حفل عمرو دياب حرّك المسؤولين لـ “تنظيف” بيروت… وسقط في مستنقع مخلّفات المحتفلين!!
يبدأ حب الحياة من التفاؤل والشعور بالرضا والامتنان مهما اشتدت الصعاب، وتأزمت الظروف وقست الأوضاع الاقتصادية وتضاعفت العقبات والأزمات المادية والاجتماعية، لان فقه العيش يتفوق على ثقافة الاندثار. فاللبنانيون الذين عُرفوا بعشقهم للمرح والتسلية، تميزوا أيضا بالإرادة القوية الجبارة لمواجهة الشظف والحرمان واليأس والانهيار، رغم المصائب التي تكاثرت عليهم في السنوات الأربع الأخيرة.
صحيح ان السعادة لا تُشترى كونها جزءا كبيرا من الأشياء التي يمتلكها الانسان، والعادات التي يمارسها بشكل يومي، لتصبح أكثر من مجرد شعور جيد مفعم بالإيجابية، بل هي الرغبة في الحياة والاستفادة منها قدر الإمكان، في ظل التحديات الراهنة التي يعيشها البلد على الصعيد الأمني والسياسي وحتى المادي. فالابتهاج يبدأ من القوة الذاتية النابعة من داخل الفرد أولا، لتجاوز المحن والتصدي لها مهما اشتدت وطأتها.
بيروت تذهل العقول قبل القلوب!
فنيا، الاصداء الايجابية لحفل الفنان عمرو دياب الذي حضره 17 ألف شخص، رسّخت مرة جديدة ان لبنان قبلة للمتفائلين وعتبة للراغبين بالنجاح، وعلى الرغم من المآسي، فإن التمسك بفأل الخير اقوى من الشقاء. وفي هذا السياق، اثارت المشاهد التي غصّت بها مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام المحلية والعربية وحتى العالمية، زمرة من التساؤلات حول الفيديوهات وصور الحفل وحضور الجمهور المذهل. اذ كيف لشعب خرج من ثالث اقوى انفجار في العالم ان يكون مستبشرا بهذا القدر؟
في الحقيقة، المشاهد خطفت اهتمام العالم بأسره، والحفل كان مهرجانا بكل ما للكلمة من معنى. ورغم كل الظروف الأمنية التي شهدتها الساحة اللبنانية مؤخرا، الا ان الموسم السياحي والصيفي كان من بين الانجح على مستوى العالمين العربي والاوروبي، في ظل العسر المادي ومعاناة مئات عشرات العائلات من تردي أوضاعهم المعيشية.
على خطٍ موازٍ، قال أحد المشرفين على تنظيم الحفل لـ “الديار” انه “تم نصب أكثر من 700 شاشة في المكان، واستخدمت الرافعات لمد جسور الإضاءة، وهي تقنيات تستعمل للمرة الأولى بحفل غنائي في بيروت، كما تتضمن الحفل فقرة خاصة بالألعاب النارية للمرة الأولى بأشكال واحجام ملونة مماثلة لما تم تنفيذه في مونديال قطر، مشيرا الى ان الجمهور لبس الزي الأبيض بناء على تنسيق مع إدارة الفنان المصري، الذي يجد ان هذا اللون الابهى بحفل كهذا في مشهدية مبهرة لعاصمة نفضت التراب عن كاهل أبنائها”.
وقال: “السهر في هذا البلد لا يشبه السهر في أي بلد آخر من العالم، ولطالما تغنّى لبنان بسياحته الليلية التي جعلته وجهة الحياة الليلية الأهم في العالم، وبتكريم ضيوفه بطريقة تليق بهم، وهذا تأكيد على ان الاستمرار في الحياة قدر لهذا البلد، والاقدار لا تمحى ابدا، واستمرار الحياة فيه إرادة الله الازلية”.
المحافظة على البيئة ليست “سويعاتية”!
في سياق متصل، طلب محافظ بيروت القاضي مروان عبود من شرطة وحرس البلدية تسيير دوريات لضبط المخالفات في شوارع العاصمة، وحجز عدد كبير من الدراجات النارية المخالفة الى جانب “التكاتك” التي غزت مؤخرا شوارع العاصمة، وذلك تحسبا لأي فوضى تكدّر صفو العاصمة قبيل انطلاق الحفل.
وفي هذا الإطار، تم توقيف مجموعات النكيشة التي تقوم بنبش القمامة في حاويات النفايات، وهذا الامر ان دل على شيء فيدل على ان وجود هؤلاء على المكبات ذات طابع سيىء للصورة الحضارية في البلد، وهذا يؤثر بالطبع في الموسم السياحي لما فيه من اشارات سلبية تعكس الهرج والاستخفاف بالقوانين، وهذا يكشف تقصير البلدية في هذا المجال وترك القصّار من النكيشة يعبثون بالقمامة ويبعثرونها ويتركونها ارضا، ويذهبون من دون حسيب او رقيب او محاسبة حتى لا تتكرر هذه الافعال.
صحيح ان حفل الفنان المصري، كان الباعث والمحرك الأول للمسؤولين للاهتمام بالمدينة وتنظيفها، وهذا ما جعل المعنيين منتظمين كالساعة،فكثّفوا من حملات التنظيف وسيّروا دوريات لشرطة البلدية للحفاظ على مداخل المدينة الراقية والساحرة، وللحد من الثُلّة التي تزعزع الصورة الراقية، فحبذا لو ان هذه الحملات تبقى قائمة مستقبلا.
وزير البيئة مستاء
وبعد انتهاء حفل عمرو دياب، نشر وزير البيئة في حكومة تصريف الاعمال ناصر ياسين مقطع “فيديو” للطريق العام المؤدي الى المكان، حيث كانت الحفلة على واجهة بيروت البحرية، وظهرت النفايات المرمية عشوائيا على طول المساحة المحيطة بالمنطقة. وكتب ياسين على منصة “اكس”: ” كنا قد لفتنا نظر بلدية بيروت حول إلزام الشركة المنظمة لرفع النفايات وتنظيف المكان على نفقتها. وعليه ينبغي على محافظ بيروت تسطير محاضر نظافة عامة بالمخالفين حسب المادة 25 من مرسوم المحافظة على النظافة العامة رقم 8735 الذي ينص على ان “يعاقب الشخص الذي يقدم مخالفة طرح النفايات والأوراق والقشور او العلب الفارغة وغيرها او تركها امام محله او منزله”.
وطلب ياسين “إلزام الشركة المنظمة للحفل، تنظيف الموقع والشوارع المحاذية لمكان الحفلة على نفقتها الخاصة، ودعاها الى تحمل كلفة المعالجة والطمر انطلاقا من مبدأ “الملوث يدفع”، كما ينص قانون إدارة النفايات الصلبة 80 (2018)، وإبراز ما يثبت ذلك للبلدية”. ثم ما لبث ان عاد ونشر “فيديو” يظهر ان عمال النظافة العامة في بلدية بيروت تعمل على تنظيف المخلفات والنفايات من مكان الحفل.
والسؤال الذي يطرح نفسه: اليس من مهام البلدية جمع النفايات وعدم تركها تتكدس لتفوح الروائح النتنة منها ونحن في أوج الصيف؟ اليس من المفترض ان تسيّر حملات يومية على مدى أيام الأسبوع، وليس في أوقات الحفلات والمناسبات؟
عمليا، الضرر البيئي جراء حفلة عمرو دياب يتمثل بالمسؤولية الملقاة على عاتق المحتفلين، الذين تركوا اوساخهم على الطرقات المحاذية لموقع الحفل، فامتلأت الأرصفة والشوارع التي لم تخل منها أصلا. والسؤال الموجه للمعنين: ما هي التدابير الإدارية والقضائية التي اتخذتها كل من وزارة البيئة وبلدية بيروت لردع ذلك؟
من المعيب ان نلقي المسؤولية على فنان لا ناقة له ولا جمل في هذا الامر، والتزام المتعهد محصور في المكان الذي أقيم فيه الحفل، لأنه لا يمكن ان يتحول الى ضابطة عدلية في الشوارع. لذلك، كل ما هو خارج نطاق الحفل يبقى من واجب المؤسسات المعنية ووزارة البيئة.
ندى عبد الرزاق- الديار