته المارونية – الدرزية.
عندما دُعي وفد كنسي ماروني في القرن الخامس عشر لزيارة الفاتيكان، أصرّ على اصطحاب وفد درزي معه تأكيداً على وحدة الجبل، وأسّست هذه الحادثة لتلاحم ماروني- درزي ظهر خلال إمارة الجبل ووضع المدماك الأول لفكرة الاستقلال اللبناني، وعلى رغم الحروب الدموية، إلا أنّ الهموم لا تزال مشتركة.
يزور الراعي الجبل في أيلول فيستقبله شيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى والقيادات الدرزية، وسط خوف مسيحي – درزي مشترك: الخوف الأول على استمرار لبنان بصيغته الحالية، والخوف الثاني هو على استمرار الدور وسط سطوع نجم «الشيعية السياسية» وحفاظ السنّة على حضورهم رغم غياب الزعامة. وينطلق الخوف الثالث من التراجع الديموغرافي، وهذا الأمر يصيب الدروز أكثر من المسيحيين، فأعداد دروز لبنان ثابتة بينما هناك زيادة كبيرة في الديموغرافيا السنّية والشيعية.
وإذا كان هناك إصرار ماروني على المواجهة، يبقى الحذر سيّد الموقف عند الدروز، وتوضّح هذا الأمر خلال حادثة كوع الكحّالة، فالمكوّن الدرزي بقي على الحياد مع أن «مزاجه معبّأ» تجاه تجاوزات «حزب الله» أكثر من المسيحيين، لكن هناك مقولة شهيرة يطبّقها قادة الدروز وهي «عند تغيير الدول إحفظ رأسك».
وتأتي زيارة الراعي بعدما شهدت الزعامة الدرزية نقلة نوعية، فقد سلّم النائب السابق وليد جنبلاط مفاتيح الزعامة إلى نجله تيمور الذي صار رئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي، وإذا كانت زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير عام 2001 أطلقت مصالحة الجبل التاريخية وأسّست لمرحلة «الاستقلال الثاني»، فقد تؤسس هذه الزيارة لتوطيد العلاقات أكثر وتثبيت مصالحة الجبل، والأهم من هذا كله قد تطلق معركة تحرير الدولة من «الدويلة».
لا يُعدّ تيمور جنبلاط بعيداً عن خطاب بكركي، لكن الحكمة الدرزية تقضي بدراسة كل الخطوات، وبالتالي قد يُطمئن البطريرك القيادة الدرزية إلى عدم الدخول في أي معادلة جديدة لا تحفظ الحقّ الدرزي أو تجعل المكوّن الدرزي تابعاً لأي من المكوّنات الأخرى، فهدف بكركي هو الحفاظ على الوطن واحترام التعدّدية ودور كل المكوّنات.
تعتبر الطائفة الدرزية من الطوائف المؤسسة للكيان اللبناني، لذلك سيؤثّر ضعف الموارنة على الدروز والعكس صحيح، ووسط انهيار سياسة الثنائيات الطائفية أو الاحتكار، يبقى التنسيق واجباً بين القوى التي تتشارك الهموم الوطنية نفسها.
يريد الراعي بزيارته توجيه رسالة إلى المسيحيين بضرورة العودة النهائية إلى الجبل وعدم التخلّي عن الدور والحضور والأرض، ومن جهة ثانية، يؤكّد عدم التخلّي عن الجبل ومصالحته وعدم الدخول في إشكالات طائفية وعسكرية وعدم السماح لأي قوة بزرع الشقاق مجدّداً بين أبناء الجبل الواحد والوطن الواحد، وطبعاً يبقى الأساس في نظر بكركي هو الانتصار لمنطق الدولة.
الان سركيس