لماذا يلجأ لاعبو كرة القدم إلى مهدئ قاتل؟

منذ أكثر من قرن ونصف القرن من الزمان انطلقت أولى المباريات الرسمية لكرة القدم في التاريخ لتسطر بدايات واحدة من أكثر وسائل المتعة والترفيه في عالمنا، وتطورها جعل هناك كثيراً من المستفيدين حول العالم، سواء مادياً ومعنوياً وصحياً، تطور كرة القدم جعلها لا تخلو من الجانب المظلم، حيث جاء البعض بأفكار سلبية تؤثر في الفكرة التي قامت عليها اللعبة من الأساس، وليس ذلك فقط بل تؤثر في حياتهم الشخصية.

ومنذ منتصف القرن الماضي بدأت حركة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والاتحادات القارية على رأسها الأوروبي في اتخاذ إجراءات صارمة تجاه تعاطي المنشطات، في البداية كان يتم إجراء فحص قبل المباريات النهائية فقط، قبل أن تتحول في أواخر الثمانينيات إلى تحاليل دورية في جميع أدوار البطولات الخاصة بالاتحاد الأوروبي، ومن هنا بدأت الحركة الفعلية تجاه مكافحة المنشطات في ملاعب كرة القدم حول العالم.

وعلى رغم أن المنشطات قد قل استخدامها بسبب صرامة العقوبات من قبل “فيفا”، فإن هناك وسائل أخرى يتجه إليها لاعبو كرة القدم، باعتقادهم أنها تضعهم في حالة مزاجية أفضل وتساعدهم في تحمل الضغوط، ولكنها تسبب آثاراً سلبية على الحالة البدنية والصحية لهم على المدى البعيد، حيث يأتي على رأسها التدخين بجميع أنواعه، سواء السجائر أو الأرجيلة أو الأنواع غير المدخنة من التبغ مثل “سنوس”.

ما هو “سنوس”؟

يعد “سنوس” أحد منتجات التبغ غير المدخن، والتي انتشرت في ملاعب كرة القدم منذ سنوات، وهو عبارة عن مسحوق داخل كيس يشبه أكياس (الشاي)، ويضعها الشخص بين أسنانه واللثة، وهو مكون من تبغ (العاطوس) الجاف وينتج في السويد منذ القرن الـ19، حيث لا يخضع للتخمير، ويعطي شعوراً بالهدوء وحالة من الاسترخاء. وانتشر تبغ “سنوس” بين لاعبي كرة القدم مثل النار في الهشيم خلال السنوات الأخيرة، وأصبح الطبيعي أن يتناوله لاعب كرة القدم، والاستثناء من يمتنع عن ذلك، ويؤدي هذا النوع من التبغ الذي يدخل في تكوينه النيكوتين إلى إفراز الدوبامين والسيروتونين، مما يساعد في اندفاع الأدرينالين، يؤدي إلى تقليل الإجهاد وزيادة اليقظة والتحفيز، حيث تم استخدامه دون النظر إلى نتائجه السلبية على المدى البعيد الذي قد يؤدي إلى الموت.

ظهور “سنوس” في كرة القدم

استخدم “سنوس” منذ سنوات عديدة في ملاعب إنجلترا، وتم حظرها عام 1992 بعد انتشارها بشكل واسع بين اللاعبين، ولكن استمر استخدامها بشكل طبيعي حتى الآن، وأبرز اللاعبين استخداماً لهذا النوع كان جيمي فاردي نجم ليستر سيتي الذي اعترف بالفعل أنه يتناولها منذ عام 2016، وظهر في بطولة كأس الأمم الأوروبية في العام نفسه يحمل كمية من هذا المنتج. وقال في تصريحات عن هذا المشهد “أحد أصدقائي أرشدني إلى (سنوس)، ساعدني على الاسترخاء والهدوء”.

ويقول لي جونسون المدير الفني السابق لسندرلاند، في تصريحات لموقع “ذا أتليتك” الإنجليزي، إنه يعتقد وصول نسبة متناولي “سنوس” في الدوري الإنجليزي من 35 إلى 40 في المئة بين اللاعبين.

لم يقتصر استخدام “سنوس” على أندية الدوري الإنجليزي فقط، بل كان هذا مثالاً على الدوريات بشكل عام حول العالم، فهناك معاناة كبيرة في الوقت الحالي بسبب ظهوره في الدوري المصري الممتاز أخيراً، بين اللاعبين حيث يحصلون عليه من الخارج، بسبب عدم وجود منافذ بيع رسمية حتى الآن.

وفي شهر مارس (آذار) الماضي، ظهر بلاتي توريه لاعب بيراميدز المصري، ويحمل في يده عبوة من “سنوس” في أول ظهور لها بشكل علني بين اللاعبين هناك، وكانت بداية إثارة الأزمة بشكل عام وقتها، أن هذا المنتج توغل بين عناصر اللعبة، وهذا ينذر بالخطر والتأثير في اللاعبين بشكل عام.

وأكد أحمد حسام ميدو نجم منتخب مصر والزمالك السابق، على انتشار “سنوس” بين لاعبي الدوري المصري، حيث قال في تصريحات تلفزيونية “50 في المئة من اللاعبين يتناولون مادة مخدرة قبل خوضهم المباريات، تؤثر فيهم بالسلب، وهذه المادة مدمرة وتتسبب في تأخير اللاعب للعودة من الإصابة وتضرره بشكل كبير بجانب تعرض اللاعبين للإصابة باستمرار”.

هل “سنوس” منشط؟

وكشفت المنظمة المصرية لمكافحة المنشطات عن إذا كان “سنوس” تم إدراجه ضمن المنشطات المحظورة داخل ملاعب كرة القدم في الفترة الأخيرة، بعد انتشاره بشكل واسع بين اللاعبين المصريين، وخطورة زيادة النسبة في الوقت الحالي.

وقالت هانم أمير المدير التنفيذي للمنظمة المصرية لمكافحة المنشطات في تصريحات لـ”اندبندنت عربية”، “(سنوس) يحتوي على مادة النيكوتين فقط وليس بها منشطات في الوقت الحالي، ولذلك لم يتم حظره في ملاعب كرة القدم، وسنتابع تطورات الموقف”.

وتواصلت “اندبندنت عربية” مع الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات (وادا) للسؤال عن إمكانية إدراج تبغ “سنوس” مستقبلاً ضمن المواد المحظورة على الرياضيين، لكن لم تلق رداً.

“سنوس” داخل المنتخب الوطني المصري

انتشار “سنوس” بين لاعبي الدوري المصري لم يتوقف، وتم التأكد أن النسبة تتزايد يوماً بعد الآخر، غير مدركين للأضرار الصحية التي ستعود عليهم على المستوى البعيد، متمسكين بالأجواء والحالة الذي يضعهم بها المنتج وقت تناولها.

وكشف أحد لاعبي الدوري المصري فضل عدم ذكر اسمه، عن انتشار استخدام تبغ “سنوس” بين عدد من لاعبي المنتخب الوطني المصري. وقال لـ”اندبندنت عربية”، “أنا لم أتعرف على (سنوس) في فريقي، ولكنني تفاجأت بوجوده في معسكر المنتخب خلال الفترة الماضية، وظهر بانتشار واسع واستخدام بكثرة بين اللاعبين”. وأضاف اللاعب “اللاعبون الذين يتناولون (سنوس) أكدوا أنه يضعهم في حالة هدوء واسترخاء، وحالة مزاجية جيدة قبل المباريات، وهو ما يساعدهم على تقديم أداء مميز”، حيث يدل هذا الكلام على عدم إدراك اللاعبين بأضرار المنتج عليهم.

طبيب منتخب مصر يوضح خطورة “سنوس”

انتشار “سنوس” داخل صفوف المنتخب الوطني المصري، مؤشر خطر للغاية، حتى إذا كان اللاعبين غير مدركين النتائج السلبية على ذلك، ولكن هذا يعطي فرصة لزيادة نسبة انتشاره لأن بعضهم يتناوله كنوع من الفضول ليس أكثر، وهذا على حد وصف محمد أبو العلا رئيس الجهاز الطبي لمنتخب مصر.

وأكد محمد أبو العلا في تصريحات لـ”اندبندنت عربية” أن الانتشار خلال السنوات الأخيرة كان بشكل متسارع للغاية، وقال “الشيء الخطر في (سنوس) هو تناول التبغ بكميات أكثر مما تحمله السجائر، ولكن لم يدخل به مواد مخدرة أو منشطة، هو مكون من التبغ مع مواد طبيعية، وتأثيرها حتى الآن غير معروف على المدى البعيد”. وأضاف “اللاعبون يستخدمون (سنوس) من بعضهم من أجل الفضول، والبعض الآخر يرى أنه موضة، ويعتقدون أنه يساعدهم للتغلب على ضغوط المباريات، وجاء هذا النوع من التبغ إلى مصر من طريق لاعبي شمال أفريقيا، وليس لها أماكن للبيع في الوقت الحالي ويقومون بشرائها من الخارج بثمن باهظ، ولكن صحياً، يجب على لاعب كرة القدم أن يبتعد عن تناوله لأن بكل تأكيد له أثر سلبي على المدى البعيد”.

هل “سنوس” قاتل؟

يؤثر “سنوس” سلبياً على الحالة الصحية للمتعاطي، سواء على المدى البعيد أو القريب، وهو ما يثبته رأي المتخصصين في هذا الشأن، حيث قال مايكل شتاينبرغ مدير برنامج الاعتماد على التبغ في جامعة روتجرز، في تصريحات سابقة له “إن استخدام التبغ أقل ضرراً من السجائر، ولكن ليس معنى ذلك أن التبغ آمن، لا، هناك الأقل ضرراً وهناك الآمن، فهو له بكل تأكيد ضرر صحي على جسم مستخدمه”.

وذكر تقرير عبر موقع “ذا أتلتيك” الإنجليزي أن هناك كثيراً من الأضرار التي تلحق بمتناول “سنوس”، على رأسها هو سرطان اللثة والفم بجانب مشكلات في القلب والدورة الدموية، وهذا قد يودي في بعض الأحيان إلى الموت المفاجئ.

ونشر المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية الأميركي أحد أفرع المعاهد الوطنية للصحة ومعتمد حكومياً هناك، دراسة في يوليو (تموز) 2022، حول تطور نسبة استخدام التبغ غير المدخن حول العالم، حيث وصل عدد هؤلاء إلى 300 مليون شخص معظمهم في دول جنوب شرقي آسيا بنسبة 85 في المئة، ولكن وجود أيضاً نسب ليست بالقليلة في دول أوروبا وأفريقيا، حيث ربطت الدراسة أيضاً هذه الأنواع بأمراض السرطان وارتفع ضغط الدم وأمراض القلب والسكتات الدماغية، وهو ما يثبت أن هناك قاتلاً بين لاعبي كرة القدم في المستطيل الأخضر في الوقت الحالي دون أن يشعروا به قد يأتي يوماً لإنهاء حياتهم وليست مسيرتهم الكروية فقط.

اندبندنت

مقالات ذات صلة