لودريان يعود إلى لبنان بحثا عن مخرج للكرسي الرئاسي الشاغر

إلى بيروت يعود الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، وقد حدد موعد الزيارة في الرابع من سبتمبر (أيلول) المقبل، بعد مهلة منحها مبعوث إيمانويل ماكرون إلى النواب أقصاها 31 أغسطس (آب) لتلقي أجوبة تتعلق بتحديد مواصفات رئيس الجمهورية المقبل، وبرنامج عمله في محاولة لإنهاء الشغور الرئاسي ببيروت.

وقال مصدر دبلوماسي، في تصريح خاص، إن الشهر المقبل سيشهد ضغطاً خارجياً على أطراف القرار اللبناني لإنتاج ما سمي “رئيس تسوية”، موضحاً أن المعركة ستكون “معركة قائد الجيش العماد جوزف عون”، خصوصاً أن “حزب الله” وفق مصادر مقربة منه حريصة على ألا يلعب رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في الوقت الضائع حتى انتهاء ولاية قائد الجيش.

وذكر المصدر أن “حزب الله” أعطى لباسيل مهلة لا تتخطى منتصف سبتمبر المقبل لتقديم رده النهائي في شأن دعم مرشح الحزب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

وسط هذه الأجواء، وعلى وقع بيان عالي السقف للمعارضة ردت فيه بالمباشر على فكرة الحوار وسألت عن الجدوى منه، يزور “لودريان” إذاً لبنان.

حظوظ لودريان

وعلمت “اندبندنت عربية” أن المبعوث الرئاسي الفرنسي سيعقد لقاءات ثنائية مع ممثلي القوى السياسية والكتل النيابية ويطلع منهم على تصورهم للمواصفات والمهام المطلوبة من “الرئيس العتيد”، وقد يرعى بدوره اجتماعات حوارية ثنائية، على أن يعقد بعد ذلك مؤتمراً صحافياً يصارح فيه الرأي العام اللبناني بالقواسم المشتركة بين مختلف القوى السياسية، إن وجدت، ليخلص إلى الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية.

وإذا كانت حظوظ نجاح مهمة لودريان ضعيفة استناداً إلى التباعد في وجهات النظر الذي عكسته المواقف المتناقضة للقوى السياسية في لبنان، فإن فكرة الحوار أو اجتماع العمل الذي يسعى الموفد الفرنسي إلى عقده في المرحلة الثالثة بعد اللقاءات الثنائية، بات مستبعداً، خصوصاً بعد كلام البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي العالي النبرة الذي وجه فيه للمرة الأولى انتقاداً للمبادرة الفرنسية.

وقال الراعي “في هذه الأيام تسمعونهم يتكلمون عن سؤال وجواب ولقاء وحوار، فالحوار الحقيقي والفاعل هو التصويت في جلسة انتخابية دستورية ديمقراطية، والمرشحون موجودون ومعروفون”.

مواصفات المجموعة الخماسية

متسلحة بمجموع 77 نائباً صوتوا ضد مرشح “حزب الله” في آخر جلسة حصلت لانتخاب رئيس للجمهورية في 14 يونيو (حزيران) الماضي، تستعد قوى المعارضة لجولة الموفد الرئاسي الفرنسي الجديدة، إذ استبقت الزيارة ببيان لافت في الشكل والمضمون، خصوصاً أنه تضمن رداً موحداً على أسئلة لودريان.

يرى نائب رئيس الحكومة السابق عضو تكتل الجمهورية القوية النائب غسان حاصباني، أن “روحية البيان” تستند إلى التركيز على التطابق بين المواصفات التي وضعتها قوى المعارضة لرئيس الجمهورية وتلك التي حددتها المجموعة الخماسية في اجتماع الدوحة، بالتالي فإن المعارضة سبق وحددت المواصفات التي تريدها في “رجل قصر بعبدا” المقبل، وهي متشابهة مع تلك التي اتفقت عليها الدول الخمس.

بيان المعارضة يشير، بحسب حاصباني، إلى أنها لا ترفض الحوار، لكنها لن تقبل بأي شكل من أشكال النقاش التي تخرج عن الدستور وعن دور مجلس النواب، تحت أي مسمى كان.

وينتقد البرلماني اللبناني فكرة إخراج ملف رئاسة الجمهورية من مجلس النواب لوضعه في يد قوى سياسية، فيتساوى بذلك المعطل للاستحقاق الرئاسي مع غير المعطل، ويصبح النقاش حول من أفشل الحوار ومن أسهم في إنجاحه.

وفي تذكيره بأعراف أنتجتها طاولات الحوار السابقة كالثلث المعطل وتثبيت وزارات معينة لطوائف محددة، تمسك حاصباني بأهمية وجود ضمانات، خصوصاً خارجية، بعقد جلسة لانتخاب الرئيس واحترام الديمقراطية وعدم فرض فريق مرشحه على الآخر.

نواب التغيير لا للحوار الموسع

يلتقي عدد من نواب “التغيير” أو النواب الجدد المستقلين مع موقف رفض الحوار الموسع خارج مجلس النواب، على رغم عدم توقيعهم على بيان قوى المعارضة الأخير.

فنائب بيروت عن المقعد السني إبراهيم منيمنة لم يجب بعد على رسالة لودريان بانتظار التنسيق مع زملائه من التغييريين ضمن مجموعة النواب ملحم خلف وحليمة قعقور والياس جرادي وفراس حمدان.

واعتبر منيمنة أن أي مساعدة من الدول الصديقة للبنان مرحب بها شرط أن تبقى في إطار واضح وألا تكون على حساب اللبنانيين وسيادة البلد، موضحاً أنه أبلغ الموفد الفرنسي عندما التقاه في الزيارة الأولى أنه كنائب مستقل يتطلع إلى رئيس للجمهورية بأجندة واضحة قبل البحث عن اسم محدد.

ورأى أنه إذا كانت دول المجموعة الخماسية الراعية لمهام “الرئيس العتيد” فهي التي تعطي ضمانات بتنفيذها، ملخصاً أجندة الرئيس المقبل في نقاط خمس يعتبر أنها العناوين الأساسية في أي نقاش، وهي الإصلاح الاقتصادي وبرنامج صندوق النقد الدولي وقانون استقلالية القضاء تبعاً لملاحظات لجنة البندقية التابعة للاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الإصلاحات السياسية وتطبيق اتفاق الطائف وسلاح “حزب الله” والسياسة الدفاعية.

ورداً على اقتراح لودريان بعقد حوار للاتفاق على الرئيس المقبل، رد منيمنة معتبراً أن لا مشكلة في الحوارات الثنائية، لكن الحوار الموسع خارج مجلس النواب أمر مرفوض، لأن البرلمان هو المكان الطبيعي لإجراء حوار حول كيفية تفعيل المؤسسات، ولفت الانتباه إلى الإطار السيادي لأي مساعدة خارجية رافضاً كما حاصباني مبدأ الفرض.

البديل عن الحوار

في بيان المعارضة، رفعت القوى الموقعة شعار الحسم وتحدث بعضهم عن تغيير في أسلوب المواجهة، وإذا كان نواب التغيير يلتقون مع قوى المعارضة في رفض الحوار، إلا أنهم يستخدمون مصطلح المواجهة، ولكن بأسلوب مختلف.

فالنائب التغييري إبراهيم منيمنة يعتبر أن المواجهة قائمة وتتجلى بشكل واضح داخل مجلس النواب، كما أنه لا يستبعد حصول تنسيق مع قوى المعارضة طالما الإطار سلمياً وديمقراطياً، وقال، “نحن مع المواجهة ولنا مصلحة في ذلك لأن لدينا أجندة نريدها أن تنفذ، لكننا مع المواجهة السلمية والديمقراطية، وغير ملتزمين أي إطار سياسي”.

في المقابل، ذكر النائب القواتي غسان حاصباني أن هناك طموحاً لعقد جبهة سياسية موسعة لكنها لم تنضج بعد، علماً أن أي جبهة ستولد ستنفذ الخطوات نفسها التي تنوي المعارضة القيام بها.

إذاً ماذا بعد البيان وما هي الخطوات التي ستقوم بها المعارضة؟، يجيب حاصباني مؤكداً مواجهة متعددة المجموعات والمقاربات، لافتاً إلى أن التنسيق مستمر بين الكتل النيابية والنواب الذين يلتقون على عناوين واحدة.

وقال إن التحرك سيكون كلاً من زاويته في اتجاه المجتمع الدولي لضمان تطبيق القرارات الدولية والتشديد على انتخاب رئيس للجمهورية والضغط في هذا المجال، كما ستعمل المعارضة باتجاه الداخل ضمن حركة احتجاج محلية تصاعدية للضغط على السلطة الحاكمة لفك أسر المؤسسات، والعمل بضغط شعبي وسياسي ونيابي للقول إن الأمور لا يمكن أن تستمر وكأن كل شيء طبيعي.

وختم حديثه بتأكيد أن المواجهة في المرحلة المقبلة ستتخذ كل الأشكال ضمن إطار القانون والدستور من أجل تعدل المسار الذي يحاول “حزب الله” وحلفاؤه الاستمرار به.

مقالات ذات صلة