“الشارع هو الخلاص”.. أسباب كامنة ومباشرة وراء احتجاجات السويداء
رغم أن الاحتجاجات التي تشهدها السويداء السورية منذ 5 أيام جاءت في أعقاب القرارات الأخيرة لحكومة النظام السوري برفع الدعم عن المحروقات، تقف سلسلة من “الأسباب الكامنة” وراء الصيحات المطالبة بإسقاط النظام السوري، التي تَميز بها الحراك المتواصل حتى يوم الاثنين.
وأخذت الاحتجاجات منحى تصعيديا منذ يوم الأحد، بعدما أعلن السكان المحتجون “الإضراب العام”، وشملت الحالة المحال التجارية والمؤسسات الحكومية والتعليمية، وتطورت لتصل إلى حد إقدامهم على قطع طرق رئيسية تصل القرى والبلدات ومدن المحافظة مع محيطها.
ومن غير الواضح حتى الآن المسار الزمني الذي ستكون عليه الاحتجاجات، وما إذا كانت ستتواصل لأيام في المرحلة المقبلة، أم أنها قد تتوقف كما حدث بالنسبة لسابقاتها. ومع ذلك يرى نشطاء ومراقبون تحدثوا لموقع “الحرة” أن “ما يحصل في الوقت الحالي غير مسبوق منذ عام 2011”.
وتقطن في السويداء الغالبية الدرزية، ولطالما اعتاد السكان فيها على مدى السنوات الماضية الخروج بمظاهرات شعبية، في حالة “استثنائية” باتت تميزها عن باقي المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة النظام السوري، التي نادرا ما تخرج منها أصوات مشابهة، بسبب قبضة أجهزة الأمن.
وهذه الحالة انعكست في الأيام الماضية على مشهد محافظة درعا، بعدما شهدت مظاهرات شعبية أيضا في أحياء درعا البلد وقرى وبلدات الريفين الشرقي والغربي، طالب فيها المحتجون بإسقاط النظام السوري والإفراج عن المعتقلين و”إحداث تغيير سياسي”.
“الشارع هو الخلاص”
ولم يعلق النظام السوري حتى ساعة إعداد هذا التقرير على الاحتجاجات التي يشهدها الجنوب السوري منذ أيام، واقتصرت تغطية وسائل إعلامه على خبر عاجل ومقتضب أوردته صحيفة “الوطن” يوم الأحد، إذ أكدت وجود “احتجاجات متفرقة في السويداء”، وقالت إن “المحتجين يمنعون التجار من فتح محالهم والموظفين من الدوام في الدوائر الرسمية”.
ويشير الصحفي ريان معروف، مدير شبكة “السويداء 24” الإخبارية المحلية، إلى أنهم “سجلوا 42 نقطة تظاهر يوم الأحد”، واعتبر أن هذا المشهد “تحول نوعي قياسا بالمظاهرات السابقة التي شهدتها المحافظة بشكل متقطع”.
وواصل المحتجون ما بدأوه يوم الاثنين، على صعيد الاحتجاج في الطرقات والشوارع والساحات المركزية أو من خلال قطعهم للطرقات، والتأكيد على استمرارية حالة “الإضراب العام”.
ويقول معروف لموقع “الحرة”: “الزخم الحاصل يشير إلى تحول نوعي في الرأي العام. هناك أناس موالون هتفوا بعبارة (سوريا لينا وما هي لبيت الأسد)”.
“قسم كبير من السكان بات يعي أنه لا حل له إلا بالتظاهر وأن قول الكلمة في الشارع هي الخلاص”، ورغم أن محركهم معيشي لا ينفي المشهد المطالب السياسية التي عكستها هتافات عدة طالبت بإسقاط النظام السوري وخروج “المحتلين”، في إشارة إلى روسيا وإيران، وفق ذات الصحفي.
وأظهرت صور لمحتجين، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كيف يحمل مواطنون لافتات كتب عليها عبارات من قبيل: “نزيل إلى الشارع لأنه طريقك الوحيد للخلاص”، “من يستجدي حقه لا يستحقه”، “نعم للديمقراطية نعم للحرية وكرامة الإنسان”.
كما كتب آخرون: “لا للمخدرات لا لعصابات الكبتاغون وترويجه”، “قمعتم الشرفاء ودعمتم المجرمين”، “إذا جاعت الشعوب تحاسب حكامها وبدنا المعتقلين”.
ويضيف الصحفي معروف: “هناك قناعة أنه لا يمكن أن تتحسن الأوضاع المعيشة إلا بحل سياسي. عدا عن ذلك هناك تململ من سياسات النظام وعناصره في السلب والنهب”.
ويرى الكاتب والباحث السوري، الدكتور جمال الشوفي، أن “الاعتصامات الحاصلة والحراك السلمي ليس غريبا على مجريات الحالة السورية منذ 12 عاما، لكن ما يميزه الآن هو الزخم الشعبي”.
وقبل احتجاجات المحافظة الجنوبية كان صحفيون وناشطون وجهوا دعوات لـ”الإضراب العام” في مختلف المحافظات السورية الخاضعة للنظام السوري، ردا على سياسياته الاقتصادية السابقة.
لكن لم تخرج إلا السويداء ودرعا، لاعتبارات تتعلق بـ”البنية الأمنية الهشة” الخاصة بهما، المختلفة عن باقي المدن السورية.
ويقول الشوفي لموقع “الحرة”: “غرض السويداء سابقا كان عدم خلق صدام مع أي سلطة عسكرية على رأسها النظام السوري، إذ تدرك المحافظة أن أي شيء يترتب على هذا الأمر سيكون مسلحا”.
وفي الآونة الأخيرة خيمت محاولات شعبية من أجل التهدئة، تحت عنوان “الإصلاح”، بينما راقبت المحافظة المبادرة العربية على أساس أنها “ستؤدي إلى إصلاح البنية السياسية، ومن ثم الواقع الاقتصادي”.
لكن “ما اتضح بعد الانتظار الطويل”، وفق الكاتب السوري “وجود تملص للسلطة السورية من التزاماتها لمصالح الناس واستقرارها”.
“زيادة الرواتب، ومن ثم زيادة المحروقات، يوضح بما لا يقطع مجالا للشك كذب السلطة القائمة ومراوغتها في التعامل مع الواقع الاقتصادي، وأن المواطن آخر همها”.
ويتابع الشوفي: “الشارع مصمم على الاحتجاج ومتابعة الإضراب للضغط على السلطة، من أجل إحداث تغيير سياسي واقتصادي، ومحاربة الفاسدين وهو ما أكده شيخ العقل حكمت الهجري، وقبله بفترة قائد حركة رجال الكرامة”.
“أسباب كامنة”
وبعد 12 عاما من الحرب في سوريا لا تلوح في الأفق أي بادرة حل سياسي، إذ تنقسم جغرافيا البلاد بين أطراف نفوذ مختلفة، فيما لا تلوح في الأفق أيضا أي بادرة للخروج من الأزمة الاقتصادية، التي اشتدت تداعياتها، منذ مطلع شهر يوليو الماضي على نحو أكبر.
كما لا تلوح أي بادرة أيضا على صعيد تغيير النظام السوري لرؤيته للحل في سوريا واستجابته للمطالب التي يرددها المحتجون.
وما سبق انعكس في تغريدة على موقع التواصل”أكس” للناطق باسم “لجان المصالحة في سوريا”، عمر رحمون، إذ قال: “لن يعود سيناريو 2011 إلا إذا أشرقت الشمس من الغرب”، في إشارة منه إلى مطالب المحتجين.
وأضاف: “كلنا مع تحسين الوضع المعاشي وكلنا مع دفع الحكومة لتطور نفسها وخططها ومواكبة الظرف الصعب، وبنفس الوقت كلنا ضد الأساليب التي دمرت وخربت ولم تجلب إلا الدمار”.
لكن الناشطة السورية النسوية، ريما فليحان تقول إن “الحراك الحالي في السويداء ليس وليد اللحظة، بل نتيجة تفاعلات وضغوط مستمرة سياسية وأمنية ومعيشية”، وإن “القرارات الأخيرة قد تكون سببا مباشرا”.
وتحدثت فليحان عن “أسباب كامنة وراء الانفجار الشعبي”، ترتبط بعوامل عدة بعضها اقتصادية، “إذ يشاهد السوريون كيف ينهش الفساد البلاد على يد طغمة حاكمة وأذنابها، بينما يعاني الشعب من أجل رغيف الخبز”.
وأبدى النظام بسلوكه أنه “غير معني حقيقية بوجع السوريين، ولا إنهاء محنتهم فهو لا يتعاطى مع الحل السياسي بجدية”، مما يعني أنه “لا سلام مستداما، وبالتالي لا إعادة إعمار ولا انفراجات حقيقة”، حسب الناشطة.
وهناك عامل اجتماعي من بين الأسباب الكامنة، يتجلى بتشريد السوريين.
وتضيف فليحان لموقع “الحرة”: “توجد عائلات مشتتة داخل سوريا وخارجها، يعلم أفرادها أن لم الشمل لن يكون إلا بحل سياسي، خاصة أن اللاجئين لن يعودوا إذا لم يشعروا بالأمان”.
“العامل الأمني المخابراتي لا يخفى والفلتان والفوضى سببها النظام”، حتى جاءت القرارات الأخيرة برفع الدعم والرواتب، في وقت تواصل السلطة “نهب ما تبقى من موارد البلاد، وتضع سوريا تحت وصاية إيران وروسيا”، وفق ما تتابع الناشطة النسوية.
ما المتوقع؟
أصدر الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين (الدروز)، بيانا، قبل يومين، أكد فيه “نفاد الصبر وفوات الأوان”، وقال: “الصمت لا يعني الرضا، فقد طالت التصرفات والإجراءات لقمة العيش، فآن الأوان لقمع مسببي هذه الفتن والمحن ومصدري القرارات الجائرة المجحفة الهدّامة”.
وهاجم الهجري “أعلى المستويات” من دون أن يسميها، قائلا إنه “نبهها للأخطاء ولكنها لم تستجب وضربت عرض الحائط بمصالح الناس”.
وعاد اسم الشيخ ليتردد في مظاهرات يوم الاثنين، وبينما أيد مواصلة الإضراب والاحتجاج، حذر من “الفتنة”، ودعا إلى “الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة”.
ويذهب الشارع في الوقت الحالي إلى “الضغط على السلطة لإحداث تغيير سياسي”، خاصة أن “السيل بلغ الذبى”، حسب تعبير الباحث السوري، جمال الشوفي.
ويقول الشوفي: “هناك إصرار شعبي على الاستمرارية ولتحقيق المطالب التي تبدأ بالحد الأدنى على المستوى المادي والاقتصادي والاستقرار والأمن، وتتطور إلى مطالبات سياسية واسعة”.
“مستقبل الاحتجاجات مرهون بمدى تجاوب النظام على إحداث تغييرات”، ويضيف الكاتب أن “الشارع لن يتراجع وستتطور مطالبه لسياسية بشكل أكبر”.
كما يعتقد أن “الاحتجاجات الشعبية ستلاقي مفاعيل المبادرة العربية، والنقاط الأساسية التي توردها بالحل السياسي وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية والإفراج عن المعتقلين”.
من جهته يعتبر الصحفي ريان معروف أن “استمرارية الحراك وزخمه مرهون بخروج باقي المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة النظام السوري”.
في المقابل، وبينما لا ترى الناشطة النسوية فليحان وضوحا بشأن “إلى متى سيستمر الشارع في الاحتجاج”، تقول إن “الغضب حقيقي ومحق”.
وتعتقد أن ما يحصل “فرصة لكل السوريين أن يتكاتفوا في كل المحافظات ليلاقوا هذا الحراك، وقد تكون فرصة للخلاص من القهر والجوع”.
وتضيف فليحان: “المطالب محقة والحراك داخلي بالكامل، ونحن نتضامن مع كل حراك مطلبي أو سياسي أو حقوقي سلمي ومدني”.
وعلى مدى سنوات كان موقف السويداء السورية “وطنيا”، وبينما رفضت مشاركة أبنائها بقتل السوريين استقبلت العوائل التي فرت من الموت ضيوفا عندها.
وشاركت في بدايات الثورة السورية بالحراك السلمي، و”اليوم ينفجر الشارع فيها غاضبا، حيث لم يعد لدى الناس طاقة لاحتمال المزيد، وهم يدركون أن الحل الوحيد برحيل النظام وتحقيق حل سياسي”، وفق فليحان.
الحرة