انقسامات بالمجلس الشيعي: بدأت المعركة مع الشيخ ياسر عودة
بدأت المعركة القضائية بين المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والشيخ ياسر عودة، بعد أن تقدّم الأخير بطعنٍ أمام مجلس شورى الدولة، صباح اليوم الإثنين 21 آب، لإبطال ووقف تنفيذ قرار مدير عام التبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الذي ينزع عنه أهليته كرجل دين.
البيان الأول
في السادس عشر من آب الجاري، تسرّب القرار الصادر عن هيئة التبليغ، والذي جاء فيه إن الإدارة العامة للتبليغ قررت اعتبار 15 شخصية دينية غير مؤهلين للقيام بالإرشاد والتوجيه الديني والتصدي لسائر الشؤون الدينية والأحوال الشخصية المتعلقة بأبناء الطائفة الإسلامية الشيعية، إما للإنحراف العقائدي أو للإنحراف السلوكي أو للجهل بالمعارف الدينية، وادعاء الإنتماء للحوزة العلمية، إضافة إلى اعتبار الأوراق التي تصدر عنهم لا قيمة شرعية لها وغير صالحة للإثبات، وغير قابلة للاعتماد عليها لدى المحاكم الشرعية الجعفرية وغيرها من الدوائر.
سرعان ما نفى ذلك المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في بيان آخر، وأوضح أن البيان الصادر عن هيئة التبليغ الديني “لا يعبّر عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ولم يطّلع عليه رئيس الهيئة العليا للتبليغ الديني، نائب رئيس المجلس سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب، واعتباره كأنه لم يصدر والتذكير بعدم نشر أي بيان باسم المجلس ما لم يكن موقعًا من رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى”.
في واقع الأمر، وبعد تناقض البيانات داخل المجلس، تبيّن أن مدير عام التبليغ الديني، الشيخ عبد الحليم شرارة متمسّك بقراره، حيث أنه أصدر بيانًا جديدًا اليوم الاثنين، وحوّله إلى الديوان لتعميمه على جميع المحاكم وأخذ العلم، وطلب فيه “تعميم مضمون القرار السابق الصادر عن الإدارة العامة للتبليغ الديني والمتعلّق ببعض مرتدي الزي الديني الذي اشتهروا بارتكابهم مخالفات وتجاوزات لم يعد من الممكن غض الطرف عنها، لاسيما أن بعضها أصبح مادة للتشهير الإعلامي وأداة لمن يريد تشويه صورة الطائفة..”.
هذا البيان كان دليلًا كافيًا للتأكيد على الانشراخ الحاصل داخل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وعلى إصرار هيئة التبليغ على تنفيذ قرارها، متجاوزةً بيان رئيس الهيئة العليا للتبليغ الديني، الشيخ علي الخطيب.
اغتصاب سلطة؟
لذلك، اعتراضًا على هذا البيان، تقدّم عودة بطعن أمام مجلس شورى الدولة. وفي حديث “المدن” مع وكيل عودة القانوني، المحامي حسن بزي، أكّد بأن هيئة التبليغ تجاوزت سلطتها، فهي متهمة باغتصاب السلطة، فهذا القرار ليس من صلاحياتها، والهيئة الشرعية هي المخولة باتخاذ هذا القرار. وبالتالي، فإن الخطوة المقبلة بعد تقديم الطعن، ستكون انتظار توضيح من الشيخ علي الخطيب، فإما سيتمسك بموقفه السابق، مما يؤدي إلى إبطال قرار الهيئة في مجلس شورى الدولة، أو يوافق على تعميم هذا القرار، ويعني هذا أنه اعتراف علني بتبني القرار. وهو الأمر الذي سيعتبر مهانة كبرى للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
بدوره، أوضح الشيخ ياسر عودة لـ”المدن” بأنه قرر خوض هذه المعركة حتى الرمق الأخير دفاعًا عن حقوقه. فتراجع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عن بيانه لم يكن كافيًا لتعويضه عن الضرر المعنوي الذي لحق به، حيث اعتبر بأن هذا القرار كان بمثابة إطلاق الرصاصة عليه، سيما أنه يتعرض لحملة ممنهجة تهدف إلى تشويه سمعته.
انتقادات ومضايقات
يُذكر أن هذه الحملة بدأت منذ عام 2017، وهي نتيجة مواقفه الصريحة التي رددها على المنابر، والتي هاجم فيها الأحزاب السياسية والمنظومة الحاكمة، داعيًا الشعب اللبناني ومن ضمنهم البيئة الشيعية إلى مواجهة هذه الأحزاب والمطالبة بحقوقه. فتعرّض منذ ذلك الوقت إلى حملة واسعة طاولته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اتُهم فيها بالإنحراف الأخلاقي والديني.
تمزيق عقد الزواج
في عام 2020، مزّق أحد الشيوخ داخل المحكمة الجعفرية عقد زواج يحمل توقيع الشيخ ياسر عودة، وطلب من الزوجين تجديد هذا العقد لدى شيخ آخر، ليتم تسجيله داخل المحكمة الجعفرية والاعتراف به، مما أدى إلى توقف عودة عن إجراء عقود الزواج أو الطلاق تجنبًا لحدوث هذه الأمور داخل المحاكم الجعفرية.
في السياق نفسه، تعرّض عودة لسلسلة من الانتقادات الواسعة خلال الأيام الماضية، وبدأ التعرض الشخصي لأفراد من عائلته ببعض الكلمات النابية، وبعض عبارات القدح والذم، كما شُنّت حملة كبيرة على أبناء العلامة السيد محمد حسين فضل الله، لتقديم موقف واضح من الشيخ عودة، علمًا أن مكتب العلامة السيد محمد حسين فضل الله قد أعلن تضامنه مع عودة في اللحظة الأولى لصدور البيان.
هذا عدا عن اتهام عودة بالإنحراف الأخلاقي، وذلك بعد أن أعلن النائب مارك ضو تضامنه مع عودة، فاتهم الأخير بأنه قد يروج للمثلية الجنسية، ببساطة لأن ضو يسعى لمنع قرار تجريم المثلية داخل مجلس النواب.
في الخلاصة، يبدو واضحًا أن الكيديات والصراعات السياسية تسيطر على المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، والمؤكد اليوم أن الأحزاب السياسية لم تعد قادرة على تقبل الآراء المضادة لها، خصوصًا أن هذه الأصوات باتت تؤثر على البيئة الشيعية.
فرح منصور- المدن