خروج دراماتيكي لفرنسا ولبنان الى النفق الأكثر ظلمة: هل من معادلة رئاسية جديدة؟

بتعاطيه الايجابي والمرن في الذهاب الى حوار متحرر من الشروط المسبقة، استطاع الثنائي الشيعي نقل كرة التعطيل من ملعبه ووضعها في مرمى المعارضة الرافضة لمنطق الحوار المطلق مع “حزب الله”، على الرغم من أن المبعوث الفرنسي الخاص جان ايف لودريان أعاد مبادرة بلاده الى المربع الأول، بسحب أسماء المرشحين من ورقته وحصرها بالمواصفات والبرنامج، والتمهيد باللقاءات الثنائية وصولاً الى اجتماع جامع للفرقاء اللبنانيين في قصر الصنوبر.

سحب رئيس مجلس النواب نبيه بري من قوى المعارضة وبعض الدول الاقليمية ذريعة رفض انعقاد طاولة الحوار، كونها من صلاحيات رئيس الجمهورية المنتخب، وتنازل عن ترؤس الحوار ومكان انعقاده، مبدياً ايجابية في إرسال موفد عنه الى قصر الصنوبر لخوض حوار غير مشروط، ومن دون أسماء رئاسية. وفي طيات خطوته تأكيد على أن فريقه السياسي لا يفرض مرشحه وإن كان متمسكاً به.

أبلغ الثنائي الشيعي الوسيط الفرنسي أنه وحلفاءه سيجيبون على الورقة الفرنسية، الخالية من أي اسم رئاسي، وأنهم منفتحون على حوار قصر الصنوبر. وبذلك انتفت حجة المعارضة التي ترفض الحوار على أساس أن الثنائي الشيعي يريد من الحوار فرض سليمان فرنجية على الآخرين. كما أن المعارضة باتت مأزومة ومحرجة مع الفرنسي، فلا يمكنها رفض الحوار مع مكون لبناني وهو “حزب الله”، الذي تجاوب مع الطرح الفرنسي وتراجع خطوة الى الوراء بهدف الوصول الى توافق على المواصفات والبرنامج لتسهيل انتخاب رئيس الجمهورية. فالرفض بسلبية يعني أن سبب تأخير الاستحقاق الرئاسي بات لدى الفريق الرافض لمنطق الحوار غير المشروط، وباتت المعارضة تحت مجهر الاجراءات التي لوحت بها الدول الخمس في بيانها الأخير من الدوحة.

أصبحت المعادلة الرئاسية إذاً: من يرفض الحوار مع الفريق السياسي الآخر، هو من يعطل الاستحقاق الرئاسي، وليس من يعطل نصاب جلسة الانتخاب فقط. وبذلك قلب الثنائي الشيعي صفحة التعطيل وبدّل المشهد السياسي، فيما الفريق الآخر لا يزال أسير رفضه المطلق للجلوس مع “حزب الله”.

الورقة الفرنسية وإن اعتُبرت مساً بالسيادة الوطنية أو ممارسة غير مألوفة، الا أنها استكمال لعملية جس النبض التي أجراها لودريان مع المسؤولين اللبنانيين كافة في زيارته الأخيرة، وهي وازنت بين دعوات الرئيس بري الدائمة الى الحوار الوطني، وموقف الخماسية المشجع للتوافق من دون الإنحياز الى مرشح رئاسي أو وضع فيتو على آخر. لذلك، فإن المبادرة الفرنسية بطرحها الجديد تُعدّ بمثابة الفرصة الأخيرة تمهيداً لحوار غير مشروط في قصر الصنوبر، ووفقاً لتفاعل الأطراف اللبنانية مع ورقتها سيتحدد معرقلو الرئاسة، ليصبح مقياس التعطيل في المرحلة الراهنة هو رفض الحوار.

وأخيراً، وبعد انقضاء مهلة التجاوب مع الورقة الفرنسية، أي بعد الواحد والثلاثين من الشهر الجاري، ستتخد فرنسا موقفاً نهائياً في ضوء التفاعل مع ورقة لودريان وحصوله على الأجوبة أو رفض التجاوب، إما يأتي في المنتصف الأول من أيلول ويعقد الحوار، أو يرجئ زيارته أو يلغيها لتكون خطوته بمثابة انسحاب دراماتيكي للدور الفرنسي، ومؤشر الى دخول لبنان في النفق الأكثر ظلمة.

راوند بو ضرغم- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة