الكحّالة وmtv: “قناة خبيثة”.. أم “حزب خبيث”… وسلاح حزب بات “مرضاً خبيثاً”؟
كنت في إجازة عندما سقط شهيد الكحّالة. إجازة سنويّة أردتها أن تكون انقطاعاً مؤقّتاً عن متابعة الأحداث اللبنانيّة والعالميّة. لكنّ ما حدث في الكحّالة قطعها نظراً لموقع المدينة في قلب الأحداث اللبنانيّة وعلى الطريق الدوليّة التي تصل بيروت بدمشق. فقد شهدت منذ عقود العديد من الأحداث التي كانت لها أبعاد وتداعيات وطنيّة، ولذا لها مكانة مميّزة في الوجدان المسيحيّ، كما الأشرفية وعين الرمّانة، منذ الحرب.
بعد أيام، وكما كان متوقّعاً، خرج الأمين العامّ للحزب لتناول “الحادثة”، بحسب تسمية الحزب. الكلّ يعرف أنّ الحزب ينقل السلاح والذخائر والصواريخ كلّ يوم من سوريا إلى لبنان. لكنّ انقلاب شاحنة محمّلة بالسلاح والذخائر لا يحدث كلّ يوم، خاصّة أنّ “الحادثة” تحوّلت حدثاً بعد تبادل إطلاق النار بين عناصر الحزب، المرافقين للشاحنة والذين أتوا لدعمهم، وأهالي البلدة، وسقوط فادي بجّاني شهيداً.
ما لم يكن متوقّعاً هو أن يلقي الأمين العامّ للحزب مسؤولية ما حدث على “إحدى القنوات التلفزيونيّة المعروفة”، الـ MTV التي لم يسمِّها بالاسم. في حين أنّ فريق القناة قام بعمله الطبيعيّ بتغطية حادث انقلاب شاحنة محمّلة بالأسلحة والذخائر كما وردت المعلومات إلى غرفة الأخبار. واتّهمها بـ”تحريض الناس بأن الشاحنة تنقل السلاح” وكأنّ المراسل اخترع الخبر. وأضاف: “نطالب القضاء بأنّه لولا التحريض الإعلامي التي قامت به هذه القناة المعروفة الخبيثة لَما حصل ما حصل عند كوع الكحّالة. الذي يتحمّل بالدرجة الأولى التداعيات المحتملة لما كان سيحصل في البلد ككلّ وسفك الدماء والتحريض على القتل هي هذه القناة الخبيثة”.
دعوة لقمع الإعلام
كلام نصرالله أخطر من انقلاب شاحنة وسقوط شهيد من الكحّالة وعنصر من الحزب. إنّه دعوة واضحة وصريحة إلى قمع الإعلام الذي ما يزال خارج سيطرة الحزب ويواجه تهديداته. كلام يذكّرنا بحكم الوصاية السوريّة الذي منع في تسعينيات القرن الماضي تلفزيون LBC من تقديم نشرات الأخبار، فاستبدلها بيار الضاهر ببرنامج “صارت الساعة 8” للحفاظ على مشاهدي القناة إلى حين عبور عاصفة القمع. وفي عام 2001 أُغلق تلفزيون MTV نفسه الذي لم يعاود البثّ إلا بعد سنوات على خروج الجيش السوري من لبنان. يذكّرنا أيضاً بديكتاتورية ميشال عون حين كان رئيساً للحكومة الانتقالية. فقد منع حينها وسائل الإعلام في “المنطقة الشرقيّة” من استعمال تسمية “رئيس الجمهورية الياس الهراوي” وتسمية “رئيس الوزراء” لرئيس الحكومة المشكّلة، وتسمية “الوزير” لوزرائها.
“الحزب الخبيث”
استعمال نصرالله صفة “الخبيثة” لوصف تلفزيون MTV مرفوض ومردود. فالخبث ليس صفة الإعلام الذي يقوم بتغطية الأحداث ونقل وقائعها. إنّما هو صفة ملازمة للحزب الذي يقوم منذ سنوات بكلّ شيء ما عدا ما يدّعيه: “مقاومة” إسرائيل.
أليس خبيثاً الحزب الذي قال إنّه لم ولا ولن يوجّه سلاحه إلى الداخل، في حين أنّه قام بغزو بيروت ومناطق في الجبل في 7 أيار 2008 وقتل العشرات من اللبنانيين؟
أليس خبيثاً الحزب الذي ادّعى انخراطه في الحرب السورية بحجّة حماية مقام السيّدة زينب في ضواحي دمشق في حين أنّ انخراطه في الصراع كان دعماً لنظام بشار الأسد ومن أجل قتال الشعب السوري وقتله في دمشق وحمص والقلمون وحلب… ثمّ عمل على تشكيل وتدريب وتنظيم ميليشيات شيعيّة هناك؟
وماذا عن انخراطه في الحرب في اليمن إلى جانب الحوثيين حيث لا مقامات دينيّة يحميها ولا تنظيمات إرهابية يحاربها؟ فالحرب في اليمن هي صراع على السلطة بين الحوثيين، المدعومين من إيران، والسلطة المنتخبة. والكلّ يعلم أنّ تلك الحرب هي جزء من مشروع إيران للسيطرة على المنطقة العربيّة واحتلال عواصم العرب… أو تدميرها في حال العجز عن احتلالها. وتهدف أيضاً للسيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي الذي تمرّ عبره 40% من التجارة العالميّة.
أليس خبثاً تأليف شبكات تجسّس في مصر بحجّة دعم حركة حماس في غزّة؟ وماذا عن الشبكات في دول في أميركا الوسطى والجنوبيّة حيث تنشط تجارة المخدّرات العالميّة؟ واللائحة تطول…
غالبيّة اللبنانيّين ضدّ سلاح الحزب
“حادثة” انقلاب شاحنة سلاح للحزب وردّة فعل أهالي الكحّالة ليستا منفصلتين عمّا سبقهما من أحداث مشابهة. فهما تذكّراننا بردّة فعل أهالي بلدة شويّا الدروز. تذكّراننا أيضاً بردّة فعل أهالي عين الرمّانة في مواجهة غزوة الطيّونة. وتذكّراننا برفض أهالي الطريق الجديدة السُّنّة لهيمنة الحزب وسراياه، وبرفض أهالي طرابلس لسلاح الحزب الذي دعم العلويين في جبل محسن لمواجهتهم. وفي جلسة مع النائب السابق الراحل علي عيد في منزله على الحدود اللبنانيّة – السوريّة، قال لي إنّه في لقاء له مع الأمين العامّ للحزب ناقش مشروع تحقيق الربط الجغرافي للمناطق العلوية في الشمال اللبنانيّ مع المناطق العلوية على الساحل السوريّ. ولو أُعطي لغالبية الشيعة أن يعبّروا عن رأيهم بحرّيّة بعيداً عن التهديد، لرفضوا أيضاً سلاح الحزب الذي عزل طائفتهم في لبنان، وعزل لبنان عن المحيط العربي والمجتمع الدوليّ.
الحزب والمسيحيّون
أمّا في ما خصّ البيئة المسيحيّة تحديداً، فقد أظهرت واقعة الكحّالة أنّ المسيحيين، كلّ المسيحيين، ضدّ سلاح الحزب وغطرسته، لا بدافع حزبيّ ولا بتحريض إعلاميّ. فالشهيد فادي بجّاني هو من مناصري التيار الوطني الحرّ “حليف” الحزب. لقد خسر الحزب الغطاء المسيحيّ الذي وفّره له التيار منذ 2006 والذي يحاول استعادته من خلال حواره المستجدّ مع جبران باسيل. فالتيار لم يعد كما كان يمثّل غالبية المسيحيين. هذا ما أظهرته الانتخابات النيابية الأخيرة. وحتى هذه القلّة ترفض سلاح الحزب. هذا ما عبّرت عنه قيادات حالية وسابقة في التيار على الرغم من بيان ميشال عون. هؤلاء، كما غالبية اللبنانيين، يعتبرون أنّ سلاح الحزب بات “مرضاً خبيثاً”. وهو من يشكّل تهديداً بـ”الانفجار والحرب الأهليّة”. ولا قيامة للبنان إلا باستئصاله بالمواجهة “الديمقراطية والسلمية”، كما جاء في بيان نواب المعارضة الـ31.
د. فادي الاحمر- اساس