بين رياض سلامة وخبر “الفلاش ميموري” وإفلاس البلد.. وعمرو دياب حدث وحديث البلد!

بين عمرو دياب ورياض سلامة والرّجل الذي عضّ كلباً

مرة جديدة عن الناس والمال والسلطة والاعلام.

مر خبر صغير نشرته بعض الصحف اللبنانية عن حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة مروراً خجولاً، لم يثر الكثير من الضجة مع أنه يكاد يكون الخبر الأكثر أهمية وخطورة. مر الخبر في ذروة الانشغال اللبناني بحفلة المغني المصري عمرو دياب التي كانت الحدث الأبرز على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع المنصرم.

لم يهتم اللبنانيون كثيراً بالخبر الذي يفيد بأن سلامة أودع في مكان ما خارج لبنان “فلاش ميموري”، تتضمن كل المعلومات والتفاصيل عن الثلاثين سنة التي أمضاها في إدارة مصرف لبنان المركزي وسياساته وهندساته متلاعباً، ومن معه ومن يحميه، بثروة بلد بأمه وأبيه، والأكيد، وهذا هو المهم، عن دور الطبقة السياسية وتدخلاتها وفضائحها. اكتفى الناس بالسجال حول حفلة عمرو دياب بين مدهوش بها وببطلها، وبين “مفقوس” منها أو ربما زعلان لأنه لم يملك القدرة على حضورها.

يبدو رمزياً ومفارقاً التناقض بين الحدثين. خبر سلامة الصغير يرمز إلى إفلاس البلد وما تركه من قهر وحزن وأسى، بعدما نُهبت أموال المواطنين عموماً والمودعين خصوصاً، صغارهم وكبارهم، وحفلة عمرو دياب التي أسالت الكثير من الكلام، غثّه وسمينه، وأظهرت اللبنانيين وكأنهم يذهبون إلى حفلة انتحار جماعي يبددون فيها كل ما يملكون.

هل يجدر التذكير هنا بأن هناك من استدانوا ثمن بطاقة الحفلة، ومن بعن مصاغهن لينزلن بثيابهن البيض إلى مكان الحفلة عند واجهة البحر البيروتي ليسمعوا الفنان المبلل بالعرق عن بعد كيلومتر. المؤكد أن نصف الـ17 ألف متفرج الذين دفعوا مالاً أثرى منه المتعهد، فضلاً عن حصة الفنان، لم يروه، فالمسافة بعيدة والإجراءات التنظيمية أبعدته منهم أكثر، هم بالكاد رأوا المسرح والأضواء وخيالات تتمايل في البعيد.

ليس الموضوع تقييماً لحفلة عمرو دياب، فللمغني معجبوه ومحبوه الكثر، لا سيما المعجبات الولهات، وهو مغن مكرّس وثري وليس بحاجة لحفلة بيروت ليثبت جماهيريته. والناس أحرار في أن يحبوا من يريدون من المغنين والمغنيات. هناك من يدفعون ليسمعوا فنانين وفنانات أقل كثيراً من عمرو دياب. فللناس في من يعشقون مذاهب.

المقارنة هنا ذات وجهين. وجه يتعلق بالإعلام ودوره، ووجه يتعلق باهتمامات الناس وأولوياتهم وعلاقتهم بالسياسة والسياسيين، وبنظرتهم إلى مستقبلهم المجهول.

من الواضح أن خبر سلامة لم يثر اهتمام وسائل الإعلام التقليدية التي هي بغالبيتها إما مستفيدة من “عطاءاته” و”كرمه”، أو من هندساته وقروضه الميسرة. وليس صعباً على المتابع ملاحظة العلاقة الغرامية بين بعض الإعلام ورياض سلامة. لكن أن يتجاهل الناس العاديون والمؤثرون على مواقع التواصل خبر سلامة فأمر يدعو إلى التساؤل والاستغراب. هل هو تواطؤ أم يأس أم استسلام؟

في علم الإعلام ليس خبراً عادياً خبر سلامة. هو كخبر الرجل الذي عضّ كلباً وليس كخبر الكلب الذي عضّ رجلاً، المثال الذي يشكل ألف باء تعليم الإعلام. هذا خبر كبير يكشف اللعبة كلها. لعبة رياض سلامة والطبقة السياسية اللبنانية.

رياض سلامة خزانة أسرار وفضائح. فضائحه الشخصية وفضائح الطبقة السياسية. “رجلاه وأرجلهم بالفلقة سوا”.

ليس الخبر خبراً عادياً ولم يكتشفه صحافي. هو خبر مسرب تسريباً متعمداً لغايات لا تخفى على أحد، وربما تفسر لماذا لم يُلقَ برياض سلامة في السجن بعد رغم كل الدعاوى والتحقيقات المحلية والدولية والأرقام المنشورة عن النهب والتحويل التي لم يجرؤ أحد على تكذيبها أو التملص منها.

هكذا ينقل رياض سلامة معركته من تحت الطاولة إلى فوقها ليحمي نفسه. اللعب صار عالمكشوف والأوراق أمام الجميع. “الحارة ضيقة والكل يعرفون بعضهم بعضاً”. لا أسرار في لبنان. كل شيء معروف بالأسماء والأرقام. الصفقات تبرم علناً وعلى شاشات التلفزيون وأوراق الصحف. لا حياء واعتبار للمواطن المنتوف ولا للأخلاق. وهنا الكارثة. كارثة الرضا الشعبي أو على الأقل التواطؤ. مريب أمر هؤلاء الناس الذين يتضورون جوعاً من دون أن يحركوا ساكناً تقودهم عصبية طائفية عمياء لا مجال للعقل فيها.

راغب جابر- النهار العربي

مقالات ذات صلة